محليات

جعجع يهاجم عون: المواجهة على السلاح أم على زعامة الشارع المسيحي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تفتح الرسائل التي وجّهها رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، بابا واسعا على مرحلة جديدة من التصعيد السياسي. فالهجوم المباشر الذي شنّه جعجع لا يأتي، وفق المتابعين، من فراغ، بل يستند على مقاربة ترى أنّ الدولة الحالية عاجزة عن إثبات قدرتها في وجه ما يسميه الدولة العميقة التي يهيمن عليها حزب الله، وأنّ رئاسة الجمهورية والحكومة، رغم هامش الوقت الذي أُعطي لهما، لم تقدّما بعد مؤشرات إلى تغيير جوهري في بنية الحكم.

ينطلق جعجع في انتقاده من فرضية يعتبرها ثابتة: حزب الله لا يزال الطرف الأقوى داخل المؤسسات غير المُعلنة للدولة، وهو قادر، بتركيبته الأمنية والعسكرية، على تعطيل أي مسار سياسي لا ينسجم مع مشروعه الإقليمي. وبحسب مقاربته، فإنّ المهلة التي مُنحت للعهد الجديد ولحكومة نواف سلام كي يبرهنا على نيّة بناء دولة قادرة وقوية انتهت بلا نتائج ملموسة، فيما تستمر المقارنة لصالح حزب الله الذي يسرّع، وفق خطاب القوات، من وتيرة تحصين بنيته العسكرية.

وفي هذا السياق، يرى جعجع أنّ بطء العمل الحكومي وتردّد الرئاسة في اتخاذ خطوات حاسمة، يرسّخان القناعة بأنّ الدولة عاجزة عن استعادة قرارها، وأنّ ما قدمته حتى الآن لا يتخطى حدود الوعود والإعلانات الدبلوماسية، في حين تبقى القوة الفعلية على الأرض في يد الحزب.

يتعامل جعجع مع المعطيات الأمنية من زاوية يعتبرها جوهرية في تحليله: الضربة الإسرائيلية للبنان قادمة، وأنّ الإجراءات التي تتخذها الحكومة عبر المؤسسة العسكرية لا ترتقي إلى مستوى منع الحرب. من هنا، يربط بين عمليات المداهمة التي يقوم بها الجيش ضد مخازن الحزب وبين محاولة الحكومة إظهار حركة سياسية وأمنية أمام الغرب أكثر منها خطة فعلية لضبط السلاح.

ويستشهد جعجع في هذا المجال بخطابات الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، التي بدت أكثر حسما وتأكيدًا على التمسك بالسلاح، بل وسخرية من قرارات الدولة، ما يمنح، برأيه، الذريعة لإسرائيل لتبرير أي ضربة مستقبلية. هذه المعادلة، وفق قراءته، تضع المسؤولية مباشرة على الرئيسين عون وسلام، لأنّ أصواتًا قيادية في الحزب لا تزال تتوعّد وتفرض إيقاعا يجرّ لبنان نحو خطر الحرب.

ورغم أن ظاهر الاشتباك سياسي سيادي، إلا أنّ خلفيته تحمل أبعادا تتعلق بالشارع المسيحي وتوازناته. إذ تتردد في الكواليس معلومات عن خلاف صامت بين بعبدا ومعراب حول مقاربة الحكم والتموضع. فبرأي القوات، لم يبتعد العهد الحالي كثيرا عن النهج العوني في طريقة التفكير السياسي وإدارة الملفات، حتى وإن لم يكن امتدادا مباشرا للتيار الوطني الحر، وسط مؤشرات تعكسها أوساط سياسية بأنّ رئيس الجمهورية قد يكون منافسا جديا لجعجع في الشارع المسيحي، ولا سيما في الاغتراب، حيث يُحكى عن لوائح انتخابية يعمل عليها العهد وتضم شخصيات مستقلة أو سابقة في التيار، يمكن أن تستقطب جزءًا من الصوت المسيحي المؤثر. هذا الاحتمال يفسّر، وفق البعض، سبب تركيز جعجع في هجومه اليومي على الرئيس عون أكثر من التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، الذي تراجع حضوره الشعبي في السنوات الأخيرة وفق ما تراه معراب.

ويعزز هذا التوتر ما تردد عن استياء القوات من الدعوات الرسمية المتعلقة باستقبال البابا في بعبدا، حيث لم يكن جعجع ضمن لائحة المدعوّين، وهو ما قرأته معراب باعتباره رسالة سياسية غير ودّية من العهد الجديد.

رغم أن السجال يدور اليوم حول سلاح حزب الله ودور الدولة في مواجهته، إلا أنّ جوهر المعركة بين معراب وبعبدا يتجاوز الملف السيادي. فالمواجهة تحمل في طياتها تنافسا على الهوية السياسية للشارع المسيحي، وعلى الزعامة في مرحلة إعادة تشكّل المشهد الحزبي. السلاح هو العنوان الظاهر، لكنه ليس السبب الحقيقي لهذا الصراع.

لم تكن رسائل جعجع مجرد انتقاد للسلطة، بل خطوة جديدة في معركة تتقاطع فيها الحسابات السيادية مع الحسابات الانتخابية، في بلد لا دولة قادرة تُبنى فيه بلا قرار سيادي، ولا زعامة تُرسَّخ بلا جمهور.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا