الصحافة

لبنان ساحة ابتزاز لا تزال مطلوبة اقليميّاً

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في 13 كانون الاول 2020 وصف وزير الخارجية الفرنسي انذاك جان إيف لودريان الانهيار السياسي والاقتصادي في لبنان بغرق السفينة تايتانيك لكن من دون موسيقى، لافتًا في مقابلة نشرتها صحيفة لو فيغارو، إلى أن: "لبنان هو تايتانيك بدون الأوركسترا... اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى".

بعد سنتين كاملتين على هذا الموقف وثلاث سنوات على بدء الانهيار ، لا يزال البلد ينزلق اكثر وسياسيون اخذوا راحتهم في الاستمرار في ذلك مع شغور في رئاسة الجمهورية وفراغ في السلطة التنفيذية يتيح تقاذف المسؤوليات او تجنبها من دون اي عائق مهملين او متجاهلين كل النداءات والتحذيرات من تحول لبنان الى دولة فاشلة اذا لم ينجز الاصلاحات ، وهو اجرى هذا التحول الذي تشهد عليه تفكك الدولة وعدم القدرة على تأمين الحد الادنى من مقومات الحياة لمواطنيها . لا يزال في عمق اذهان القيمين على البلد انه وفي ظل حرص خارجي لا يزال موجودا من اجل الحؤول دون السقوط الكبير ربما ليس حرصا على لبنان انما حرصا على الاستقرار في المنطقة ككل وصولا الى اوروبا، وتاليا فان يد المساعدة لا بد ان تمتد للبنان ولو بحدودها الدنيا لا سيما في ظل رهانات على وساطات خارجية ومساعي لانتخاب رئيس للجمهورية . وهي حدود تسمح لهم بممارسة الاعيبهم السياسية من دون محاذير كبيرة عليهم بدليل النقاشات العقيمة حول الصلاحيات والدستور او الاستفزازات الطائفية علما ان هذه الاساليب نفسها من بين العوامل التي ادت الى الانهيار وقبلا الى خيار رئاسي ادى الى ذلك.

ما لا يوليه السياسيون واهل السلطة تحديدا انتباها هو مدى الانهيار اللاحق بسوريا ومناطق النظام السوري تحديدا والذي للمفارقة قد يساهم ليس في المزيد من التهريب عبر الحدود فحسب بل الى المزيد من اللجوء السوري الى لبنان طمعا بالحد الادنى من العيش المقبول في وقت يتلهى اهل السلطة برفع الخطط والمشاريع لاعادة اللاجئين الذين لن يعيدهم النظام ولن يرغبوا في العودة في ظل الوضع الاسوأ من لبنان . وتاليا فانه بدلا من اعادة السوريين ببضع عشرات الى سوريا علما ان الالية متوقفة ولم تكن سوى دعائية فارغة في نهاية ولاية ميشال عون على الاقل من اجل القول انه عمل حتى نهاية ولايته على هذا الموضوع ، فان المئات وربما الالاف قد يهربون الى لبنان ، على نحو قد يزيد مأساتهم ومآسي اللبنانيين على حد سواء.

ما لا يوليه هؤلاء انتباها هو النقطة التي تطفح لها كأس اللبنانيين من انهيار المؤسسات وعدم قدرتهم على انجاز امورهم او تأمين ادنى المتطلبات الحياتية وتحول الغضب والنقمة الى انفجار اجتماعي فامني لا سيما مع تعجيز قسري للقوى الامنية بسبب الانهيار والازمة التي تطاول الجميع على نحو مهدد للاستقرار وان لا يزال مضبوطا بمواصفات الحد الادنى .

كما ان الامر نفسه ينسحب على تسعير طائفي خطير على خلفية دستورية فيما ان الواقع هي خلفية المصالح السياسية والشخصية فحسب. وليس عبثيا ان يزور الرئيس نجيب ميقاتي الاتي من لقاءات مهمة في الرياض بكركي حيث ذهب وفق ما يقال الى الاقصى في اثناء زيارته البطريرك الماروني بشارة الراعي . اذ اكد له استعداده لاعلانه من على منبر بكركي مغادرة موقعه وعدم مواصلة القيام بمهامه اذا رأى البطريرك في ذلك افتئاتا على موقع رئاسة الجمهورية او صلاحياته. وهذا لم يره الراعي ضروريا او مناسبا بطبيعة الحال.

وتخشى مصادر ديبلوماسية مراقبة ان يكون ابقاء لبنان عالقا في ازمته مطلوبا من اطراف محلية وحتى اقليمية في اطار اتاحة المجال للمساومة فيه والبيع والشراء سياسيا وحتى امنيا . فمتى وضع لبنان على طريق التعافي عبر البرنامج المنشود مع صندوق النقد الدولي وانجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة ولا سيما بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، يرجح ان ينتهي الاهتمام المتزايد بلبنان والرغبة في اجراء مساومات اقليمية دولية . وترسيم الحدود كان في حد ذاته خطوة على طريق فصل لبنان عن مصالح اقليمية تحت وطأة عوامل ضاغطة من دون ان يعني ذلك باستكمال ذلك على نحو يؤمن استقلالية لبنان في النهوض راهنا. فهذه هي العوامل اي البرنامج مع الصندوق والترسيم الحدودي والاستقرار الاقليمي هي التي لا تزال تربط دول العالم المهتمة بلبنان. وانجازها لا يتم النظر اليه على انه عودة لبنان الى الخريطة الدولية بل فقدان اوراق ابتزاز كذلك لا يمكن التخلي عنها راهنًا في ظل ازمات في دول اقليمية معنية بلبنان وتواجه ازمات داخلية خطيرة . وهذا ما يصعب ان يمنح للبنان في السياق الاقليمي المحتدم . فالسؤال كان دوما في الاونة الاخيرة وربطا بما جرى بين العامين 2014 و2016 هل يجب الخضوع للابتزاز نفسه والتسليم لاصحابه بما يريدون ام المشاركة في تحميل اللبنانيين المزيد من الالم ربطا بعدم الخضوع له والاستسلام المبكر اذا صح التعبير في عض الاصابع الحاصل وان على حساب لبنان . ويبدو ان الخيار الاخير هو الراجح لا سيما ان تجربة ميشال عون اظهرت انه ربما كان الافضل بكثير ان يبقى الفراغ في سدة الرئاسة الاولى من انتخابه رئيسا . لذلك يخشى ان لا رئيس للجمهورية ولا حكومة جديدة في المدى المنظور مهما عقد المجلس النيابي من جلسات وصدرت مواقف تطالب بانتخاب رئيس. يراهن السياسيون مجددا على ذاكرة اللبنانيين الضعيفة في تجربة التعطيل السابقة وما قبلها بالعناوين والاليات نفسها .

"النهار"- روزانا بومنصف

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا