باسيل في مواجهة "مُمانعتين"
هل بلغ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل نقطة اللارجوع في صدامه السياسي وممانعته المزدوجة في مواجهة حلفائه وخصومه؟ ام انه بلغ الحد الاقصى في مواقفه وبدأ يناور تمهيداً للدخول في تسويات ولكنه ينتظر من يساعده على النزول من الشجرة التي تسلّقها وبلغ أعلاها؟
لا يبدو انّ باسيل، في رأيي مُتتبّعي حركته، في وارد تغيير مساره الحالي حتى الآن في وارد التوقف على الاقل واجراء مراجعة لما كسب اذا كان هناك من كسب، ولحصر الخسائر اذا كان هناك من خسائر.
فلقد حدث ما حدث بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» من تباين كبير تجلّى في اللهجة الشديدة التي خاطَبَ بها رئيس التيار النائب جبران باسيل الحزب وقيادته من دون ان يسمّيها متهماً ايّاها بـ«النكوث» بالوعد، ومهدداً ايّاها بالذهاب بقوة الامر الواقع الى اللامركزية الادارية مع ما تعانيه من فكر تقسيمي، ملمّحاً الى تحميل الحزب المسؤولية في حال حصل له اي مكروه عندما تحدّث عن رفض العودة الى ما قبل 2005 قائلاً انه لا يخشى المنفى او السجن او القتل.
ونتيجة لكل ذلك حاولَ باسيل بعد هذا الخطاب اللجوء الى الخطاب الطائفي محاولاً استقطاب المسيحيين عبر بَث المخاوف في صفوفهم، فزار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي وطرحَ فكرة إقامة حوار بين المسيحيين بهدف طرح اسم لرئاسة الجمهورية ينبثق من بينهم، إلا انّ هذه الفكرة تم التصدي لها من كافّة المسيحيين سواء المتحالفين مع «حزب الله» او المتخاصمين معه، فـ«القوات اللبنانية» ردّت على هذا الطرح برفض الحوار مع من «ليس أهلاً للحوار».
وحصل نقاش ضمن المجموعة السياسية التي تُسمّي نفسها «الجبهة السيادية»، والتي تضم عدداً كبيراً من الاحزاب والشخصيات، حيث رفضوا جميعاً دعوة باسيل الحوارية هذه بعدما طرحها حزب «حراس الارز» الذي رأى انّ استيعاب باسيل «من شأنه ان يُعرّي «حزب الله». فكان ان رفض الجميع هذا الطرح معتبرين انّ باسيل يعمل وفق أجندته وليس وفق أجندة المسيحيين، لافتين الى انّ كل ضحايا العهد العوني هم من المسيحيين سواء عبر السياسة او عبر الدعاوى القضائية ولم يسجل له اي ضحية من طائفة او جهة اخرى. وبعد ان اصطدم باسيل بهذه «الممانعة» المسيحية عاد وفتح النقاش مع «حزب الله» غير مُقدّر عواقب ما قام به تجاهه. ففي الحوار المُتلفز الذي أجرته معه قناة «ال بي سي» مساء امس الاول قدّم باسيل اعتذاراً الى الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله موضِحاً انه لم يقصد الاساءة اليه بعدما اتهمه بـ«النكوث» بالوعد عبر استخدامه تعبير «الصادقين»، فيكون باسيل في هذه الحال قد حرقَ كل مراكبه وأوراقه حتى ولو حاول في حواره المُتلفز اعادة فرض شروطه التي غلّفها بكلامه عن ضرورة احترام الميثاقية في اي استحقاق، علماً انّ هذا الامر قد تجاوزه الجميع بمَن فيهم المسيحيون للاسباب الآتي ذكرها:
ـ أولاً، ثبتَ لباسيل من خلال موافقة «حزب الله» على حضور جلسة مجلس الوزراء الاخيرة انه يمكنه الذهاب الى انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً من دون المرور بـ«التيار الوطني الحر» كممر إلزامي كما يعتقد باسيل شخصياً، علماً انه ثبت ايضاً انّ الحزب لم يَعِد باسيل بأنه سيكون هذا «الممر الالزامي» لانتخاب اي رئيس جمهورية، وهذا ما لمّح اليه في حواره المتلفز امس الاول.
- ثانياً، لن يصدّق المسيحيون غيرة باسيل عليهم، وهو الذي أقصى «القوات اللبنانية» مُتنكّراً لـ «تفاهم معراب» وعزلَ حزب الكتائب اللبنانية وهاجم تيار «المردة»، سواء عبر القضاء او التحالفات الانتخابية او في تأليف الحكومات، مُتعمّداً فتح النزاع بين الرئيس ميشال عون وسليمان فرنجية الذي قال في احدى المناسبات انه «عندما يدعوني الرئيس ميشال عون سأكون حاضراً لتلبية دعوته». هذا عدا عن محاربته كافة المرجعيات والقيادات المسيحية المستقلة كالنواب فريد هيكل الخازن ونعمة افرام وميشال معوض والنائب السابق هادي حبيش والسيدة ميريام سكاف والنائب السابق ابراهيم عازار ونائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي والنائب السابق بطرس حرب، إضافة الى آخرين.
- ثالثاً، لم يَعد باسيل، استناداً الى حجمه السياسي، قادراً على تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية او وضع «فيتو» على اي مرشح بعدما بات معزولاً داخلياً وخارجياً وهو لا يستطيع الانتفاض على من يقول له «انّ هناك مرشحين اثنين لرئاسة الجمهورية عليك ان تختار بينهما».
- رابعاً، لن يستطيع باسيل، حتى ولو ادّعى العكس، السيطرة على تكتله النيابي الذي يرى ان ليس من مصلحته كتكتل الدخول في حرب عبثية مع الجميع بمَن فيهم «حزب الله»، لأن ما أقدمَ عليه باسيل في الآونة الاخيرة يعكس نوعاً من قلة الخبرة في العمل السياسي إذ ان الجميع يرغب في اقامة افضل العلاقات مع «الحزب» بمَن فيهم «القوات اللبنانية»ـ في حين يرفض باسيل ان يكون السيد نصرالله ضمانه وضمان مستقبل تياره السياسي، كيف لا وهو الذي جعل من كتلة «التيار الحر» 20 نائباً بعدما أثبتت الاحصاءات قبَيل الانتخابات النيابية الاخيرة أنه لن يستطيع الفوز بأكثر من 10 مقاعد نيابية.
- خامساً، لم يقتنع «حزب الله» برأي باسيل المُعارِض لترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية لأنه موقف غير مبني على اي اعتبار موضوعي، اذ انّ اسبابه هي شخصية وغير مُحقة، لأنّ فرنجية يتمتع بصفات تجعل منه رئيساً وطنياً توافقياً نظراً لموقفه الاستراتيجي الواضح وعلاقته المميزة والقائمة على الاحترام المتبادل مع كافة الافرقاء السياسيين في لبنان بمَن فيهم خصومه، أضِف الى ذلك الاحترام الذي يحظى به لدى المجتمع الدولي والاقليمي المعني بالشأن اللبناني، ولهذه الاسباب يرى فيه «حزب الله» المرشّح السهل التسويق، وبالتالي من الاستحالة بمكان ان يتم تفضيل هواجس باسيل على هذه المعطيات والوقائع المهمة المتصلة بترشيح فرنجية.
- سادساً، سيعمل «حزب الله» على المحاولة مجدداً لإنزال باسيل عن الشجرة التي صعد اليها وإقناعه بضرورة دعم ترشيح فرنجية استناداً الى ما كرّره في حواره المُتلفز امس الاول من أنّ لديه مصلحة شخصية بوصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وانّ كلامه عمّا سمّاه «الاسباب الوطنية» لا يعدو كونه قنابل دخانية بهدف المناورة، لأنه بات معروفاً لدى القاصي والداني انّ باسيل لا يتغاضى على الاطلاق عن الاعتبار الشخصي في عمله السياسي، لا بل يشكل أولوية الاولويات لديه.
- سابعاً، يُدرك العقلاء في «التيار الوطني الحر» انه من الممكن وفي لحظة ما، ان تُبادر المملكة العربية السعودية ومن خلفها «القوات اللبنانية» الى دعم ترشيح فرنجية او حتى تسهيل تأمين النصاب لجلسة انتخابه، في لحظة إقليمية ـ دولية مؤاتية، فعندها يصبح باسيل خارج اللعبة نهائياً، ويكون فرنجية قد تحرر من شروطه المُربكة التي يطرحها مقابل تأييده له.
طارق ترشيشي - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|