تحقيق المرفأ: فرصة ضائعة دولياً ايضاً
لم تنته تداعيات ازمة انهيار القضاء . فالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي اعرب عن أمله في أن يواصل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار عمله في خضم أزمة في الجهاز القضائي وحملة تستهدف ابعاده عن التحقيق.
وكذلك طالب عدد كبير من نواب المعارضة بالمحاسبة الفورية لمدعي عام التمييز غسان عويدات وبمتابعة بيطار تحقيقاته فيما تقدم النائب علي حسن خليل المدعى عليه من بيطار في انفجار المرفأ بدعوى ضد الاخير . ان دل ذلك على شيء فانما على جملة امور اساسية في مقدمها اثنين على الاقل : الاول ان المعارك الجارية في القضاء مستمرة ولا سيما ان مدعي عام التمييز وجه بغطاء سياسي معروف رسالة متعددة الاتجاهات انه صاحب الحل والربط في كل ما يتصل بهذا الموضوع بغض النظر اذا كان سيستطيع اكمال ما قام به في ظل ملاحظات قانونية على ما اقدم عليه من اجراءات عطلت وتعطل اجراءات بيطار .
والامر الاخر ان استكمال التحقيق في انفجار المرفأ من جانب بيطار اصيب بعطب كبير بحيث يعتقد جديا بان لا استكمال محتملا ابدا لهذا التحقيق فيما يرى البعض ان قاضي التحقيق الذكي وصاحب العلم ، او بالاحرى هو يتهمه بانه كبر الحجر عن عمد للوصول الى تعطيل التحقيق ورمي المسؤولية على الاخرين . فلا امكان في ظل الاخطاء التي ارتكبت وفق ما يراها قانونيون مخالفة للقانون ان يتابع بيطار تحديدا التحقيق . والنتيجة ان التحقيق في انفجار المرفأ انتهى وكذلك القضاء بما هو عليه راهنا من اهتراء وتفكك . وهاتان النقطتان ستكونان في حال قدر للدولة اللبنانية ان يعاد تركيبها رهن اعادة صياغة السلطة القضائية عبر احالة ما يقارب 40 في المئة من القضاة الى التقاعد وتعيين قضاة جدد بدلا منهم وتكليف قاضي تحقيق جديدا لجريمة انفجار المرفأ، وهو على الارجح اجراء من شأنه ان يضمن عدم الوصول الى نتائج فيها قياسا على تاريخ السلطة السياسية او قوى معينة في منع الوصول الى الحقيقة لا في جرائم الاغتيال قبل اغتيال الحريري وبعده كذلك ولا في اي جرائم اخرى. فما حصل في القضاء اخيرا كان المأساة التي تكشفت امام اللبنانيين والخارج على حد سواء في ظل وقاحة اهل السلطة وعدم لامبالاتهم بتطير القضاء منعا لمواصلة التحقيق في جريمة انفجار المرفأ وعدم الخجل بذلك .
والمأساة الاضافية انه وفي ظل الممانعة الشرسة لاهل السلطة في الاصلاح فان اعادة تركيب السلطة القضائية قد لا يكون افضل حظا من انتخابات رئاسية يتم حصرها من ضمن مواصفات ما تريده القوى السياسية وليس ما يحتاج اليه البلد للنهوض او تأمين المستقبل للبنانيين .
ماذا عن لجنة دولية لتقصي الحقائق يطالب بها البعض ومنذ انفجار المرفأ في 4 آب 2020 ؟ وهل فات الوقت على هذا الاحتمال لئلا يتم تكبير امال اهالي الضحايا باحتمال مماثل قد لا يلبي متطلباتهم بالعدالة ؟
المطالبة في الاساس بلجنة دولية لتقصي الحقائق انطلقت من اقتناع عميق وصلب بان جريمة بحجم انفجار المرفأ والمتشعبة في المسؤوليات محليا وربما خارجيا لن يسمح للتحقيق فيها بالوصول الى النتائج المرجوة. والجميع يذكر كيف ان ميشال عون حين سئل عن ذلك بعد ايام على الانفجار اشاح بسرعة هذا الاحتمال على قاعدة الاستشهاد بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال رفيق الجريري بذريعة انه استغرق سنوات. ولكن الجميع يدرك ان السبب الحقيقي وراء هذا الرفض معروف . والبعض يقول ان عون نأى بنفسه عن اثارة موضوع وجود النيترات في المرفأ امام المجلس الاعلى للدفاع او امام مجلس الوزراء. يقول قانونيون انه يمكن دوما لقاضي التحقيق ان يستعين بخبرة دولية تماما كما فعل قاضي التحقيق في جريمة اغتيال معروف سعد حين قصد القاضي وليد غمرة السويد انذاك في اطار السعي الى خبرة تكشف مسار الرصاصة التي استهدفت سعد انذاك . ولكن لا يمكن تسليم التحقيق الى جهة دولية ما لم يكن ذلك باتفاق موقع بين الدولة اللبنانية او عبر قرار في مجلس الامن الدولي تحت الفصل السادس كما حصل بالنسبة الى اغتيال الرئيس الحريري . وحين يربط البعض بين موقف ميشال عون ورئيس الجمهورية الذي تضع مواصفاته قوى سياسية لكي يكون على مقاسها او رغباتها، فانه من الصعب رؤية رئيس جديد للجمهورية يعتمد هذا المسار ، اقله وفق المعطيات السياسية القائمة ما لم تشترط القوى المعارضة على من ستنتخبه جدول اعمال ايضا يشمل الاستعانة بلجنة تقصي الحقائق في جريمة المرفأ. وهذا لا يعني ان على المعارضة ان تريح المعرقلين للتحقيق الى اي جهة انتموا من عبء مسؤولية المطالبة بلجنة تقصي الحقائق بل ان تكثف الضغط باسلوب عملاني بحيث ينجح هذا الضغط في الوصول الى تنازلات معينة . او ان المعارضة تستطيع توظيف علاقاتها من اجل الحصول على مساعدة في هذا الملف عبر سبل اخرى او تحقيقات جانبية للوصول الى النتيجة كذلك . فمن جهة مسؤولية المعارضة عدم السماح بترك هذا الملف ينتهي ويموت من دون الكشف عن الحقيقة ومن جهة اخرى عدم السماح بان تكون المطالبة بلجنة تقصي حقائق دولية لعبة مزيدات سياسية لا يحتملها لا اهالي الضحايا ولا اللبنانيون كذلك . فثمة حاجة الى مقدار كبير من الشفافية من حق اللبنانيين على المعارضة ان تلتزمها كما تلتزم السعي بكل الوسائل الممكنة للوصول الى الحقيقة وتوظيف كل قدرات خارجية ممكنة من اجل ذلك.
"النهار"- روزانا بومنصف
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|