"سوريا مهد المسيحية"... الراعي: الاستعدادات جارية لانتخاب رئيس
الدولة اللبنانية البديلة
بعد حرب تموز 2006، تبلور بجلاء الطموح الكبير لجمهورية بديلة ترث "لبنان الكبير" الآفل أو المقتول. فشعار الدولة القادرة والعادلة الذي راج آنذاك وما زال، كان يطلب ليس أقل من تفكيك الكيان السياسي ومؤسساته، والتخلص من نظامه الاقتصادي والإداري والاجتماعي.
وبتصميم مذهل، وصبر مشهود، أخذ هذا المسار يمتد ويتوطد، وكانت محطته الأولى في "اتفاق الدوحة" عام 2008، الذي سيكرس أعرافاً سياسية وسلطوية (وأمنية)، أقوى بما لا يقاس من الدستور ونصوصه. وسيترتب عليها عطب بنيوي دائم لمبدأ الديموقراطية، علاوة عن تأصيل مضامين جديدة للطائفية، أكثر تصلباً، وتكتسب مناعة ضد "المدنية"، التي لطالما كانت تخترق البيئات الطائفية وتؤمن الفضاء العام المشترك، صانع صورة لبنان المأمول. وبمعنى أكثر شؤماً، باتت كل طائفة شعباً قائماً بذاته.
حاملو مشروع الدولة البديلة كانت لهم الغلبة، التي ما أتاحت للجماعات الأخرى (الشعوب) سوى خيار التسابق على عقد الصفقات مع صاحب القوة، فيأْمنون جانبه، ويحصّلون ما استطاعوا من "مكاسب" تعينهم على البقاء. وفحوى الصفقة بالغ البساط: تسليم الدولة والبلاد، مقابل درء الشرور. أما المكافأة، فهي مزيج من الحظوة السياسية الأهلية والمكانة، وحصة شخصية من الثروة. وهذا ما شرّع على نطاق واسع منطق الدولة السائبة، المباحة للنهب المنظّم. وكل ذلك كانت له تسمية شديدة الابتذال في اللغة اللبنانية: التسوية. هذه العبارة التي أصبحت ملطخة بالدناءة.
وعلى هذا النحو أصبحت الدولة القديمة بكل ما فيها، بلا أهل ولا حراسة. لقيطة ومنبوذة. وهذا هو سر تفشي الاعتداء والاستباحة والفساد وتفشي التكالب الذي سيجرف ما تبقى من موانع أخلاقية أو قانونية.
سيحدث كل هذا بتشجيع ممنهج: إغراق الجميع بالمفاسد وبالسياسات الأنانية وباقتصاد المناهبة وبالتنافس الطائفي الحاد وبالفجور الإعلامي إلى حد الإفلاس والإنهاك والتدمير الذاتي. أي السقوط بلا مقاومة.
على امتداد 16 عاماً تقريباً، كانت "الدولة البديلة" تتأسس حجراً حجراً، بعزم وتصميم، فوق أنقاض الدولة القديمة. وهو زمن قياسي، مقارنة بأعمار قيام الدول والجمهوريات أو انهيارها. بسرعة مذهلة، وخصوصاً في السنوات الثلاث المنقضية، حدث التقويض الفادح لواحدة من أقوى مقومات لبنان منذ القرن التاسع عشر: التعليم الحديث. لا يقل فداحة أيضاً الانهيار المفزع للجسم القضائي البالغ العراقة. أما تلك العمارة الشاهقة التي كانت تسمى النظام المصرفي، والجوهرة التي ترصع تاج الجمهورية، فقد تشظت فتاتاً لا قيمة له. وإذ نشير إلى التعليم والقضاء تحديداً، لكونهما المعيار الأول لسوية المجتمع أو تحلله، كما لكونهما الحصن الأخير الذي يمكن التعويل عليه، لإعادة البناء بعد كل اضطراب سياسي، ولترميم المجتمع بعد كل صدمة.
الأساسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية، منذ أيام المتصرفية، والتي "تضررت" وحسب في سنوات الحرب، هي اليوم تتهاوى بسهولة صادمة.
"العمران" أو التحضر هو الذي يتلاشى، بما يتجاوز كثيراً اختلال نظام العدالة مثلاً، أو التعثر بانتخاب رئيس جمهورية، أو فقدان الأمان الاجتماعي.
أما الدولة البديلة، وشعارها "الدولة القادرة والعادلة"، فهي بالضبط ما رست عليه اليوم أحوالنا وستكون أكثر سوءاً في المستقبل القريب. أي أنها الوعد اليوتوبي الذي ينقلب جحيماً، تماماً كما هي كل التجارب المشابهة من فنزويلا وكوبا إلى كوريا الشمالية. وبتفسير آخر، هي بالضبط ما حدث عندما تولت سوق القطع والصرافة شلة إجرامية، أو انقلب "الاقتصاد الحر" إلى شبكة تهريب، أو عندما تحول مجلس النواب إلى "لويا جيرغا" قبائل، وباتت الحكومة "زومبي" لا حيّة ولا ميتة مدفونة، والدولة بلا رأس بالمعنى الحرفي.
وهذه الدولة البديلة، تقترب الآن من استحقاق قد يكون الأخير، وقد يستغرق وقتاً، قبل دفن الجمهورية القديمة للبنان الكبير. ونقصد المؤسسات العسكرية والأمنية، التي رغم "الاختراقات" والسطوة عليها وتصدع الولاء فيها، لا تزال "متماسكة" وتوحي أنها قد تشكل ممانعة ومقاومة.
إلا أن السؤال: ماذا تبقى لتدافع عنه؟
يوسف بزي - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|