كواليس لقاءات عين التينة... هل غمزت الخماسية إلى العماد عون؟
غادرت، أخيراً، بعثة الخارجية السورية برئاسة معاون وزير الخارجية، أيمن سوسان، إلى العاصمة الروسية موسكو للمشاركة في الاجتماع الرباعي لمعاوني وزراء الخارجية في سوريا وروسيا وإيران وتركيا لمناقشة سبل إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة. وجاء ذلك في أعقاب إصرار أبداه الجانب السوري على وضع جدول واضح لهذه الاجتماعات، يتصدّره انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، في مقابل محاولات تركية لعقد الاجتماع من دون أجندة مسبقة، لم تصل إلى نتيجة. الوفد الذي يُجري اجتماعات ثنائية مع الوفدَين الروسي والإيراني لمناقشة النقاط الأساسية للاجتماع الرباعي المقرّر عقده غداً الثلاثاء، أكد قبيل سفره أنه «سيركّز بالتحديد على إنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية»، في تأكيد لاستمرار مواقف دمشق المعلَنة من هذا المسار.
ويأتي الاجتماع الجديد بعد رفض دمشق المشاركة في لقاء كان مقرَّراً منتصف شهر آذار الماضي، سافر لأجله معاون وزير الخارجية التركي، بوراك أكجابار، إلى موسكو، ولم يقيَّض له أن يلتئم. ولذا، أجرت كلّ من طهران وموسكو سلسلة اتصالات ولقاءات لتقريب وجهات النظر، في وقت وجدت فيه أنقرة نفسها مجبَرة على توفير أرضية للقاء، وخصوصاً أنه يأتي في وقت حساس بالنسبة إلى حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان الذي يخوض انتخابات حاسمة في شهر أيار المقبل، يؤدي فيها الملفّ السوري دوراً كبيراً. ولعلّ هذه الحساسية هي التي تفسّر إصرار أنقرة على عقد الاجتماع الرباعي، أملاً بالخروج بتوافقات تزيح عن كاهلها أزمة اللاجئين السوريين من جهة، وتعيد ترتيب حدودها الجنوبية التي تسيطر «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً على أجزاء منها، وهو ما تعدّه تركيا تهديداً لها في ظلّ اتّهامها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يقود «قسد» بأنه امتداد لحزب «العمال الكردستاني» المصنَّف على لوائح الإرهاب التركية.
وشهد مسار التطبيع السوري – التركي خطوات واسعة تمثّلت في لقاءات أمنية تبعها لقاء على مستوى وزراء الدفاع، تحرّكت بموازاته أنقرة لتمهيد الأرض لفتح طريق حلب – اللاذقية (M4) عبر إعادة انتشار لقواتها هناك، أريدَ منها أن تكون مقدّمة لتحرّكات لاحقة. على أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا تسبّب بتأجيل ذلك، فيما وجدت دمشق الفرصة سانحة لتشديد موقفها، والمطالبة بوضع جدول واضح لانسحاب القوات التركية، بالإضافة إلى وقف دعم الفصائل المسلّحة، وحلّ مشكلة المياه في ظلّ خرق أنقرة لاتفاقاتها مع سوريا والعراق، وتخفيضها كمّيات المياه المرسَلة من نهر الفرات الذي يمثّل أهمّ مصدر مائي في سوريا.
في المقابل، فإن التحرّكات التركية التي سبقت الزلزال لفتح طريق حلب – اللاذقية، والتي جاءت ضمن خطّة طرحتها أنقرة لإعادة فتح معبر باب السلامة لمرور الشاحنات التجارية عبر سوريا، قابلتها «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، بقيادة أبو محمد الجولاني، بتحرّكات ميدانية لقضم مناطق في ريف حلب شملت عفرين ومحيطها، بالإضافة إلى محاولة إشعال خطوط التماس، عبر شنّ ثلاث هجمات نفّذها «انغماسيون»، وتصدّت لها قوات الجيش السوري في ريف حلب الغربي. وفي هذا السياق، أكدت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أن «تحرير الشام» أَوعزت لخلايا تابعة لها منتشرة في ريف حلب الشرقي، بأن تستعدّ لخطوة قضم مناطق جديدة، أبرزها مدينة الباب ومحيطها، وصولاً إلى جرابلس، بهدف السيطرة على المعابر التي تصل بين ريف حلب ومناطق سيطرة «قسد»، وإيجاد مصادر دخل إضافية. كما أوعزت الهيئة إلى عناصرها بالاستعداد لمواجهة عسكرية قد تستهدف إنهاء وجود «جماعة الجولاني» في إدلب، ضمن ترتيبات ميدانية سورية – تركية – روسية – إيرانية لفتح الباب أمام مرور الترانزيت من تركيا عبر سوريا، وإعادة النازحين إلى قراهم ومنازلهم، وهي خطوة يحاول الجولاني عرقلتها بشتّى السبل عن طريق منع فتح معابر دائمة مع مواقع سيطرة الجيش السوري.
وتأتي إعادة تفعيل ملفّ التطبيع السوري – التركي بعد أيام قليلة على استضافة القاهرة وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، وسط توقّعات بلقاء بين رئيسَي البلدين خلال شهر نيسان الحالي. وفي الاتجاه نفسه، تستعدّ السعودية لفتح قنصليتها في دمشق بشكل رسمي خلال الأيام المقبلة، وذلك قبيل زيارة منتظرة لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، للعاصمة السورية، وفي ظلّ حديث متزايد عن استعدادات لدعوة سوريا إلى المشاركة في القمة العربية التي تستضيفها الرياض في شهر أيار المقبل. في هذا الوقت، وبالتوازي مع زيادة إسرائيل وتيرة اعتداءاتها على سوريا والتي وصلت إلى ثلاثة خلال أربعة أيام طاولت دمشق وحمص، استقدمت القوات الأميركية شحنات كبيرة من الأسلحة من العراق إلى قواعدها في الشرق السوري، ضمن محاولة تحصين مواقعها إثر تعرّضها لقصف صاروخي وبالطائرات المسيّرة، أدى إلى مقتل أحد عناصرها وإصابة آخرين. ويترافق هذا التسخين الميداني مع استمرار الحوار السوري – التركي، والذي يمثّل رفض الوجود الأميركي في سوريا أحد أسسه، ما من شأنه مضاعفة الضغوط على القوات الأميركية التي تنتشر في المواقع النفطية السورية، بالإضافة إلى قاعدة التنف على المثلث الحدودي مع العراق والأردن، والتي تتّهمها دمشق وموسكو بأنها تشكّل قاعدة دعم وإمداد لمقاتلي تنظيم «داعش» المنتشرين في البادية السورية.