الصحافة

عن سرّ العلاقة بين الأسد وفرنجية...

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يسكن على مسافة رمي حجر من البوريفاج، وفي بيتِهِ نشعر وكأننا في قلبِ الشام، تحوطنا يميناً ويساراً صور حافظ وبشار الأسد، وفي حديثه بعث وسوريا وعروبة وكثير كثير من المحطات والخيبات والأسرار والأوهام والطرافة. عاصم قانصو- أبو جاسم- المحبب لدى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد تزوج ثلاث مرات، ونجح في دخول المجلس النيابي ثلاث دورات، ويرفع منذ سبعين عاماً شعاراً من ثلاث كلمات: وحدة حريّة إشتراكية. هو الخارج من المجلس النيابي برغبة من «حزب الله»، وهو المستبعد عن موقع أمين عام حزب البعث برغبة من السفير السوري علي عبد الكريم علي، وهو زميل نبيه بري على مقاعد الدراسة حيث طُرد بسببه فردّ له الصاع صاعين. جولة مع أبو جاسم في مسارات العمر ومفاصل التاريخ اللبناني الحديث تحت نظر: حافظ وبشار ونصرالله...
نجلس في صدر الدار ونسأله عن لبنانيته والوطن والإنتماء والجذور في كلِ مرة ينظر فيها يميناً ويساراً ويرى صور الأسد الأب والإبن معلقة على الجدران؟ يجيب «حافظ الأسد كان رئيساً لي، هو كان أمين عام حزب البعث، وبشار الأسد هو اليوم الرئيس. وليس عيباً أن ارفع صورهما». لكننا في منزل لا في مكتب حزبي؟ يستاء ابو جاسم ولا يستاء. هذا أسلوبه. وقبل أن نتوغل معه في كل تلك الشؤون نسأله عن بداياته؟

«ولدتُ في بعلبك في العام 1937 (86 عاماً). والدي كان في البرازيل، في ساو باولو، لكنه قرر العودة الى لبنان وبقي أشقاؤه هناك». وقبل أن يكمل المسار يفتح هلالين: إسمعوا هذه «الخبرية». «ذهبت في العام 2004 مع اميل لحود (العماد رئيس الجمهورية السابق) الى البرازيل أول مرة. ونزلنا عند ابن زحلة ميشال جريصاتي، وكان برفقتنا ميشال موسى وعبد الرحيم مراد. زرنا أكبر مستشفى في ساو باولو واسمها المستشفى السوري - اللبناني، وحين عدت ليلاً الى الفندق أصبت بجلطتين. نقلوني الى المستشفى وهناك سألتني المسؤولة عن اسم والدي - وهي من بيت يافت من ضهور الشوير- فقلت لها: أنا إبن محمد علي قانصو. ضحكت كثيراً وأخبرتني أن والدي ووالدها أنشآ هذا المستشفى. سألت والدتي ندى ياغي (شقيقة نائب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي دريد ياغي) حين عدت عن والدي الذي مات وانا في الثامنة من عمري فأكدت لي الخبر. عولجت في المستشفى التي أسسها والدي في ساو باولو».

هي صدفة. ماذا عن الصدف في حياته؟ هل هي كثيرة؟ يجيب «أثق بالصدف. نحن خمسة صبيان: صبحي، سعيد، مهدي، غسان وانا آخر العنقود. تعلمتُ عند المسيحيين في مدارس المطران في بعلبك، وأكملت مع المسيحيين، في مدرسة الحكمه في الأشرفيه. مثلي مثل جميع الأولاد في بعلبك الذين تعلموا. وكان معي نبيه بري. كنا في نفس الصف لكن في قسم آخر. وذات يوم نفذت ضرباً به. شربت مع زملائي النبيذ في السكرستيا في الكنيسة وقلت للناظر أن نبيه هو من فعل ذلك فطردوه وانتقل الى مدرسة الثلاثة أقمار (الأرثوذكسية) في الأشرفيه أيضاً. أخي غسان كان معي في المدرسة وكنا نؤيد الثورة الجزائرية ونرفع شعاراتها. وكان المطران خليل أبي نادر متعصّباً للبنانيته. غضب منا وطردنا فانتقلنا الى مقاصد صيدا. هناك في المقاصد، في العام 1953، أصبحت بعثياً وتعززت في أعماقي ثقافة العروبة وإيديولوجيا حزب البعث. وكان معنا مصطفى الدندشلي وغسان شراره وكان معنا على ما أعتقد فايز القزي وأيضا عصام أبو جمرا وشقيق فؤاد السنيورة سامي. زاد عددنا كثيراً. وكان الناظر في المدرسة معروف سعد. والأجواء في المقاصد كانت عروبية».

ما الذي شدّ تلميذ مدرسة المطران والحكمة الى حزب البعث؟ يجيب «كان ذلك طبيعياً لإبن بعلبك الهرمل. الثقافة العامة والإنتماء الى العروبة والولاء في منطقة تحدر منها شاعر القطرين خليل مطران. وكل من شاركوا في الثورة السورية الكبرى كانوا من بعلبك وبينهم توفيق حيدر». ويستطرد: الشاعر طلال حيدر كان قومياً سورياً كبرنا معاً، كان دائماً في بيتنا. حسين الحسيني أيضا وكان والده علي معاوناً مع طعمه سكاف والد جوزف سكاف».

يتذكر ابو جاسم إجتماعاته السرية في غربي بيروت، في مكتب سري للبعث ويقول «أخذت معي نبيه (نبيه بري) وكنا نشارك في الخلايا. كان نبيه نصيراً بعثياً ولا أعرف إذا كان قد نال العضوية لاحقاً، لأنني تركت لبنان وغادرت الى يوغوسلافيا. وبكثير من الفرح يخبر: أصبح لي اليوم 70 عاماً في البعث (من 1953 الى 2023). وأتذكر أنني إشتريت زرّ العضوية. وأديت القسم: الولاء الكامل لحزب البعث. كنت ألتقي كثيراً بميشال عفلق. وكنت متحمساً جداً وأنا العائد من دولة إشتراكية، من يوغوسلافيا. أنا من ترجم ميثاق عبد الناصر الذي أخذه كاملاً من إتحاد الشيوعيين اليوغوسلافيين. أمضيتُ ستة أشهر في ترجمة الميثاق وعاونني ثمانية مدراء عامين من وزارات مصر. ويوم انتهيت أرسل لي الرئيس عبد الناصر كلمة جميلة شكرني فيها».

درس عاصم قانصو علم الجيولوجيا. وسبقه الى ذلك شقيقه مهدي ويقول: «مهدي جعلني اعشق هذا العلم واعمل على فهم كل ما هو تحت الأرض. ما فوقها نراه أما ما تحتها فمجهول. كنت أحمل على ظهري أكياس الحجارة التي يستخرجها مهدي وأتوغل في دراسة علم المعمورة ونظرية داروين. درست إختصاصي في جامعة زعرب في يوغوسلافيا وتعلمت اللغة اليوغوسلافية ببراعة وكنت ارافق اليوغوسلافيين في مسرح الدمى واترجم لغة الأرانب والثعالب الى العربية. ودرست أيضا اللغة الرومانية. وأسست في يوغوسلافيا حزب البعث وفروعه في بلغراد والبوسنة و «تعبشت» بالشباب الجامعي خصوصاً من أتوا من العراق وأسست جمعية الطلبة العرب التي استلمها لاحقا الكاتب السعودي عبد الرحمن وليد.

عاد الى لبنان. بحث عن عمل. قدم طلباً الى السعودية فرفض. قدم طلب عمل ايضا الى الكويت فرفض ويقول «كنت بعثياً وتعلمت في الدول الشرقية وكان رفضي طبيعياً. سافرت الى العراق وأنشأت مع صالح السعدي هيئة لتأميم البترول العراقي الهيئة العليا للبترول».

تزوج عاصم قانصو ثلاث مرات. الأولى من المجرية إيرين مجر، زميلته في يوغوسلافيا. ثم من بشرى عسيران وله منها ولدان: جاسم- لاعب كرة السلة ورئيس نادي هوبس- وندين. وتزوج ثالثة من ناديا البرجي- من علي النهري- وله منها ثلاثة أولاد. وحبه يظل للحبيب الأول ويقول: أحببت إيرين لكن زواجنا لم يصمد إلا سنتين. وأتذكر أن شقيقتي إتصلت بي ذات يوم تخبرني أنها تنوي الرحيل. ركضت وراءها، بين طائرة وسيارة وقطار، وحين وصلت الى المطار كانت طائرتها قد أقلعت». نشعر به رومانسياً وهو يتحدث عن إيرين. ماذا عنه اليوم؟ هل يعيش مع ناديا البرجي؟ يجيب «لا، هي عادت وتزوجت من مدير الصندوق الكويتي في لبنان». هل هذا يعني أنها تركته؟ يجيب: «انا تركتها وهي تركتني. وعدت واستعدت طليقتي بشرى ونحن نعيش اليوم معاً». ويتذكر: زوّجنا السيد موسى الصدر في بيت المسيحي روبير فران في صيدا (يضحك). كنت صديقاً للسيد موسى الصدرونجحت في حيازة عضوية المجلس الشيعي الأعلى في العام 1974. نجحت على اللائحة المؤيدة للسيد موسى الصدر ويومها لم يكن لا نبيه ولا بري ولا من يحزنون. كان إذا أراد رؤية موسى الصدر أتوسط له».

دخل أبو جاسم مصلحة الليطاني بسبب شقيقه مهدي. وقدم إستقالته للإلتحاق بالمجلس النيابي بطلبٍ خاص جداً من حافظ الأسد. ويقول: «إلتقيتُ حافظ الأسد أول مرة في المؤتمر العام عام 1970. يومها كانت هناك وجهتا نظر في قلب الحزب، تنقسم بين رأي صلاح جديد وحافظ الأسد. نظرية الثاني كانت أننا قادرون على القيام بعمل فدائي مع الإحتفاظ بالسلم الأهلي، وبالتالي تحرير فلسطين لا يكون فقط من خلال القتال. في حين نظرية صلاح جديد كانت أن التحرير لا يكون إلا من خلال القتال فقط وأراد حل الجيش السوري وتحويله الى جيش شعبي لتحرير فلسطين. يومها مشيت في ركاب الأسد وضرورة الإحتفاظ بالجيش السوري العقائدي الذي يؤمن بالوحدة والحرية والإشتراكية وولاؤه الكامل لحزب البعث. وما إن إنتهى المؤتمر حتى قبض حافظ الأسد على أعضاء المجموعة الثانية وبينهم صلاح جديد ووضعهم في السجن. لم يطعمهم «رز بحليب» بل «حامض الشلغم» كما يقول العراقيون».

هل نفهم من ذلك أن أبو جاسم نفد بجلده؟ يجيب «فعلت ما فعلت عن قناعة. يومها لم أكن في موقع القرار. وأتذكر أن اللبنانيين مالك الأمين (إبن عم عبدلله الأمين) ومحمد عواضه لوحقا فهرب الأول الى لبنان وعاد وبدل رأيه بعد عشرين عاماً والثاني الى باريس. حصلت الحركة التأسيسية لحزب البعث. وأتذكر أنني رفضت دائما التعيين وهذا هو سبب خلافي مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي. دبحنا السفير طوال سبع سنوات. هو أراد دائماً التعيين. أراد أن أعيّن أنا خمسة أعضاء وهو خمسة. قلت له: يا أخي شو إلك علاقة؟ أهل مكه أدرى بشعابها. وفي الآخر أتى بعلي حجازي لا أعرف من أين. هو من بعلبك لكنه «شغل مخابرات» وأعتقد أنه من اليوم الى نهاية الشهر ستتغير امور كثيرة في المؤتمر القطري المقبل. السفير السوري «هبش» من الحزب وجعلنا نتقاتل مع بعضنا مستغلاً منصبه في لبنان. الآن هناك نوايا لدى القيادة السورية بإعادة القرار لنا. نحن وحدنا نعرف ما نريد».

لكن، هل كان أبو جاسم قادراً على أخذ قرارات بمعزل عن السوري؟ يجيب: «طبعا». أين؟ «في كل المحلات. أنا وافقت فقط على طلب حافظ الأسد بالترشح في العام 1996. يومها أرسل غازي كنعان وابراهيم صافي الى بعلبك طالباً مني الترشح. فيّي قلو لأ؟ طبعا لا. لكن لماذا هو؟ لأنني كنت المؤهل الوحيد لذلك وكنت متعلماً ولديّ علاقات». ويستطرد: «دعيني أخبرك سراً كي تعرفي سبب العلاقة الجدلية بين عائلتي حافظ الأسد وسليمان فرنجيه الكبير. في حرب تشرين أرسل حافظ الاسد ورائي وكان يوم سبت وطلب مني الذهاب الى سوريا. هناك إلتقيت به في القصر الجمهوري وقلت له: أمر؟ أجابني: غدا سنخوض حرباً مع إسرائيل وأريد منك أن تذهب للقاء سليمان بك وتطلب منه ان يحجز لنا كل وقود الطيران «الكيروسين» في خزانات جميل الجميل في الدوره، لأن الحرب ستطول وليس لدينا إحتياطي كاف. قلت في نفسي: «العمى» كيف يعرف بكل التفاصيل الدقيقة حتى بوجود تلك الوقود. أجبته: بأمرك. إنتقلت الى لبنان والتقيت بسليمان فرنجيه وقلت له ما طلبه أجابني: بيأمر. ولاحقاً علمت من عبد الحليم خدام سبب العلاقة الوطيدة بين العائلتين حيث هرع سليمان بك يوم حادثة مزيارة عام 1958 الى سوريا ومكث في بيت الأسد ونشأت علاقة حميمة بينهما. ويومها إعتبرت ان طلبه مني يحمل في باطنه ثقة كبيرة بي. فهل يمكنني بعد ذلك أن أرفض طلبا له؟».

وكيف تطورت العلاقة لاحقا؟ يجيب «أنا أمين قطري وطبيعي أن ألتقي به دائماً. وحين كنتُ أغيب كان يسأل عني. كان يطلب رؤيتي انا وجورج حاوي. وأتذكر أننا كنا نتناول الغداء ذات يوم هو وأنا وكميل شمعون وبيار الجميل فقال بتودد متوجهاً الى كميل شمعون: ما رأيك أن تعطيني داني وأعطيك عاصم. نقز كميل شمعون وقال: داني إبني. فأجابه: وعاصم إبني ايضاً. أحبني حافظ الأسد وكنت حين أبتعد يتصل بي ويسألني: ماذا يحصل عندكم في لبنان؟ وما هي آخر نكتة يتداولونها عنا؟ وكنت أخبره كل الحقيقة ومدى كراهية البعض لبيت الأسد. وكانت توجيهاته الدائمة وجوب تعزيز العلاقات مع الجبهة اللبنانية والتفاهم مع المسيحيين معتبراً أنهم وجه العروبة الحقيقي. كان يخبرني عن قبيلة بني تغلب المسيحية وعن الغساسنة وبني منذر. هو حكى بوضوح عن المسيحيين في لبنان وسوريا و...». لكن، هل حماهم بحرب المئة يوم؟ هل إبقاء المسيحيين في سوريا يعيشون مشاعر الأقلية التي تحتاج دائماً الى حماية، حماية لهم؟ يجيب: «وماذا فعلتم أنتم؟ حاربتم بعضكم في لبنان». ويستطرد: «أنا من دربتُ إيلي حبيقه وجماعته في رأس بعلبك. وأنا أعطيته السلاح حين دخل الى الأشرفيه. كنت آتي بالسلاح من الفلسطينيين لا من السوريين. وكان لدي 1400 شاب». وهل ما زال يملك اليوم السلاح؟ يجيب بحسم: «لشو هالسؤال؟».

ثلاث دورات أمضاها تحت قبة البرلمان. وهو عاد عن ترشحه في الدورتين الأخيرتين ليتبوأ جميل السيد مركزه و... يقاطعنا بالقول: «ليس ضرورياً أن أقول السبب في ذلك» لكن، أليس السبب حزب الله؟ أليس الحزب من طلب ذلك؟ «صحيح لكن لا تقحموا السوري في الموضوع. تآمروا على البعث في الداخل. ووجود حزب البعث لم يعد له برأيهم مبرر في البرلمان. نبيه بري ضمّ قاسم هاشم الى لائحته وهو عضو قطري. و»حزب الله» أسند موقعنا الى جميل السيد. لا يريدون قومياً عربياً في البرلمان. أنا الوحيد الذي قدم مشروع قانون الإنتخاب دائرة واحدة، من 42 صفحة، لكن نبيه بري أصرّ على وضعه في أسفل الملفات. كلهم يكذبون».

نعود الى آل الأسد لنسأل: كم يشبه بشار والده حافظ؟ يجيب عاصم قانصو: «كلما مرّ الزمن أصبح مثله أكثر حتى أنه تجاوزه. كيف؟ بإصراره وصموده».

نسأله: ألا تستفز شريكك المسيحي في الوطن حين تقدّس سوريا وبيت الاسد؟ يجيب «هم من فعلوا بأنفسهم ما قد حصل». يسارع الى تجاوز السؤال بالحديث عن تطور علاقته مع حافظ الأسد: «كان لدي إجتماع أسبوعي معه. ومرات الهضامة تلعب دورها والكلمة الحلوة أيضاً. مرة، في العام 1987 كنت واقفاً أنا ووليد (جنبلاط) ونبيه (بري) في ذكرى ثورة تشرين. ألقى الرئيس الأسد خطابه ثم دعانا لنشرب معاً العصير. وسرعان ما التحق بنا - كعادته - عبد الحليم خدام. توجه لي الرئيس السوري بسؤال: رفيق عاصم لماذا تدوسون على أقدام بعضكم في لبنان؟ أجبته: إسأل وليد ونبيه. ويومها نبيه قدّ ما هوي (...) أخبر الأسد حكاية النبيذ في السكرستيا فضحك الرئيس السوري كثيراً حتى أنه أمسك بمحرمة ومسح دموعه. كان يحب أن يسمع حتى أدق التفاصيل».

يتذكر عاصم قانصو أموراً يعتبرها جيدة لكن ماذا عن كل ما حدث في لبنان بأيادٍ سورية؟ ماذا عن الإغتيالات التي طالت لبنانيين؟ يجيب منتفضاً: «إغتيال من؟». نذكره: رفيق الحريري، بشير الجميل، رينيه معوض، جبران تويني... يرد: «أتذكر أننا كنا نجلس عند أبو عبدو (غازي كنعان) وكان الرئيس الحريري يلتقي بالرئيس بشار الأسد وكان زمن إنتخابات رئاسة الجمهورية وقرار التمديد الى إميل لحود. قال له بشار حرفياً: وضعنا حالياً لا يسمح لنا بانتخابات رئاسية في لبنان والوضع في المنطقة يحتّم التمديد للحود. أجاب الحريري: أريد وقتاً للتفكير. ويومها مرّ على مقرّ أبو عبدو وهو عائد الى لبنان وقال له: أنا ذاهب الى سردينيا وسأمضي أسبوعين هناك. وأخبرنا ماذا قال له الأسد. وبعد أسبوع إتصل به من الطائرة وقال له: وافقت على التمديد وأخبره ممازحاً أنه وقع أرضاً وسيقولون أن السوري كسر له يده». ويستطرد: «من قتل الحريري هو التمديد الى لحود. لم يكن الأميركي يريد أن يتابع السوري الإمساك بزمام لبنان وهو ما حصل أيام إميل لحود».

نتابع الإصغاء الى ذكريات أبو جاسم الغارق في عشق سوريا. نسمعه يخبر عن إنتخاب رينيه معوض فيقول: «إتصلّ خدام بالرئيس الأسد وقال له: هناك مرشحان الياس الهراوي ورينيه معوض فمن تختار؟ أجابه : رينيه معوض. ويستطرد: كانت نايلة زوجته تزورنا دائماً. كانت تجلس هنا» - يشير الى المقعد المجاور- ويضيف: وكان وليد يجلس هنا على السجادة و (...).

بغضّ النظر عن كل الحقيقة، فإن الشيء الثابت من كل ما سمعناه ونسمعه أنه لم تكن تسقط شعرة في لبنان إلا برضى السوري. وبينما نفكّر يتابع هو الكلام: «جبران تويني لماذا يقتله السوري؟ نجيبه: لجرأته على الإعتراض. يقاطعنا: «جرأة؟ بشار الأسد هو من خرج من لبنان. أردناه أن ينسحب الى البقاع كما يقول الطائف لكنه هو من قرر ان يغادر». نذكره أن أكثر من مليون لبناني نزلوا الى ساحة الشهداء وهتفوا: سوريا برا فيقول: «يا لطيف يا لطيف أخافونا. خاف السوري من جبران تويني لأنه رفع آرمة وشعاراً. لم ينم يومها بشار. إنسحبت سوريا لأن قراراً صدر بإنتهاء الدور السوري في لبنان لا أكثر ولا أقل. ويومها دخل «حزب الله» على الخط. والآن، إنتهى دوره أيضا الذي أعطاه إياه السوري. وستعود الأمور الى سابق عهدها. ولا رئيس في لبنان إلا بموافقة سوريا والسعودية. يريد «حزب الله» أن يبقى فليبق مقاومة على تحرير فلسطين لا أكثر ولا أقل. ويستطرد بمقولة: ليس هكذا تورد الإبل يا سعد. فماذا يقصد بها؟ يجيب: «أعتقد أنه لن يعود هناك حاجة الى الحزب إذا تصالحت السعودية واليمن. من الآن الى تشرين ستتغير امور كثيرة في لبنان. وستقفل قريبا مكاتب إعلامية كثيرة كانت تعمل ضد السعودي».

يتحدث أبو جاسم عن ميشال عون وسمير جعجع فيقول: «مجيء عون كان ضرورة من أجل تأمين حماية مسيحية لظهر المقاومة. هذه كانت نتائج العهد لا أكثر ولا أقل ولا طويلة ولا عريضة. وكل ما عداه أن البلد اخترب. أما بالنسبة الى جعجع فأعرفه جيداً والقاسم المشترك بيننا كان كريم بقرادوني»- ويستطرد ممازحا «كريم مثل حص الثوم» وينتقل بكلامه فجأة الى ميشال سماحه ليقول: «البارحة إتصلت به وسنتناول الغداء قريباً. إشتقت له. هناك تاريخ مشترك بيننا منذ العام 1972. ركبوا له المخابرات تركيبة وزجوه في السجن». نسأله: لماذا؟ يجيب مبتسما: «لم يخبروني». نقاطعه بسؤال: هل تركيبة سماحه كما تركيبة تفجير سمير جعجع كنيسة سيدة النجاة؟ يجيب بحسم: «لا، لا، هو فعلها».

لا يقبل أبو جاسم في «تركيبات» ما يرتضيه ويؤكد عليه في ما يعتبره «تركيبات». هذا خطأ يقترفه الرجل.

لم يحصل أي إتصال بينه وبين جميل السيد ويقول: «منذ اليوم الذي لم يستأذني فيه للترشح وساهم في قرار إنهاء الوجود البعثي في مجلس النواب اللبناني».

إميل لحود صديقه. لديه صورة تجمعه معه في البيت. ويقول عنه «هو يتصل كل يوم سبت ببشار الأسد». ويتذكر إتصالاً جرى بينه وبين ميشال سليمان الذي قال له: يجب أن تكون أنت رئيس الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية. فأجابه: ليست واردة لدي». ويخبر «سبق وتكلمت مع نبيه بري في العام 2003- أنا ومروان فارس جاري في المبنى- حول إنشاء الهيئة وتطبيق الطائف. قال لي: إجلب 10 تواقيع من نواب وأنا أعرضه. أتيت بمئة وصوتين. نقز وقال لي: محمد مهدي شمس الدين لا يريد المشروع. أجبته: أنا عضو معه في المجلس الشيعي الأعلى ولم أسمع ذلك منه يوما».

هنا نسأله، أنت عملت «ضرباً» بنبيه بري، هل إنتقم منك لاحقا بضروبٍ؟ يفكر قبل أن يقول «أنا شيعي وهو لا يريد مرجعيات سواه. هو لم يقم بأي ضربٍ ظاهر لكنه فعل في سياق العمل السياسي العام. لم يعطنا شيئاً. وأتذكر أننا نظمنا ذات يوم إنتخابات بلدية في بعلبك وأتت اللائحة بعثية. إتصل بنا أبو عبدو وقال لنا إن نبيه مستاء. قصدناه في المصيلح وقلنا له أنت عيننا اليمنى و»حزب الله» عيننا اليسرى وكلاماً من هذا النوع. والتقطت لنا صورة نشرت في الصحف. وفي اليوم التالي إقتطع الرئيس الحريري الصورة وأرسلها لي مع بطاقة كتب عليها: أمل إبليس في الجنة. يخبر ذلك ويضحك كثيراً.

يعود الى حزب البعث وتحديداً الى علي حجازي قائلا «زارني في البداية لكنني قطعت له ورقة. وما اراه أنه دمر الحزب. ولم تعد لدينا أي منظمة شعبية في حزب البعث. وهو يقضي الوقت بين غداء وعشاء. وقبل يومين كرّم عباس ابراهيم لأنه كان يشتغل لديه ويتقاضى منه 500 دولار شهرياً، كما يتقاضى من محمد عفيف (من حزب الله) مبلغ 1000 دولار شهرياً. نزل علينا بالباراشوت لكنهم أرسلوا لي من سوريا قائلين: شو بدك حاضرين. في كل حال، أعتبر أن عدم إستقبال بشار الأسد له دلالة الى عدم رضاه عنه».

هو ارتدى الكوفيه الفلسطينية وتحدى. وهو، من خلال كل المفاصل، يؤكد أنه مستاء. ويعتبر أن ما فعلته حركة حماس أخيراً (إطلاق الصواريخ من الجنوب) خطأ لصالح نتنياهو. وترسيم الحدود خطأ آخر اقترف. والسؤال التالي: كيف يمضي أيامه اليوم؟ يجيب «أزرع القمح والشعير. وأملك أكبر مزرعة زيتون في لبنان كانت أوزع إنتاجها سابقاً هدايا و»طق حنك». الآن تغير الموضوع. أحتاج الى المال. كنت أتقاضى من المجلس النيابي 65 في المئة من الأجر- أي 5 ملايين وارتفع المبلغ حالياً الى 18 مليوناً- كوني نائباً لثلاث دورات. وأكثر من أحب زيت مزرعتي هو جان عبيد رحمه الله. هو يلعب الورق أيضا مع نجاح واكيم وواصف شراره و...». طال الوقت وحان موعد الإفطار. نودعه فيدعونا الى التمهل لتناول حبة تمر. نسأله: من سوريا؟ يجيب: لا من الجزائر.

نوال نصر - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا