"معراب 2" يلوح في الأفق
خلال لقاء بيت عنيا الذي جمع معظم النواب المسيحيين، تقصّد البطريرك بشارة الراعي أن تجلس نائبة القوات اللبنانية ستريدا جعجع إلى جانب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. الصورة وحدها كفيلة بأن تمنح الانطباع أنّ اللقاء بين أكبر كتلتين نيابيّتين مسيحيّتين ليس مستحيلاً.
على نيّة مثل هذا اللقاء صلّى الراعي وتضرّع إلى الربّ لعلّه في اتّفاق المسيحيّين يتحقّق الرجاء بانتخاب رئيس للجمهورية. انتهى اللقاء لكنّ الرجاء لم ينقطع بعد ولا محاولات بكركي، إذ استمرّت مساعي المطران أنطوان بو نجم على خطّ معراب - ميرنا الشالوحي لعلّ وعسى.
الراسخ في ذهن القوّات أنّ التيار الوطني الحر في موقع الخاسر الذي يستحيل تعويمه، وفي ذهن التيّار اعتقاد أنّ اللقاء مع القوّات لا بدّ منه لتوحيد الموقف حتى يكون سلاحاً في وجه فرض أيّ مرشّح خارج إرادتهما معاً.
طرأت محطّة ثانية، منذ لقاء بيت عنيا، إذ بدأ التيار يتحدّث عن إشارات بدأت تصله من جهة القوّات إلى ضرورة الحديث مع باسيل في نهاية المطاف. لكنّ للتواصل شروطه القوّاتية كأن يترك باسيل تحالفه مع حزب الله نهائيّاً.
أمّا المحطّة الثالثة في مسار التلاقي فتظهّرت على شكل لقاء بين النائبين فادي كرم وجورج عطاالله.
لم تفِ كلّها بالغرض بعد، والعلاقة باعتراف الطرفين لم تشهد تطوّراً مهمّاً، ولقاء النائبين كرم وعطالله كان لقاء بروتوكوليّاً وحسب. لكن بالاستناد إلى معلومات من مصادر متابعة لمسار علاقة الطرفين فإنّ من يتولّى المشوار ذهاباً وإياباً بين القوات والتيار هو المطران بو نجم الذي يسعى إلى تحقيق توافق مسيحي على اسم المرشّح الرئاسي. قبله تبرّع أحد الأشخاص في منصب إداري رسمي بتبادل الزيارات "من دون أن يقدّم أيّ قيمة مضافة".
كسر الجليد... وأكثر
حتى اليوم لا شيء مهمّاً استجدّ في العلاقة أبعد من كسر الجليد الذي شهدت عليه قرية بيت عنيا، والسبب تردّد القوات ورفضها تجرّع مرارة كأس اتفاق معراب ثانية. لكنّ تردّد القوات يفسَّر من ناحية التيار بأنّه "انتظار لإشارة من السعودية للوقوف على حقيقة التحوّلات التي تشهدها المنطقة"، ذلك أنّ "المشهد السعودي السوري زاد الإرباك عند رئيس القوات سمير جعجع، وزاد التريّث عند حزب الله". وإذا كانت القوات تمانع، فإنّ التيار "غير مستقتل ولا هو طالب موعداً. المرّة الوحيدة التي طلبنا فيها موعداً كانت حين أرادنا تقديم الورقة الرئاسية". وبينما ينتظر جعجع جلاء المشهد سعودياً، يترقّب باسيل بفارغ الصبر لحظة يتراجع الحزب عن ترشيح سليمان فرنجية بعد أن يكون قد تأكّد من نفاد حظوظه.
في المعلومات أنّ الموقف المسيحي معطوفاً على موقف نواب التغيير شكّل بعد لقاء بيت عنيا حال اعتراض قويّة ضدّ ترشيح سليمان فرنجية كان من أوّل مفاعيلها تردّد فرنسا بدعمه وسقوط معادلة فرنجية – نواف سلام التي لم تكن تحظى أصلاً بدعم الحزب.
انعكس هذا التطوّر في موقف "الثنائي الشيعي" ودفع بالحزب إلى التريّث في تظهير الحماسة لفرنجية في الأيام الأخيرة، وفُهم أنّ الفيتو على فرنجية هو حصيلة اتفاق سلبي بين التيار والقوات، أي اتفاق على رفض فرنجية من دون الانتقال إلى اتفاق على البديل.
لكنّ التواصل الخجول بين الطرفين "قابل للتطوّر إيجاباً"، مع العلم أنّ باسيل ما يزال يعطي إشارات واضحة للتفاهم الوطني على رئيس يتمتّع بشرعية البيئة المسيحية ويرضى عنه المسلمون بدءاً بالحزب، وتوافق عليه البيئة السنّيّة. وهذا ما عُبّر عنه في إفطار جبيل أمس الأول بحضور نائب عن الحزب وقيادات دينية شيعية من بينها مفتي جبيل - كسروان الشيخ عبد الأمير شمس الدين شقيق الإمام محمد مهدي شمس الدين.
تراجع أسهم فرنجية
يترافق تراجع الحماسة في طرح فرنجية مع حال من الإحباط النفسي لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كما يقول مصدر سياسي في التيار الوطني الحر. وسبب الإحباط هو التطوّرات الحاصلة في ملفّ التحقيقات الدولية مع أصحاب المصارف وحاكم مصرف لبنان وتراجع حظوظ فرنجية الذي يعوّل ميقاتي كما برّي على وصوله. أضف إلى ذلك أنّ جسّ النبض بطرح اسم كميل أبو سليمان لحاكمية مصرف لبنان قوبل برفض من قوى مسيحية وازنة لأنّه يشكّل مزيداً من التهميش لدور رئيس الجمهورية في زمن الفراغ الرئاسي، إضافة إلى عدم حماسة الحزب لمرشّح قوّاتي باعتبار أنّ أبو سليمان مثّل القوات في الحكومة الأخيرة.
في تقديرات الثنائي أنّ السعودية ربّما تصل إلى فترة ترتئي فيها إبداء مرونة حيال ترشُّح فرنجية، خاصة أنّها لم تمانع علانية، وهو ما يندرج في سياق أساسيّات العمل التفاوضي التي تقول إنّ الصمت عامل مربح للسعودية ويساعدها في تحسين شروط التفاوض على فرنجية في ما يتّصل بالضمانات والتنازلات.
في حساباتهما أنّه لا بدّ أن تقبل السعودية في نهاية المطاف بصيغة المقايضة بين رئيسَي الجمهورية والحكومة مقابل ضمانات أخرى ومكاسب مثل حاكمية المركزي وسلّة تعيينات وغيرهما.
ومتى تحقّقت التسوية الكاملة المتكاملة تنتفي عقبة الفيتو المسيحي. لكنّ رأياً آخر يقول إنّ الثنائي الشيعي بدأ بالفعل تلمّس فعّالية الاتفاق المسيحي السلبي تجاه ترشيح فرنجية، وينظر إليه على أنّه عقبة حقيقية.
الاستحقاق الرئاسي قد لا ينضج قبيل الخريف المقبل ريثما يبدأ قطاف نتاج التسويات الحاصلة في المنطقة، وأمّا التعويل على التوافق الداخلي فسيكون مخيّباً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|