"وثائق استخباراتية" تكشف تورط نظام الأسد في تفجيرات واغتيالات
لمَ نكرهُ النّهايةَ الّتي لا نرسمُها؟!
كتب الياس قطار:
فلنتّفقْ على أمرٍ قبل الاستفاضةِ في الكلامِ والغوصِ في الجوّانيّات: قراءةُ كلمة "النّهاية" -أيًّا كان شكلُها- تُرعِبُ العقلَ الباطنيَّ وتُحزِنُ الأوردةَ وتُشجِنُ القلبَ.
هي الطبيعةُ البشريّةُ. بل هو العقلُ الّذي ولدَ وترعرعَ وشبَّ في منطقةٍ مضرّخةٍ بالأسى، يلازمُ الأسودُ ثيابَ ناسها، يلازمُ الدّمعُ مُقَلَ ناسها، يلازمُ الخوفُ أجسادَ ناسها، يلازمُ الأملُ أرواحَ ناسها. نفهم الآن لماذا لا يتقبّلُ "العقلُ العربيّ" نهايةَ عملٍ فنّيٍّ لا يرسمُها بنفسه، أو في أحسنِ الأحوال لا تُطابِقُ توقّعاتِه رغمَ أنّ في ذلك الفعل المعاكِس للتوقّعات إبداعَ يراعةٍ ولَّدَت ما لا يسهلُ توقُّعه.
لا يهتمُّ أبناءُ المنطقة بإبداع اليراعة أو بمخيّلةٍ جامحةٍ بقدرِ ما ينصبّ اهتمامُهم على إراحةِ التفكير وإنجاحِ الحدس. تعتادُ العينُ في الحلقة الأخيرة على مشهد "انتصار البطل"، وتستسيغُ الأذنُ سماعَ أنغام الفرح، ويرتاحُ القلبُ لاجتماعِ قلبَيْن تفرّقا طوال المسلسل والتقيا في عرسٍ وزفّةٍ.
هنا، في أرضِنا، لا يموتُ بطلُ المسلسل. لا يمكن أن يموت، وإن قتَلَته يراعةُ الكاتب/ة قتلَ النّاسُ الكاتب/ة بأبشع النّعوت وأغلظ الكلمات. هنا، في أرضِنا، أُفقُ الكلمة مسدودٌ أو محدودٌ. إن لم تكبِّلْه "الضّوابط الأخلاقيّة" اصطدم بما هو أسوأ منها: الضّوابط العاطفيّة. ثمّة حواجزُ كثيرة تمنعُ القلمَ من التّفلُّت وتحرمُه كتابةَ النّهاية المنطقيّة أو ربّما غير المنطقيّة.
ينتهي المسلسل وينتهي معه حلمُ الكاتب/ة بتحرير المخيّلة والقلم معًا. وإن تجرّأ على كسر أصفاد توقّعات النّاس رُمِي بألف حجرٍ ومُني بألف شتيمةٍ واصطدم بألف وجهٍ عابسٍ وظُلِم من ألف ناقدٍ تجاهلَ إعجابَه بعشرات الحلقات وحشدَ حقنَه للحلقة الأخيرة والكلمة الأخيرة. لماذا؟ لأنّ النّهاية ببساطةٍ غير متوقّعة.
طبعًا لا مجال لِلَوم الجمهور متى كانت الأقلام النّاقدةُ عاجزةً عن التّرفّع عن إسقاطاتِها وأهوائها في حركةٍ أشبه بالتّوق إلى سرقة القلم من يد الكاتب الأصليّ وحفر النّهاية نيابةً عنه حتّى لو كان ذلك سيخرب العمل برمّته.
هنا يستحيلُ استهجانُ ردّ فعل الجمهور الغاضبِ من "النّهاية غير السّعيدة" تفهُّمًا يسبقُه استدراكٌ ومئةُ سؤالٍ منهجيٍّ: ماذا نتوقّع من ناسٍ ضاقت بهم السُّبُل حدَّ أنّهم يعتصمون بـ"تمثيليّة" بحثًا عن سعادةٍ نادرةٍ وأملٍ متغرِّب؟ ماذا نتوقّع من ناسٍ يخسرون من الدّمعِ كثيرَه أمام مشهدِ وجعٍ أو جوعٍ أو موتٍ فيما بعضُهم يعيشُ واقعًا أشنعَ ممّا يشاهدُه؟ أنلومُ ناسًا باتوا يعشقون الممجوجات و"الكليشيهات" والمُتوقَّعات لا لشيءٍ بل لأنّهم ببساطةٍ ما عادوا يذكرون كيفيّةَ عيشها فاختاروا إدمانَها في مخيّلاتهم وعلى شاشاتهم؟ كيفَ لنا أن نلومَ ناسًا يرفضون نهايةً تنطوي على موتِ بطلٍ/ةٍ، على مرضِ طفلٍ/ة، على قعودِ أمٍّ، على مأساةٍ، على زلزالٍ، على انفجارٍ، على حربٍ، على طعنٍ... على هذا كلّه أو شيءٍ منه، وهم الّذين يعيشون كلَّ ما ذكرناه أو جلَّه أو بعضَه؟
غريبةٌ إسقاطاتُ "العقل العربيّ" عنّا نحن "المفكّرين خارج الصّندوق"، ولكنّها في الواقع غيرُ متغرّبةٍ عن الواقع. واقعُ تلك الإسقاطات أصدقُ من الواقع الّذي يظنّ الكاتبُ أنّه وضعه على الورق والّذي يظنُّ المخرجُ أنّه نقلَه بأمانةٍ من خلال عدستِه. ما تقولُه الإسقاطاتُ المرتحِلةُ من الواقعِ المَعيشِ إلى الشّاشةِ المتخيَّلة أصدقُ من إبداع ألفِ يراعةٍ وألفِ عدسةٍ وألفِ نقدٍ وألفِ أداء.
هنا لا يُلامُ النّاسُ على ردّة فعلٍ متوقّعة تُجاه نهاياتٍ غير متوقَّعة على الشاشة لا في الواقع. ولكن، يُلامُ النّاسُ على غيابِ ردّة فعلٍ تُجاه ما يُصيبُهم من نهاياتٍ غير متوقّعة في الواقع لا على الشّاشة. ومتى قرّرنا إسقاطَ اللّوم عن النّاس لعدم قدرتهم على التّحكُّم بمصايرهم ونهاياتهم، ينبغي لنا إنصافًا إسقاطُ اللّوم عن الكاتب/ة عندما يتجرّأ على رفض أحكامِ توقّعاتنا والتحكُّم بمصاير أبطاله الوهميّين ونهاياتهم كما تشاءُ مخيّلته لا كما تشاءُ أمزجتُنا!
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|