هل ساهم "الفدرالي" حقاً في أزمة المصارف؟
في أحدث الاخبار العالمية فيما يخص الازمة المصرفية التي ضربت عدداً من البنوك في الولايات المتحدة وغيرها منذ شهر آذار (مارس) الماضي، أعلنت جهات تنظيمية أميركية يوم الاثنين مصادرة أصول "بنك فرست ريبابليك" المنهار، مع ابرام اتفاق لبيعه إلى مؤسسة "جي بي مورغات تشيس"، ليصبح بذلك ثالث بنك أميركي كبير ينهار خلال شهرين.
وتأتي صفقة شراء "فيرست ريبابليك" بعد أقل من شهرين على انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر، وسط موجة من هروب الودائع من البنوك الأميركية، مما أجبر مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) على التدخل بإجراءات طارئة للحفاظ على استقرار الأسواق. وانهارت هذه البنوك بعد تصفية بنك سيلفرغيت، الذي كان يركز على العملات المشفرة، لأصوله طواعية.
وأدت التبعات إلى ضغوط فائقة على "فيرست ريبابليك". وبعدما فشل مصرف "فيرست ريبابليك" في التوصل إلى خطة إنقاذ عملية، كشف الأسبوع الماضي أنه خسر أكثر من 100 مليار دولار من الودائع في الربع الأول من العام، مما أدى إلى هبوط أسهمه، لتقرر السلطات الفدرالية في نهاية المطاف التدخل لإنقاذ البنك بعد طول تردد.
والامر المثير في قصة افلاس "فيرست ريبابليك" أنه كان يعد بنكاً للأثرياء، ولا يعاني من مشكلات التعثر الائتماني بنفس القدر الذي قد يتعرض له غيره من المصارف. لكن الارتباك العنيف الذي صاحب أزمة شهر آذار، مع تأثيرات رفع الفائدة المتوالية على القيمة الثابتة للقروض العقارية، دفع إلى التخارج السريع لرؤوس الأموال في دائرة مفرغة أدت إلى ما حدث في الواقع.
هذا السيناريو أدى منذ اندلاع أول شرارة للأزمة إلى توجيه كثير من المراقبين والمحللين لانتقادات عنيفة نحو بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي بأنه السبب الرئيس لانهيار البنوك من خلال مساره الذي لم يدرس الأثر على المصارف، خاصة بعد تخفيف يراه البعض "غير مبرر" لقيود مصرفية متبعة منذ سنوات طويلة، وتحديداً عقب الازمة المالية العالمية في عام 2008.
وعقب اندلاع ازمة المصارف وانهيار بنك "سيليكون فالي" الأميركي، نشرت وكالة بلومبرغ تقريراً مبكراً في النصف الأول من شهر آذار، أكدت فيه أن "مجلس الاحتياطي الفدرالي يتحرك بشكل عشوائي وبدون خطة واضحة بينما يحاول خفض التضخم دون إفساد النظام المالي أو دفع الولايات المتحدة إلى حالة ركود".
وقالت "بلومبرغ" إن المشكلة الأساسية بالنسبة لمجلس الفدرالي تتمثل في أنه ليس من السهل التعامل مع الاضطرابات في الاقتصاد لتحديد ما هو معدل سعر الفائدة المحايد، خاصة في أعقاب جائحة لا تحدث إلا مرة كل قرن... وأن التساؤل الأكثر حساسية حاليا هو "ما إذا كان الهدف الذي يوجه خطوات أعضاء المجلس قد ارتفع أكثر، وإذا كان هذا هو الوضع، فهل يتعين عليهم رفع أسعار الفائدة أكثر من ذلك، بما يهدد بإحداث اضطراب مالي؟".
وفي بداية شهر نيسان (أبريل) الماضي، انتقد الخبير الاقتصادي محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز، على تويتر، عدم كفاية اختبارات الإجهاد المصرفي التي فشلت في قياس كيفية تعامل البنوك بدقة مع أسعار الفائدة المرتفعة بعد دورة تشديد السياسة الأكثر عدوانية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي منذ عقود.
وشكك كبير الاقتصاديين مرارًا في قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي في العام الماضي، قائلاً إن البنك المركزي الأميركي قد تأخر في الرد على ارتفاع التضخم... وبعد ضياع الوقت المناسب لبدء رفع أسعار الفائدة، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية المتشددة، مما زاد من احتمالية الانكماش الاقتصادي وعدم الاستقرار المالي.
وأصدر معهد بيترسون تقريرًا في آذار الماضي، يفيد بأن اختبارات الإجهاد المصرفي الأخيرة التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي استخدمت "سيناريوهات غير كافية لتقييم الأزمة" وأنه "لم يتناول أي منها أسعار الفائدة المرتفعة".
وبشكل غير مكتمل، اعترف الفدرالي بمسؤولية عما حدث في قطاع البنوك، على الأقل فيما يخص ضعف الاشراف. إذ أكد رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول قبل أيام أنه يرحب بـ"تقرير بار"، وهو نتيجة التحقيق الداخلي الذي اشرف عليه نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي لشؤون الإشراف مايكل بار فيما يخص انهيار "سيليكون فالي بنك". وقال باول "أتفق مع توصياته؛ وأدعمها للتعامل مع قواعدنا وممارساتنا الرقابية، وأنا واثق بأنها ستؤدي إلى نظام مصرفي أقوى وأكثر مرونة".
وفي تقريره أقر بار بأنه "بعد فشل بنك سيليكون فالي، علينا تعزيز مهام الاحتياطي الفدرالي في الإشراف والتنظيم بناء على ما تعلمناه"، مؤكدا أن إدارة "إس في بي" فشلت في إدارة المخاطر بشكل مناسب قبل الانهيار السريع للبنك، بينما فشل مشرفو الاحتياطي الفدرالي في اتخاذ إجراءات قوية بما يكفي بعد أن رصدوا مشكلات في البنك المتخصص في تمويل شركات التكنولوجيا.
وخلص التقرير إلى أن الفدرالي "لم يقدر جدية أوجه القصور الحرجة في إدارة السيولة ومخاطر أسعار الفائدة" أثناء تضاعف حجم أصول بنك سيليكون فالي بين 2019-2021 في خضم طفرة التكنولوجيا الفائقة. وقال بار إن الاحتياطي الفدرالي سينظر في تعزيز إشرافه المصرفي لضمان قدرته على تحديد المخاطر ونقاط الضعف بسرعة أكبر. كما سينظر في تعزيز الإطار التنظيمي للبنوك، وتشديد القواعد حول مخاطر أسعار الفائدة، ومتطلبات السيولة ورأس المال.
ومنذ أسابيع، يشير خبراء إلى أن التخفيف التدريجي لقوانين أميركية سُنّت بعد فترة قصيرة من أزمة 2008 المالية، كان أحد أسباب الأزمة الأخيرة... قاصدين تحديداً قانون "دود-فرانك" الأصلي الصادر عام 2010، الذي يفرض رأس مال أعلى وسيولة وغير ذلك من الشروط على المصارف التي تملك أصولا تبلغ 50 مليار دولار على الأقل... لكن في 2018، وبدعم من الرئيس السابق دونالد ترامب، تم رفع قيمة الأصول إلى 250 مليار دولار، ما يعني تأثر عدد أقل من المصارف الأقل قيمة.
ورغم الاعتراف الصريح بالضلوع في الأزمة حتى وإن كان بالتقصير، إلا أن أحدث المدافعين عن الفدرالي كان جهة غير متوقعة، حيث أصر أكثر من تطبيق يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" على تبرئة البنك المركزي الأميركي، نافين مسؤوليته قطعيا برسالة تنص على أن "الاحتياطي الفيدرالي هو الجهة التي تشرف على السياسات النقدية والمالية في الولايات المتحدة الأميركية والتي تهدف إلى الحفاظ على استقرار النظام المالي والاقتصادي في البلاد. وعلى العكس من ذلك، فإن الأزمات البنكية تحدث عندما تقوم البنوك بالقيام بممارسات خاطئة وإهمال التزاماتها المالية، مما يؤدي إلى فقدان الثقة فيها وانهيارها. لذلك، فإن الاحتياطي الفيدرالي يعمل بجد لتفادي الأزمات المالية ودعم استقرار النظام المالي".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|