عوائق محلية "بالجملة" في ملف اللاجئين منذ العام 2015...
لم يعد هناك ما لم يُقل بعد، إلا الكلام الجدي الرسمي الذي يعبّر عن موقف لبناني موحّد. هي النتيجة التي أمكن استنتاجها من كل "الهمروجة" التي حصلت، ولا تزال، من مسألة اللاجئين السوريين في لبنان.
قيل الكثير، ولكن لم نلمس اي جدية رسمية محلية. من هنا، بات السؤال المشروع والاكثر من ملحّ: ما هي العوائق اللبنانية التي تمنع عودة اللاجئين الى ديارهم؟
لدى الوزير السابق رشيد درباس الكثير. هو الذي تولى وزارة الشؤون الاجتماعية وملف اللاجئين في مرحلة بالغة الدقة والحساسية.
في التفاصيل الكثير من الوقائع. وفي جعبته معطيات عديدة، ليخرج باستنتاج واضح يقوله لـ"النهار": "لا نظرة لبنانية واحدة للمسألة، ولا ادارة واحدة للملف".
تلك هي ابرز المعوقات اللبنانية.
ينطلق درباس من بداية الازمة السورية، حين اندلعت المعارك في المناطق المحاذية للجانب اللبناني، فسارعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي آنذاك الى تكليف وزير الشؤون الاجتماعية وائل بو فاعور متابعة الملف، انطلاقا من كونها قضية انسانية. بعدها، تشكلت حكومة الرئيس تمام سلام، وتولى درباس حقيبة الشؤون، على مضض، لان الاتفاق معه كان على ان يتولى وزارة العدل. وكان يدرك ثقل الملف وحجم التحديات المحلية، قبل الخارجية، التي تتحكم بهذه القضية.
يقول: "تنفيذا للقرار الحكومي السابق، باشرتُ متابعة الملف لكونه من مهمات وزارة الشؤون". ومنذ تلك اللحظة، توالت الاحداث والعقبات.
2015: صفر لجوء
يعرض درباس وقائع وتحديات تبرز مكامن الخلل المحلي، منذ بداية الازمة، وصولا الى يومنا هذا، ومرورا بكل العقبات اللبنانية التي عرقلت ادارة الملف، بسبب افتقاره الى "الجدية والنظرة الوطنية".
يخبر كيف توالت اجتماعاته مع مفوضية اللاجئين، وكيف كان يشعر في بداية الامر بان ثمة ثغرة محلية كبيرة.
يقول انه دُعي من المفوضية لحضور مؤتمر في معرض رشيد كرامي الدولي. يومذاك "صُعق" بالكلام الرسمي الذي جاء على لسان المفوضية حين أُعلِن ان عدد اللاجئين الموجودين في لبنان ناهز المليون.
كان درباس لا يعلم بالأعداد، فسارع، خلال القاء كلمته، الى القول: "ارجو ان تكون الرقم واحد في العودة".
كان ذلك عام 2014. في تلك السنة، اعلن درباس حالة طوارىء، او ما سُمي خلية الازمة التي ضمّت الرئيس سلام ووزراء الخارجية والداخلية والعمل، وكان هو مقرر في الخلية بصفته وزيرا للشؤون الاجتماعية.
يكشف انه منذ تلك اللحظة بدأ يعدّ العدة لادارة الملف، ويشدد على ان القضية ينبغي ان تكون من مسؤوليات وزارة الشؤون.
نجح درباس في تكوين فريق عمل يواكب قضية اللاجئين. ويروي كيف شارك في "مؤتمر اصدقاء لبنان" الذي عقد في باريس، بدعوة من الرئيس فرنسوا هولاند، وكيف اعدّ ورقة لبنانية لعرضها على المؤتمر حول مسألة اللاجئين.
يومها، قدّم درباس الورقة الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي بادره بالقول: "لقد اخفتني. خفت عليك وانت تعيش في طرابلس"، فردّ: "ليس هناك اي خطر، ولا يمكن لاي طائفة ان ترتاح لهذا الثقل في الازمة".
كانت تلك الورقة بمثابة خطة عمل رسمية، سرعان ما اقرتها الحكومة في تشرين الثاني 2014. حتى الوزير جبران باسيل اعلن رضاه عنها، واصفا إياها بـ "ورقة عمل غير سياسية".
في تلك الحقبة، أُقِرت ورقة درباس تحت مسمى: "خطة استجابة الواقع اللبناني للاجئين السوريين".
اذاً، كان ثمة عمل محلي لبناني رسمي، وكانت هناك خطة لمواجهة وضع اللاجئين، فماذا كانت تتضمن؟ ولِم لم تنجح في امتصاص قنبلة اللاجئين ما دامت حصدت رضى الجميع، وتحت ادارة وزارة الشؤون؟
يعترف درباس بان "كل وزير جديد ينقض عمل سلفه. تلك هي المشكلة".
وما هي المعطيات التي تكونت نتيجة هذه الخطة؟
يجيب: "بدأت الامور تأخذ منحى متسارعا، فاقترحت، خلال احد الاجتماعات، وقف اللجوء السوري نهائيا، والطلب من الامن العام تنظيم استمارات دخول للبعض، وذكر الاسباب الموجبة لذلك، كالمرض او التعليم وغيرهما، وما عدا ذلك يرفض دخوله، اي نوع من ضبط المسألة وتنظيمها. ونتيجة لذلك، وصلنا رسميا في 5 كانون الثاني 2015 الى صفر لجوء".
كان درباس ينطلق من معادلة: "اذا سكرتوا الحوض ستطوف علينا"، وانه لا بد فعليا وعمليا من تنظيم اللجوء والحد منه. بناء على ذلك، طلب من مفوضية اللاجئين تسليم "الداتا" عن الأعداد والارقام، لكن المفوضية لم توافق. فتم التوصل الى توقيع اتفاق بين المفوضية ووزارة الشؤون يقضي بتسليم "الداتا" الى الجانب اللبناني، شرط عدم تسريبها.
من هنا، يشدد درباس على ان "الداتا موجودة عند الطرف اللبناني، بناء على الاتفاق الذي وقّعه مع المفوضية، وهذا الاتفاق لم يلغَ. وبالتالي، كل حديث رسمي اليوم عن ان لا داتا هو كلام مغلوط".
لا بل اكثر. توصل درباس، مع فريق العمل، الى انتاج "بيان معلومات وطني"، اي "داتا" محلية، وثّقت 500 الف لاجىء سوري. وكان ثمة جهد او فكرة لانشاء مخيمات، في محاولة لضبط اماكن وجود اللاجئين وتنظيمها، لكن الفكرة لم تنجح.
المفاجأة كانت انه بدل متابعة الجهد المحلي، تم اجهاضه والعودة به الى نقطة الصفر. وهذا الامر يشكل ابرز عائق لبناني في انجاح عودة اللاجئين.
اذ بعدما تشكلت حكومة الرئيس سعد الحريري، استُحدثت وزارة شؤون اللاجئين، وتسلم الوزير معين المرعبي المهمات، بلا اي جهاز. بدأت البوصلة تضيع مع تعدد الجهات والادارات.
اما الخطأ الثاني الذي ارتُكب، وفق درباس، فكان ان "وزير الشؤون الاجتماعية الذي تولى المهمة من بعدي، اي الوزير بيار بو عاصي، عمد الى الغاء برنامج انتاج بيان المعلومات الوطني، واعتبره باباً للاهدار. ومنذ تلك اللحظة، ضاعت ادارة الملف، تارة مع وزارة الشؤون، وطورا مع وزارة المهجرين، مرورا بوزارة شؤون اللاجئين".
فكانت النتيجة ان لا عمل رسميا موحدا تجاه قضية اللاجئين، التي كانت تتفاعل وتكبر.
العوائق الحالية
هذه الجردة التي يقدمها درباس تكشف مدى العجز اللبناني الذي يعانيه، حاليا، ملف اللاجئين. فما الحل المرتقب اليوم؟
يشير الى انه سبق له ان اقترح فكرة إقامة مخيمات في عكار والبقاع، حيث يمكن فرض رقابة صحية وامنية، انما الوزير باسيل عارضها بشدة في مجلس الوزراء، فعاد درباس واقترح انشاء مخيم في المنطقة الفاصلة بين جديدة يابوس والمصنع، لكن الموضوع لم يكتمل نجاحه. يسأل درباس: "لو نظمنا العدد في مخيمات، ألم يكن افضل من الحالة التي وصلنا اليها اليوم؟".
ويؤكد انه "استنادا الى اعلان جنيف، فان اللاجىء هو الذي لا يرغب في العودة الى وطنه او لا يستطيع، وبالتالي فان السوري الذي ذهب الى بلاده واجتاز الحدود من دون اي خطر، ينبغي ان تُنزع عنه صفة اللاجىء، لانه رغب بالعودة. هذا الكلام سبق وقلته للامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس. وهذا ايضا ما عممناه على الامن العام في 2015. فكانت النتيجة ان سجلت المفوضية 850 الف لاجىء، بعد الشطب الذي طاول أعدادا منهم".
هذه "الداتا" التي كانت بدأت تتكون عند الجانب الرسمي اللبناني لم تكتمل لان العمل الجدي توقف منذ ذلك الحين. وفق درباس: "الانسداد السياسي وابتكار قضايا متفجرة لملء الوضع، كانت له تداعيات اكثر من سلبية على ملف اللاجئين، اضف الى ذلك غياب الادارة والارادة اللبنانية الرسمية".
امام هذا النمط من العمل كان من الطبيعي ان تكبر كرة اللاجئين وتتطاير سهامها محليا على اكثر من جانب.
... ووصلنا اليوم الى ما وصلنا اليه. يقول درباس: "رقم اللاجئين، هو 850 الفا الذي وُثّق عام 2015 زائد المواليد، انما من يعرف الحقيقة اليوم؟ الحدود فلتانة. العمالة السورية تجاوزت القانون الذي حدد عملها حصرا في البناء والزراعة والنظافة، اما اليوم فاننا نرى كيف ان البعض فتح تجارات ومؤسسات، هذا من دون ان نتكلم عن العصابات التي تساهم في امتصاص العملة الاجنبية من بلادنا".
الحصيلة: كبرت القضية الى حد عدم التمكن من ضبطها. والسبب الرئيسي محلي بامتياز. يختم درباس سرده برواية مشاركته في "مؤتمر توطين اللاجئين السوريين" الذي عقد في جنيف عام 2016، بمشاركة الاردن والعراق وسوريا ولبنان، وفي حضور ممثلين عن كل دول العالم. يومها، وقف ممثل كل دولة، من السويد واميركا وكندا واوستراليا ليعلنوا العدد الذي يمكن استيعابه، والذي قارب مجموعه المئة الف لاجىء. فردّ درباس بالكلمة التي القاها: "اسمحوا لي ان اشكر دول العالم التي تكرمت باستقبال اللاجئين، انما اريد ان اعلن لكم ان قرية واحدة في لبنان وهي عرسال تستقبل وحدها 100 الف لاجىء سوري!".
... واليوم، بعد سبعة اعوام، ماذا حلّ بهذ الملف؟ تعددت الادارات. ضاعت المسؤوليات او غابت. اما وحدة القرار الرسمي اللبناني فمغيّبة او مفقودة او فارغة. فكيف سنصل، بعد كل هذه العوائق، الى مرحلة التنفيذ والتطبيق على الارض؟!
"النهار"- منال شعيا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|