رسالة "واتساب" من عميل إسرائيلي لحكومة الأسد... ماذا تضمّنت عن "حزب الله"؟ (صورة)
هكذا فقد المودعون ٥١ مليار دولار في ٤٣ شهراً،،،و هكذا فقط تعود الأموال
مرّة أخرى تعطينا التجارب الدولية دروساً نرفض الاتعاظ منها تحت مئة ذريعة وذريعة، ممعنين بمراكمة الأخطاء كلما اشتدت الأزمة. إن أزمة ثلاثة مصارف أميركية دفعت بالسلطات المعنية في الولايات المتحدة إلى التحرك بالسرعة القصوى الضرورية لمعالجة الوضع وتفادي أزمة كادت مفاعيلها لو امتدت أن تطال النظام المالي الأميركي برمته. كذلك في سويسرا خلال أزمة مصرف كريدي سويس أبقت السلطات المعنية اجتماعاتها مفتوحة طيلة عطلة نهاية الأسبوع إلى أن تأكدت من معالجة الأزمة ولملمت الوضع قبل العودة إلى العمل في مطلع الأسبوع التالي. أما في لبنان، فنحن أبطال مجموعة غينيس للأرقام القياسية؛ فإذا ما درس صندوق النقد الأزمة اللبنانية قال لنا بأنها غير مسبوقة “Unprecedented”، وإذا ما وقعنا في فراغات دستورية، نتابع عملنا بالموجود حتى أثبتنا أننا البلد الوحيد في العالم القادر على العيش بفراغ رئاسي لمرات عديدة ولسنوات دون أن يرف لنا جفن. إن لائحة تصدرنا لأرقام غينيس قد تبدأ بعدد الفاسدين في كافة القطاعات ولا تنتهي بالرقم القياسي لعدد الأشهر المهدورة خلال الأزمات. ثلاثة وأربعون شهراً مرّت على بدء الأزمة والحبل على الجرار. لم تعلن مجموعة غينيس عن ذلك كرقم قياسي بعد، فقط لأننا قادرون على تضييع المزيد من الوقت، وقد أثبتنا جدارة في ذلك. ثلاثة وأربعون شهراً، فقد خلالها المودعون واحد وخمسين مليار دولار من ودائعهم وما زالت الدولة تناقش مشاريع، ثم تسحب بعضها وتعيد صياغة أخرى وإذا ما أقرّت بعض القوانين تبلغت عدم رضى صندوق النقد عنها.
كيف تبدّدت 51 مليار دولار من أموال المودعين بعد 17 تشرين الأول 2019:
1- التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص:
بتاريخ 15 تشرين الأول 2019 بلغ مجموع التسليفات للقطاع الخاص بالدولار ما يزيد عن 38 مليار دولار. في نهاية آذار 2023 انخفضت هذه التسليفات إلى حوالي 9 مليار دولار. هذا يعني أنه تم تسديد 29 مليار دولار من أموال المودعين إما بالليرة على سعر 1507.5 أو بالدولار المحلي. ذلك لأن السلطات ألزمت المصارف بقبول التسديد بهذه الطريقة، بسبب عدم اتخاذها الإجراءات التشريعية والتنظيمية اللازمة لحماية أموال المودعين. هكذا تأخير أدّى إلى تغيّر جذري في النظام الاقتصادي اللبناني وتحويله إلى نظام يشبه الأنظمة التي تنادي بإعادة توزيع الثروات، فأصبح مقترضو الأمس أغنياء اليوم ومودعو الأمس فقراء اليوم.
2- التوظيفات الإلزامية بالدولار:
لقد صحّ القول المأثور " ما في بالميدان إلا حديدان" ، و"حديدان" في لبنان هو الاحتياطي الإلزامي (التوظيفات الإلزامية بحسب النص القانوني).
الاحتياطي الإلزامي لتمويل المحروقات والأدوية والطحين، لتمويل احتياجات الدولة من العملات الأجنبية، لدفع رواتب القطاع العام، للتدخل في سوق القطع ودعم العملة الوطنية عبر صيرفة، وغيرها من الاستخدامات غير المعتادة، وكأن الجميع نسي أن الاحتياطي وديعة ذات غاية محددة Dépôt à Affectation Spéciale، مخصّصة لحماية الودائع وحق حصري للمودعين، لكافة المودعين، وكل بنسبة مئوية من وديعته، ولا نقول لجزء منهم أو لمودع صغير أو كبير.
عند بداية الأزمة كانت ميزانية مصرف لبنان تُظهر وجود ما يقارب 31 مليار دولار من العملات الأجنبية، صُرِفَ منها حتى الآن 22 مليارا. لو تمّت إعادة هذا المبلغ الى المودعين في حينه، لكان تمّ سداد العدد الأكبر من الحسابات، وتمّ إنصاف مئات الآلاف من المودعين. لكن السياسة فضّلت تحويل الاقتصاد اللبناني إلى ما يشبه الاقتصادات الشيوعية، ومع ذلك فإن الدولة لم تحترم حتى مفاهيم الشيوعية فذهب القسم الأكبر مما تمّ تبديده إلى جيوب المنتفعين النافذين وإلى الخارج أكثر منه إلى الشعب.
31 مليارا، كانت تشكل 25% من أصل 124 مليار دولار ودائع بالعملات الأجنبية في 15 تشرين الأول 2019. اليوم 9 مليار متبقية لا تتجاوز 10% من أصل 94 مليار دولار من هذه الودائع. كيف انخفضت هذه النسبة ولماذا؟
كان مصرف لبنان قد خفّض النسبة الدنيا للاحتياطي الإلزامي من 15% إلى 14% في تموز 2021 وكانت المصارف تتوقع أن يتمّ تسييل الفارق وهو 1% من ودائعها نقداً لتوزيعها على المودعين، غير أنها فوجئت بأنه تمّ وضع هذه النسبة في حسابها الجاري في مصرف لبنان دون إمكانية سحبها نقداً. اليوم تدنت نسبة الاحتياطي إلى 10% من الودائع دون تفسير منطقي ولا تعميم يغطي هذا الانخفاض، وإن كان من غير المستبعد أن يصدر في أي وقت تعميم من مصرف لبنان يُخفِّض الاحتياطي إلى هذه النسبة أو أقل (بحسب ما سيتبقى من الاموال في حينه).
هذا ما فقده المودعون حتى اليوم رغم التحذيرات المتعددة التي أطلقتها المصارف، لكن الأخطر هو ما تسرّب من معلومات عن إعطاء أربع رخص لمصارف جديدة ستتعامل بالدولار Fresh حصراً أكان من ناحية الودائع أو التسليفات. هذا يعني بالواقع خلق قطاع مصرفي جديد والقضاء على القطاع المصرفي الحالي مع ودائعه. الجدير بالذكر، أنه في حين يجري اليوم البحث عن طريقة لاستعادة الودائع تأتي الضربة الجديدة لتبدّد كل أمل. الواقع واضح كالشمس، إذا انتقل العمل المصرفي إلى قطاع جديد مستحدث فلن تتمكن المصارف من المشاركة في معالجة الأزمة في حال لم تتأمّن لها المقومات اللازمة لاستمرارية عملها، وهذه صرخة جديدة على المعنيين أن يسمعوها وان لا يديروا لها أذنا صماء. من المفيد في هذا السياق الذكر أنه في حين أكد سعادة حاكم مصرف لبنان للمصارف عدم وجود نية لإعطاء رخص جديدة، أدرجت اللجنة الاقتصادية لمجلس النواب هذا الموضوع ضمن مناقشاتها مما يترك هذا الموضوع غير واضح حتى الآن وعرضة لكافة الاحتمالات.
مما لا شك فيه أن الضغوطات المذكورة أعلاه والتي يتعرّض لها مصرف لبنان لناحية تمويل كافة المدفوعات بالعملة الأجنبية، إضافة إلى الضغوطات لضبط سعر الصرف قد تتعذّر مقاومتها في "أزمة نظامية" كالتي يرزح تحتها الاقتصاد اللبناني، غير أن المصارف والتي تُسأل عن مصير ودائعها لدى المصرف المركزي، من واجبها أيضاً أن تُذَكِّر بأنها راسلت المصرف المركزي مرتين في هذا الخصوص بتاريخ 31 آذار 2021 و تاريخ 4 نيسان 2022 مذكِّرة بوجوب عدم المساس بالاحتياطي الإلزامي، لا بل عدم جواز المساس بإيداعات المصارف لدى المصرف المركزي والحفاظ عليها كاملة دون نقصان، وقد أتاها الجواب بأنه يمكن للمصرف المركزي تسديد الودائع بالليرة وفقاً لسعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي (والذي لم يتم تحديده في كتاب الرد).
فترة انتقالية، لا بل مصيرية تنتظر القطاع المصرفي، في ظل فراغ رئاسي وتشريعي يجعل من الحلول مؤجّلة إلى بعد حين. في وقت تتسارع الاستحقاقات المالية وتتراكم الفراغات الدستورية والإدارية، تبقى المصارف مع مودعيها في انتظار تواريخ واهية، فتسمعهم يقولون؛ في آخر الربيع، بعد استحقاق الحاكمية، وبعد انتخاب رئيس، وقد كُتب على اللبنانيين انتظار "غودو" إلى أن يجد لنا الآخرون الحلول. لقد آن الأوان لمعالجة الأسباب تزامناً مع النتائج، بحيث تترافق إعادة هيكلة القطاع المصرفي مع تطهير الدولة من الفساد والمحسوبيات على كافة المستويات، لِتَكُفّ الحكومات المتعاقبة عن تبديد ما تبقى من أموال المودعين وإلا فالمعالجات ستبقى تراوح مكانها، ليصحّ فيها قول المثل: "فالج ما تعالج".
من ناحية أخرى، سنوات عدة مرّت على الانهيار الاقتصادي الكبير، ولبنان لا يزال يبحث عن العلاج المجهول - المعلوم الذي كلما تأخّر أكثر كلما ارتفعت كلفته وانخفض مردوده.
بما انّ اللبنانيين باتوا من «مُدمني» سياسة الانتظار، فإنهم ينتظرون في هذه المرحلة انتخاب رئيس الجمهورية لعله يحمل معه سُلّم الصعود من الهاوية.
الا ان الواقعية تستوجب الاعتراف بأنّ الانتخاب في حد ذاته لا يكفي وحده للإنقاذ، وإن يكن واحداً من متطلباته، ذلك أن الازمة المركبة تتطلب معالجة متعددة الأبعاد، يتكامل فيها السياسي مع الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
وعلى رغم من ان الوقت الثمين يمر مُثقلاً بالضغوط والتحديات التي تتطلب مواجهة مدروسة، غير أن الدولة لم تنتقل بعد من مربّع إدارة الازمة الى حلها بسبب استمرار الخلافات حول «خطة التعافي» المعلقة.
ويؤكد وزير الاقتصاد السابق رائد خوري لـ«الجمهورية» انّ «الدولة تتملّص من مسؤولياتها وترفض الاعتراف باستدانة الأموال من مصرف لبنان المركزي والمصارف على مدى سنوات، بل تقدم أرقاماً مموّهة ومشبوهة، عند طرحها لأي حل».
- إذاً، ما هو شكل الحل المنصف؟ وماذا يمكن ان تفعل الدولة حتى تعيد الحقوق الى أصحابها؟
يجيب خوري انّ الوعود الرسمية هي كمَن يشتري «السمك في البحر»، لأنّها لا تسعى إلى خلق «قيمة مضافة» (value creation)، «علماً أنّ الدولة مالكة لموارد قيّمة غير مستغلة»، مشدداً على أن «اكتساب تلك القيمة المضافة يكمن في أن لا تبقى المؤسسات الحيوية في يد الدولة التي لا تعرف كيف تديرها وتستثمرها».
ويؤكد خوري انّ نقل إدارة تلك المؤسسات إلى القطاع الخاص سيرفع مردودها، وسيبعد عنها شبح الفساد والهدر وقلة الكفاية وكذلك التوظيف السياسي، «وهناك الكثير من المؤسسات التي يمكن أن تسري عليها هذه القاعدة، ومن بينها مرفأ بيروت على سبيل المثال».
وفي معرض تشريح التفاصيل حتى لا تبقي مقاربته نظرية، يوضح خوري ان قيمة المرفأ وما يحويه من مساحات ومنشآت تمتد على مساحة مليوني متر مربّع، تقدّر راهناً بنحو 10 مليارات من الدولارات في أحسن الحالات، «لكن إذا تم تأهيله وتحويله منطقة تجارية وسياحية متقدمة يديرها القطاع الخاص، من المؤكد انّ قيمته سترتفع نحو 5 أضعاف عما هي عليه حالياً». ويلفت الى ان المطلوب خَصخصة 49 % من المرفأ بأسلوب شفاف ومُحوكَم، الأمر الذي سيرفع حصة الدولة إلى 25 مليار دولار من الـ51 % المتبقية، «وهذا طبعاً أفضل من امتلاك 100 % من المرفأ بقيمة 10 مليارات دولار فقط».
ويتابع شارحاً الفارق بين الوضع السائد وما يمكن أن يكون عليه: إذا كانت قيمة المتر الواحد هي 5000 دولار، أي ما يعادل 10 مليارات دولار حالياً لكل مساحة المرفأ، فإنّ تطوير تلك المساحة سيرفع قيمتها إلى نحو 50 مليار دولار خلال سنوات، كما يمكن أن تترافق هذه الخطوة مع إدراج شروط واضحة ضمن عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لضمان توزيع الأرباح.
ويشير خوري الى انه يمكن عندها أن يُخصص جزء من المردود المالي لصندوق تعويض المودعين، «كما تجوز الاستفادة من الفائض لتعزيز خدمات الدولة ودفع التنمية قدماً الى الأمام، وهذا المثال ينسحب كذلك على المطار، وقطاع الاتصالات والبريد ومصلحة السكك الحديد وغيرها من المؤسسات».
ويشدد خوري على انه لا يخترع البارود بالنسبة الى ما يطرحه، «وتوجد دول عدة لجأت الى هذا النمط الاستثماري واستطاعت أن تحقق عبره نجاحات باهرة، إذ انّ دبي خلال الثمانينات، كانت غالبية مناطقها صحراء تملكها الدولة ولا قيمة لها، الا انها اتخذت قراراً جريئاً قضى بتمليك الأراضي لممثلين عن القطاع الخاص (مجاناً) بدافع تطويرها، ما جذب الاستثمارات الخارجية ورفع قيمة الاراضي نحو عشرات الأضعاف، بينما الدولة ما زالت مالكة وباتت دبي أكثر ثراءً».
- أين صندوق النقد الدولي من كل هذه الخطة؟ وهل تتطابق أصلاً مع الشروط التي يضعها على لبنان لمساعدته؟
يجيب خوري: «نعم... لأنه وفق هذه المعادلة، الجميع سيخرجون راضين ورابحين على قاعدة Win Win:
الدولة ستستطيع تعزيز إيراداتها ورفع قيمة العقارات والمؤسسات التي تملكها. المودعون سيتمكنون من استعادة أموالهم ولو على المدى الطويل، لكنهم بذلك يضمنون أنهم سيستعيدونها. وصندوق النقد الدولي سيحصل على ضمان لما سيقرضه للبنان من أموال». ويعتبر «انّ هواجس الصندوق حيال خطط مماثلة تنطلق من خوفه من أن تبيع الدولة أملاكها، وبالتالي أن تضيع ضمان القروض التي سيمنحها الى لبنان، «إلا أن اعتماد الخطة التي اقترحها سينعكس نموّاً في الإقتصاد وفي زيادة قيمة إجمالي الناتج المحلّي، كذلك ستربح الدولة مرتين: مرة من ارتفاع قيمة عقاراتها، ومرة ثانية من تحسن إيراداتها عبر عائدات الضرائب التي ستجبيها جرّاء زيادة العمالة وتنشيط الإستثمارات».
ويلفت خوري الى ان افضل رد على هواجس صندوق النقد أو الرافضين لمثل هذا الطرح، يَكمن في ما فعلته دول عدة اعتمدت سياسة إشراك القطاع الخاص في مرافق الدولة ونجحت، «خصوصاً إذا اشترطت الدولة على المستثمرين اقتطاع نسبة من الأرباح وزيادة قيمة العقارات وتحقيق عائدات».
- لكنّ المعارضين لهذا المشروع، يرتكزون في رفضهم له على تجربة لبنان الرديئة والسيئة في إشراك القطاع الخاص في بعض المرافق مثل «ليبان بوست» وقطاع اتصالات الخلوي وغيرهما، فكيف يمكن تطمين هؤلاء؟
يوضح خوري انّ إخفاق التجارب في بعض القطاعات إنما يعود إلى انها لم تكن شفافة، ويحوطها كثير من علامات الاستفهام «والأهم أنه لا يمكن اعتبارها «إشراكاً» للقطاع الخاص مع القطاع العام، لأنّ هيمنة السياسيين عليها وعلى الحصص فيها كانت نافرة، وتفتقر إلى ما يُعرف في عالم الأعمال بـ»حَوكمة الشركات» corporate governance والرقابة الدولية، اللتين تضمنان حقوق الدولة وحقوق سائر المواطنين».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|