ما هو مستقبل "فاغنر" في سوريا بعد التمرّد؟
يستحوذ مستقبل "فاغنر" ورئيسها يفغيني بريغوجين على اهتمام العالم وعواصمه بعد التمرّد في روسيا، وتُطرح أسئلة عدة عن نشاط المجموعة في مناطق انتشارها ودورها المرتقب، خصوصاً أنها فاعلة في عدد من الدول، من بينها سوريا.
للميدان السوري أهميته بالنسبة إلى "فاغنر"، لأنه كان بمثابة ساحة تدرّج وتطوير لقدرات المجموعة. فبعدما كان محصوراً بحراسة الشخصيات والمواقع الروسية، أصبح دور "فاغنر" عسكرياً ومحورياً في سوريا.
يكتنف الغموض مستقبل المجموعة، ومن غير المعلوم بعد ما إذا كانت ستستمر في أداء مهامها أو ستُحلّ قريباً. لكن ثمّة إشارات تقول إنّ موسكو لا تُريد التخلّص من المجموعة، بينما سرت أنباء عن أنّها قد تسعى لضمّها إلى وزارة الدفاع الروسية من خلال التوقيع على عقود.
استبدال "فاغنر" صعب... وحلّ المجموعة أصعب!
بعد تمرّد "فاغنر"، أشارت معلومات إلى زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين إلى دمشق، حيث التقى خلالها الرئيس السوريّ بشار الأسد ووزير الخارجية فيصل المقداد. وقد طمأن خلالها المسؤولين عن استمرار النشاط العسكري الروسي في سوريا، كما طلب في الوقت نفسه ضبط سفر عناصر "فاغنر".
كذلك، أجريت لقاءات سياسية مماثلة في دول أفريقية. بالتالي، على ما يبدو، تم تكريس وجود قوّات "فاغنر" في الخارج من الناحية المبدئية، ممّا يعني أنّ تعاونها مستمر مع القوات الروسية الرسمية، لكن من المرتقب أن تصاغ آلية قانونية لهذا التعاون.
قد يكون الدور المحوري الذي تلعبه "فاغنر" في الدول التي تنتشر فيها، مع خبرتها العسكرية وشراستها في خوض المعارك، سبباً محتملاً لعدم تخلي الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين عن المجموعة شبه العسكرية بحسب صحيفة "واشنطن بوست". والسبب المحتمل الآخر هو شكل العلاقة غير الرسميّة مع "فاغنر" الذي كان يعفي الكرملين من بعض المسؤوليّة عن ممارسات عناصرها.
في هذا السياق، ووفق الصحيفة نفسها، تسيطر "فاغنر" على مناطق حسّاسة وغنية بالموارد في سوريا، كحقول النفط في الشاعر وجحار والمهر وجزل وغيرها، بالتالي، إنّ أي انسحاب منها قد يكون له نتائج عكسية على روسيا والنظام السوري. ومن الجدير ذكره أنّ من نتائج انسحاب "فاغنر" من باخموت تراجع الجيش الروسي وتقدّم الأوكرانيين.
بوتين يسعى للسيطرة على "فاغنر"
سيفرض الاستغناء المحتمل عن خدمات "فاغنر" تحدّيات كثيرة على روسيا، لاسيما أنّ المجموعة تتمتّع بشبكات مالية واسعة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وفق موقع "ميدل إيست آيز". وقد أنشأت "فاغنر" شبكة عنكبوتية من العلاقات العسكرية والتجارية والسياسية، ولهذا السبب، لن يكون استبدالها سهلاً بالنسبة إلى الكرملين، وكذلك تصفيتها في حال تقرر ذلك.
وذكر موقع "نيوزويك" أنّ الشرطة العسكرية الروسية اعتقلت عدداً من عناصر "فاغنر" في سوريا بعد التمرّد، وتم احتجازهم في قاعدة حميميم الجوية التابعة لموسكو، لكنّ قيادة "فاغنر" نفت هذه المعلومات.
كانت الاعتقالات التي حصلت في سوريا جزءاً من مسعى بوتين إلى تأكيد سيطرته على الوضع عبر إحكام قبضته على "فاغنر" ونشاطها. وبحسب موقع "المونيتور"، أبلغت موسكو سوريا ودولاً أخرى أنّ الكرملين يسيطر على "فاغنر" وأنّه لن يتمّ التصعيد في مواقع المجموعة شبه العسكريّة، لكن من غير المعلوم كيف ستتمّ إعادة تنظيم هذه المجموعة.
عبد الرحمن: خياران أمام عناصر فاغنر
تحدّث مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" رامي عبد الرحمن عن مصير عناصر "فاغنر" في سوريا، قائلاً لـ"النهار" أنّ "العناصر الروس أمام خيارين، إما الانضمام إلى القوات الروسية الرسمية في سوريا، أو تسريحهم، والحال نفسه بالنسبة للعناصر السوريين، فإما التوجّه نحو جيش النظام السوري، أو التسريح من الخدمة".
ويشير عبد الرحمن إلى أنّ "الجيش الروسي يدفع رواتب مرتفعة قد تُغري عناصر "فاغنر" الروس للانضمام إليه، لكن في المقابل، إن رواتب الجيش السوري النظامي زهيدة القيمة، ولا تُشجّع عناصر ‘فاغنر‘ السوريين للانخراط في الجيش".
ويسلّط عبد الرحمن الضوء على أعداد عناصر "فاغنر" في سوريا، فيقول إنّ "العدد الإجمالي يبلغ 5 آلاف عنصر تقريباً، 3000 منهم سوريون، فيما الـ2000 المتبقّون يحملون جنسيات دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، من بينها روسيا".
أما عن مصير المجموعة الروسية شبه العسكرية وأدوارها المستقبلية، فيلفت عبد الرحمن النظر إلى الغموض الذي يلف هذا الموضوع، لكنّه يؤكد أن لا تغيّرات حصلت على أرض الواقع حتى الساعة، بانتظار ما سيحصل في الأيام المقبلة، مضيفاً أن "فاغنر" تلعب أدواراً أساسية في سوريا، وهي تشكّل القوات الروسية الخاصة في ميدان المعارك.
إلى ذلك، اتّجهت الأنظار إلى ردّة الفعل الإيرانية على ما حصل، واحتمال سعي القوات الإيرانية إلى الحلول مكان "فاغنر" لتوسيع نفوذها. في هذا السياق، يُشير عبد الرحمن إلى أنّ مناطق الاحتكاك بين الجماعات الإيرانية المسلّحة و"فاغنر" قليلة، وهي البادية السورية، حيث حقول النفط والفوسفات، وحيث استلمت القيادة الروسية زمام الأمور، وهنا لا تضارب في المصالح أساساً بين الطرفين.
قهوجي: بوتين يحتاج إلى فاغنر في سوريا
الخبير العسكري والباحث في الشؤون الاستراتيجية رياض قهوجي لا يرى تبدلات على أرض الواقع في سوريا، طالما أن بوتين والقيادة العسكرية الروسية ممسكان بزمام الأمور. وإذ يستبعد حل المجموعة بالنظر إلى أدوارها القتالية التي تحتاج إليها موسكو في سوريا إلى جانب سيطرتها على حقول نفطية، يُشير أيضاً إلى أن التغييرات قد تطال بعض المواقع القيادية في حال الشك بالولاء لبوتين.
وفي حديث إلى "النهار"، يستبعد قهوجي أيضاً مأسسة "فاغنر" وضمها إلى القيادة العسكرية الروسية وتوقيع عقود مع عناصرها الذين ينتشرون في الخارج، ويلفت إلى أنه يُتوقع اقتصار هذا الإجراء على العناصر الموجودين في روسيا وميدان أوكرانيا فقط، على أن تبقى المؤسسة شبه العسكرية مستقلة خارجياً، وهي أساساً أُنشئت لتكون كذلك، وتقوم بعمليات قد لا يرغب بوتين في تحمّل تبعاتها مباشرةً.
أما عن المزاحمة الإيرانية لروسيا واحتمال استغلال التضعضع الحاصل بين القوى العسكرية الروسية، يُشير قهوجي إلى أن "لا انسحاب روسياً سُجّل من سوريا، ولا تبديل في المهام، كما أنّ الدور الإيراني في سوريا كبير، وبالتالي من المستبعد أن يشتبك الطرفان أو يُحاول أحدهما الحلول في موقع الآخر".
لا معطيات فعلية حول مستقبل "فاغنر"، لأنّ الكرملين نفسه ربما لمّا يحسم موقفه من القضية بعد. لكنّ بوتين يعلم حجم الدور الذي تلعبه هذه المجموعة، وبالتالي، إنّ الابقاء على نشاطها قد يكسبه منافع أكثر من تلك التي قد يحصل عليها لو قرّر حلّها، وهذا ما ترسمه الإشارات الصادرة عن موسكو، بانتظار أن توضح الأيّام المقبلة الصورة أكثر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|