سجال كمال جنبلاط ورينيه معوَّض... يُعيد نفسه!
من غير الضروري «تكسير الرأس» لاستكشاف ما يمكن أن يحدث مستقبلاً، يكفي أن نعيد قراءة التاريخ لنكتشف أنه يعيد نفسه وأن كثيرين لا يتعلمون منه. ما حدث في الكحالة الأسبوع الفائت، والسجال الذي اندلع حوله، حدثَ شبيه له منذ ثلاثة وخمسين عاماَ، ووثقته جلسة لمجلس النواب في السابع من نيسان عام 1970، بعد أيام من الاشتباك بين الأهالي والكفاح المسلَّح الفلسطيني.
كان على لائحة طالبي الكلام النائب بشير العثمان الذي غمز من قناة وزير الداخلية آنذاك، كمال جنبلاط، من زاوية أنه بالنسبة إلى الأخير أنّ كل شيء مركَّب ومخطط له. يقول النائب العثمان:»معالي الوزير كمال بك جنبلاط الذي نحترم ونحب، يطلق التهم في الصحف ويشير الى فيلم Z في كثير من المواضع، حتى أصبح المواطنون في يأس مرير».
يضيف: «كثرت الاتهامات وكثرت الاشاعات وكثر التشويش حتى أصبح المواطنون الذين يثقون بجيشنا الباسل ولم يعودوا يثقون بأحد الا بهذه المؤسسة التي يعتمد عليها الوطن والمواطنون، أصبحوا في شك من الأمر وأصبحوا يلجأون، كل واحد منهم، إلى أن يشحذ السلاح ويهيئ نفسه ليدافع عن نفسه. أيها السادة، لا تجوز هذه الاتهامات إن لم يضع صاحبها النقاط على الحروف وان يعطي الدليل الكافي الذي نقتنع به جميعاً، اذ أنّ اللعب بالنار في هذه الظروف لا تحرق الّا صاحبها. يا معالي الوزير الذي نحب ونحترم، قرأت لك تصريحاً في جريدة «المحرر»، عدد 31 آذار، تقول: «إن التحقيق يتناول وزراء بالتخطيط لمجزرة الكحالة»، فمن هم هؤلاء الوزراء؟».
يرد كمال جنبلاط، وزير الداخلية، على النائب العثمان، فيروي ما حدث، ويقول: «بينما كان الوفد المشيع لجثة الشهيد يصل إلى تلك المحلة، فإذا ببعض المسلحين الفلسطينيين يترجل من السيارات، وكان لذلك أثر في قدح شرر الجريمة التي وقعت والتي وقع ضحيتها ثلاثة قتلى من الفلسطينيين، ما عدا الجرحى. وأبى هؤلاء أن يردوا النار على الجمهور الآمن البريء المحتشد أمام مدخل الكنيسة».
يضيف: «أكانت هناك أيد مقصورة لتولع الشعلة في الفتيل؟ نحن ليس لدينا معلومات في الوقت الحاضر، تؤكد أو تنفي ذلك. ولكن لنا رأي آخر في الحادث الثاني. (بعد عودة المسلحين من التشييع)، ونظن أنّه كان مفتعلاً. فقد استُخدمت لأجل ذلك رهوط من المسلحين، من بيروت ومن القرى المجاورة، واختبأوا في بعض البيوت وعلى بعض السطوح وفي الكنيسة وأبراجها، وبعدما أرسلت القوى الضرورية إلى الكحالة للمحافظة على الأمن، فوجئنا بالرصاص يلعلع من جديد بعدما أطلق احدهم رصاصة في أسفل البلدة كأنها اشارة مجزرة. لا يمكنني كمسؤول أن أجرد الحادث الثاني في الكحالة من أي افتعال، والا لماذا هذه الحشود من المسلحين التي استدعيت الى الكحالة واختبأت في البيوت وفي أبراج الكنيسة وعلى سطحها؟ هؤلاء المسلحون الذين نشاهدهم في الصور التي استحصلنا عليها والتي من خلالها وبواسطة شهود عيان تم لنا التوصل الى معرفة الأشخاص».
بدنا الصور
هنا يتدخل النائب رينيه معوض ويقول: «بدنا نسخة عن هذه الصور». فيجيبه جنبلاط: «بترجاك ما تقاطعني، أنا ما قاطعتك». ويتابع جنبلاط: «هذه الصور تظهر لنا أنّ فريقاً من الكتائب اشترك في هذه المعركة مع أشخاص آخرين ينتمون لحزبيات متنوعة ولقرى واحياء متعددة. ثم، ينبغي القول بوضوح إنّ احدى الصحف طلعت علينا، في اليوم الثاني بأقوال مثيرة، منها، أنّه لو لم يكن حصل ما حصل لكان توجب أن يحصل ذلك منذ زمن بعيد».(صحيفة «العمل» على الأرجح).
ويتابع جنبلاط: «أمّا أدلة الظن التي تتوجه إلى بعض عناصر المكتب الثاني، فإنها تنجم عن ملاحقة الشهود وتهديدهم إنْ هم اقروا بالحقيقة، بالقتل، وعن اهتمامهم البالغ بكل ما يقال في الصحف وفي التلفون عن الحادث، ومحاولتهم اليائسة لرد التهمة عنهم قبل أن يتهمهم احد. انظروا بلاغ وزارة الدفاع الاول، ثم البلاغات المتتالية. والبريء ليس بحاجة الى بلاغات تكذيب».
ويعترف جنبلاط بالمسؤولية كوزارة داخلية، فيقول: «كل ذلك لا يخفف أبداً من مسؤوليتنا السياسية والفعلية. ونحن نعترف للسيد رينه معوض بذلك. نعترف بكل تواضع وفعلاً فكرنا جديا بالاستقالة مساء ذلك النهار المشؤوم الذي ديست فيه كرامة الدولة ومسّ فيه شرفنا الشخصي، من عدم تمكننا من تنفيذ العهد المقطوع. ولكننا آثرنا في ما بعد، الاستمرار مؤقتا في الحكم لمحاولة جلاء غوامض الحوادث التي تدفقت ووقعت. نحن لا ندافع عن إخواننا الفلسطينيين في أي حال الا اذا كانوا على حق. ونحن نعترف أنّ لهم بعض الفوضوية، ولكننا نعترف أيضاً، وهو الرأي العام الذي اثبتته الوقائع أنّه ما من مرة استخدمت فيها السلطة اللبنانية مع الفلسطينيين العنف الا وخرجت فاشلة. نظراً لأوضاع عربية ووطنية، داخلية وخارجية معينة، وحصل إخواننا الفلسطينيون على مكاسب جديدة لم يكونوا يتوقعونها او يحلمون بها».
أضاف: «ولا نخفي أننا أوصينا، مراراً وتكراراً، إخواننا الفلسطينيين بضرورة عدم تشييع الجنازات على هذه الشاكلة. وكم من مرة أيضاً أنّبناهم على بعض ما يخرجونه من الأسلحة في هذه المناسبات. على أنه يجب القول إنّ شرط الانضباط في الكفاح المسلح، أصبحت الدولة، وفق اتفاقية القاهرة، تعتبره هيئات تختص بالفلسطينيين ولها وضع خاص».
بعد انتهاء كمال جنبلاط من إلقاء «دفاعه»، طلب النائب رينيه معوض الكلام، ورد عليه قائلًا: «قضية الكحالة بالذات، تترك الشكوك. أنت تعلم يا معالي الوزير، وأنت المسؤول عن الأمن وطالما تعلم ما يجري في دار جريدةِ من أحاديث، فكيف لا تعلم ماذا يجري في البلد وأنت المسؤول؟ أنت تعلم أنّ الشهيد الذي قتل في شارع صبرا الملازم سعيد غواش، أعطيت أوامر لمطار بيروت أنّ جثة الشهيد سترسل بواسطة الطائرة إلى عمان مسقط رأسه، وأعطيت التعليمات للأمن العام، وهذا مديرك ولقوى الأمن الداخلي وهذا قائد قوى الأمن، أعطيت التعليمات لتسهيل مرور موكب الفدائيين بدون أي اعتراض رغم وجود السلاح ومن دون أي تفتيش».
وقال أيضاً: «وفعلا ذهب الموكب إلى مطار بيروت الدولي، ولكن لسوء الحظ أو لسوء القدر، طائرة عمان كانت اقلعت. ولم يكن هناك طائرة ثانية. ومن هنا تعلم يا معالي الوزير أنّ الموكب توجه من مطار بيروت إلى الكحالة حيث وقع الحادث المؤسف، فكيف بالامكان، وكيف لاهالي الكحالة أن يعرفوا أنّه تغيّر سير الموكب من المطار بينما كان ذاهباً بالطائرة ثم غير طريقه وانطلق. من أين لنا أن نعرف هذا التحول؟ فلماذا لا نقر بهذه الواقعة؟ ولماذا نكتمها عن الرأي العام، لماذا؟».
لم يتخذ أي ترتيب
أضاف: «وبرجوعهم وفي الكحالة حصل الحادث. لا يمكن لأهالي الكحالة وكان عندهم قداس بمناسبة عيد البشارة وهم يملأون الساحة ولا يمكنهم العلم ما دام أنّه لم يتخذ أي ترتيب او أي علم بهذا الموكب. فليقل لنا الوزير أي ترتيب اتخذ لتأمين سلامة هذا الموكب عند مروره في الكحالة الذي لم يكن مقرراً مروره في الأصل. ثم الحادثة الثانية في رجوع الموكب. أعطي علم لمعالي وزير الداخلية أنّ هناك في الكحالة توتراً وأنّ هناك مسلحين وفي وسط الساحة وليسوا مختبئين، ويخشى من اصطدام مسلح بين الموكب وبين أهالي الكحالة».
وقال: «فقيل لك يا معالي الوزير من معاونيك المسؤولين عن الأمن والذين يساعدونك في هذه المهمة، قيل لك الأفضل أن تغيّر الطريق، بدل طريق بحمدون الكحالة أن يمروا عن طريق بسوس. معلوماتي أيضاً أنّ فريقاً كبيراً من الفدائيين قبلوا بفكرة تغيير الطريق فرفضت أنت شخصياً أن يغير الموكب طريقه، وقلت بالحرف: لا اقبل أن يغير هذا الطريق لأن ّهناك ضحايا وشوكتهم مكسورة فيجب أن يعودوا من حيث اتوا. واسمح لي، أنا أفهم هذا الموقف من قبلك ولكن عندما تصر على ذلك فمن واجبك أن تؤمن سلامة السير، وواجبك أن تؤمن سلامة الموكب عند رجوعه. وعندما تصر بالرجوع من هذا الطريق، يجب أن يكون عندك الاطمئنان ماية بالماية أنّه لن يحصل أي حادث».
وجاء أيضاً على لسان النائب رينيه معوض: «ماذا عملت القوى التابعة لك حتى منعت الناس في الكحالة من البقاء على السطوح او مختبئة كما قلت انت وأنا لا علم لي أين كانت؟ قلت بقي المسلحون على السطوح وبقي المسلحون في الكنيسة، وبقي المسلحون في البيوت… ماذا عملت لاخلاء الساحة لتأمين سلامة الموكب طالما عرفت ان هذا الشيء سيحصل؟ وكل ما أريد قوله أننا أسفنا لحادث الكحالة أكثر منك، ولكن لو اتخذت التدابير الوقائية اللازمة وعليك أنت كوزير للداخلية أن تتخذها، لو اتخذت هذه التدابير لما وقعت حوادث الكحالة لا في الذهاب ولا في الإياب».
ثم يُتابَع النقاش بين رينيه معوض وكمال جنبلاط الذي يربط ما حصل باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي حصلت بعد أربعة أشهر ونصف شهر على أحداث الكحالة وعلى تلك الجلسة النيابية، فرد معوض على جنبلاط بالقول: «أصلح لك من هنا: لا تهمنا معركة السبعين، الذي يهمنا هو أن يبقى لبنان قبل السبعين وبعد السبعين، يبقى كما هو ولا مجال فيه لأي ارتباطات مشبوهة ولأي اخطار لا يتقبلها هذا البلد».
ينتهي السِجال... ما أشبه 2023 بـ1970. تتبدَّل بعض الأسماء والأحزاب والتنظيمات، لكن الوقائع متشابهة.
(*) النقاش من محاضر جلسات مجلس النواب 1970
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|