الصحافة

"المزاج" المسيحي فيدرالي: مشروع جامعة الكسليك حول اللامركزية الموسّعة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتفق اللبنانيون اليوم على فكرة واحدة فقط: انهم يعيشون إحدى أقسى الأزمات التي مرّت عليهم.

عدا الإقرار بالأزمة، يختلف اللبنانيون على كل شيء، بما فيه توصيف الأزمة نفسها. فهي لبعضهم، أزمة نظام، يفترض لتجاوزها تغيير النظام نفسه. وهي لآخرين أزمة سياسية وغياب المشروع الوطني الجامع، في ظلّ ثقل حضور السلاح غير الشرعي، وعشرات من عناوين الأزمات السياسية. وهي، لفئة، أزمة نموذج "اللويا جيرغا" الذي أفرز فساداً وتُرجم فشلاً في السياسات المالية والنقدية، فانفجرت انهياراً اجتماعياً وتحللاً للمؤسسات.

الاختلاف في تشخيص الازمة ينطلق من رؤية كل جماعة وحزب وطائفة للبنان ودوره، ودورهم فيه.

المزاج المسيحي: فيدرالي النزعة

لم يعد خافياً، ولا مخيفاً، طرح عدد من المجموعات، ذات الأغلبية المسيحية، الخيار الفيدرالي كحل أمام استعصاء الأزمة اللبنانية المتعددة الوجوه.

"المزاج" المسيحي اليوم فيدرالي النزعة. قد لا يعرف معظم المسيحيين ماهية الفيدرالية وتقسيماتها وآليات تطبيقها، ولا حسناتها وسلبياتها، لكّن انشدادهم إليها يزداد يوماً بعد يوم. الأسباب كثيرة، ليس هنا مجال تعدادها وتحليلها؛ الأكيد أن في انحيازهم للفيدرالية تعبير عن يأس المأزوم وهو يلمس يومياً العجز عن بث الروح في التجربة اللبنانية، التي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

لكن "المزاج" المسيحي الفيدرالي لا يجد اليوم رافعة سياسية أو حزبية له، أقله ليس في العلن. فلا الاحزاب المؤثرة تتبناه ولا الكنيسة. لا يفوتهم عمق الرغبة لدى المسيحيين بالـ"استقلالية"، كي لا يقال الانفصال. لذا ذهبت تلك الأحزاب إلى ما تفترض أنه قد يكون مقبولاً، أو يمكن الدفاع عنه، لدى سائر اللبنانيين، بطرح اللامركزية الإدارية والمالية الموّسعة وتبنّيها. 

كانت الكتائب اللبنانية والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية قد أيدت قانون اللامركزية الذي أنجزه الوزير السابق زياد بارود عام 2014، وتضمن نقل صلاحيات واسعة من السلطة المركزية إلى مجالس الأقضية. وهو ما يستتبع حكماً تأمين الموارد المالية اللازمة لممارسة هذه الصلاحيات، كما أكد مراراً بارود، على اعتبار أنه لا جدوى من صلاحيات لا يمكن ممارستها.

اليوم تسعى هذه الأحزاب إلى تطوير هذا القانون، ووضع أطر واضحة ومحددة للامركزية المالية الموسعة تحديداً.

الكتائب، التي تبنت مشروع بارود تعتبر اللامركزية الإدارية والمالية الموسعّة مطلبا حيوياً لمستقبل البلد.

التيار الوطني الحر حضّر مشروعه بالتنسيق مع الوزير بارود، فأدخل بعض التعديلات على مشروعه الأخير لتطوير هامش الاستقلالية للبلديات.

القوات بدورها تحتضن فكرة اللامركزية الموسّعة. وقبل نحو ثلاث سنوات اعتبر رئيس الحزب سمير جعجع أنه "إذا أرادت الأطراف السياسية في لبنان ‎مؤتمراً‎ تأسيسياً‎ جديداً، فعليهم أن يعلموا‎ ‎أن‎ ‎محوره‎ ‎الأساسي‎ ‎سيكون‎ ‎اللامركزية‎ ‎الموسّعة".

مشروع جامعة الكسليك
وسط مواقف الأحزاب، المعلن منها والمضّمر، يبرز سعي لافت للانتباه لدى الرهبانية اللبنانية المارونية (الكسليك) لطرح مشروع للامركزية الإدارية والمالية الموسّعة. طرح تسعى إلى جمع المسيحيين حوله، أحزاباً وبلديات وقوى محلية. هو طرح يحاول الجمع بين "المزاج" المسيحي الراغب باستقلالية ما، وبين الرغبة الفاتيكانية بالحرص على تجربة لبنان ووحدته وعيشه المشترك، ومحاولة من الرهبانية لإطلاق مشروع يعيد ربط المسيحيين بأرضهم وبيئتهم.

لا يلغي ذلك أن في بعض الأوساط الرهبانية "تعاطفاً" مع الطرح الفيدرالي، لكن ذلك لا يمنع ذاك.

وقد حصلت "المدن" على النص أو الملخص summary الذي أعدته جامعة الروح القدس–الكسليك حول اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة. وفيه تتمسك دراسة الكسليك بالمبادئ السياسية لاتفاق الطائف ومنه تنطلق لتقول "تحت عنوان "الإصلاحات الأخرى" وضعت وثيقة الوفاق الوطني الخطوط العريضة للامركزية الإدارية ومن أهم القواعد التي تضمنتها هي:

- اعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة على مستوى القضاء وما دون.
- والحفاظ على وحدة الدولة وتمتعها بسلطة مركزية قوية، بعد أن تراجعت سلطة الدولة خلال الحرب، وذلك من خلال توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل إدارات الدولة في المناطق.
- انطلاقاً من التمسك بهذه الثوابت السياسية، وبعد الانهيار المالي والاقتصادي وأسبابه المباشرة وغير المباشرة، ومنها الفساد وغياب الاستراتيجيات الاقتصادية والإنمائية، أصبح إقرار اللامركزية حاجة لدى مختلف المكونات المجتمعية اللبنانية. فالشعب أصبح مدركاً بأن الحصول على الخدمات (من كهرباء، وماء ومعالجة نفايات، والرقابة الصحية والتربوية..) يصبح أكثر فعالية، أقل كلفةً وأقل فساداً على المستوى المحلي. وذلك لأن الشعب يستطيع من خلال الانتخاب المباشر أن يحاسب ممثليه.

في بلد تركيبته المجتمعية التعددية مثل لبنان، تعتبر اللامركزية أحد المداميك الرئيسية التي تحافظ على خصوصية المكونات المجتمعية من دون أن تعزلها عن بعضها. وهذا كان المنطلق الأساسي التي ارتكزت عليها جامعة الروح القدس-الكسليك في مقاربتها لقانون اللامركزية، إذ إن اتفاق الطائف أكّد على وحدة لبنان بشعبه وأرضه ومؤسساته. كما شدد أيضاً على المشاركة المحلية والإنماء المتوازن من خلال اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة. هذا الإنماء الذي تستفيد منه كافة المناطق والذي يصبح عامل تقارب بين المجموعات بدل أن يكون عامل تفرقة.

إن جامعة الروح القدس الكسليك تدرك جيداً بأنها ليست السباقة في اقتراح قانون للامركزية في لبنان، وأنه منذ التسعينات تم تقديم عدة قوانين منها من اقتبس تعبير "اللامركزية" فيما أبقى على اللاحصرية، ومنها من قدّم اقتراحات جدية وأكثر من جيدة. لكنها للأسف لم تستطع أن تكسر الحجر السياسي عليها، وما زالت تقبع في دهاليز اللجان البرلمانية. 

لذا، ارتأت الجامعة أنه لا بد من تقديم طرح أكاديمي ينطلق من التجارب الأخرى، علّه يستطيع أن يخرق جدار الإنسداد السياسي، في لحظة تاريخية يتعرض فيها الكيان اللبناني لأكبر تهديد وجودي منذ نشأته. فبالإضافة إلى القوانين الإصلاحية التي يضغط المجتمع الدولي لإقرارها (قانون الشراء العام، الإثراء غير المشروع، استقلالية القضاء..) فإن إقرار قانون اللامركزية مطلب إصلاحي وحاجة إنمائية، من أجل تأمين استمرارية المرافق العامة وتأمين احتياجات الناس بعد انهيار غالبية المؤسسات وغياب الخدمات.

ثانياً: المسار العلمي
صحيح ان اقتراح اللامركزية المقدم من قبل الجامعة هو طرح أكاديمي عمل عليه خيرة من الاختصاصيين الأكاديميين، إلاّ أن الاقتراح ارتكز ايضاً على التجارب العملية. وقد اعتمد في صياغته على المنهجية التالية:

- تكوين داتا ديموغرافية، ضرائبية واقتصادية تم الاعتماد عليها من أجل التحقق من مدى إمكانية تأمين استمرارية وديمومة الوحدات اللامركزية.

- استشارة عدد كبير من رؤساء البلديات في عدة مناطق لبنانية عبر تقنية in depth interviews، من اجل معرفة الثغرات والحسنات في تطبيق قانون البلديات الحالي وبالتالي استخلاص العبر.

- استشارة عدد كبير من القضاة في مجلس شورى الدولة، ديوان المحاسبة والمحافظين والقائمقامين الذين لديهم احتكاك مباشر ومعالجة يومية للشأن البلدي.

- الاسئتناس بالتجارب العالمية ولدول مشابهة في تركيبتها المجتمعية وحجمها الاقتصادي للبنان، لذا تم التعاون مع خبراء دوليين من الهند، بلجيكا، اسبانيا وفرنسا. حيث أنهم حضروا إلى الجامعة وساهموا في تقديم دراسات مقارنة في الشقين الإداري والمالي للامركزية.

رابعاً: الهيكل اللامركزي المقترح
وضعت وثيقة الوفاق الوطني سقفًا للحجم الجغرافي للوحدات اللامركزية الجديدة المطلوب إنشاؤها وهو القضاء وما دون القضاء. أي أنها حددت السقف والحد الأقصى لحجم الوحدات الجديدة وليس الحد الأدنى. وبما أن البلديات تشكل المستوى الاول من اللامركزية في لبنان، فقد كان الخيار الأفضل اعتماد فكرة اتحاد البلديات ليكون هو المستوى الثاني المستحدث من الوحدات اللامركزية، على أن يُصار إلى تعزيزها وتعميمها بحيث تشمل هذه القاعدة جميع الأراضي اللبنانية وجميع البلديات، من جهة أولى، وتعميم وجود البلديات كوحدات أساسية أولى في التنظيم اللامركزي لتُبنى على أساسها قاعدة تعميم اتحادات البلديات من جهة ثانية.

يضاف إلى ذلك القاعدة الهامة التي لحظتها الوثيقة وهي تعزيز الموارد للبلديات واتحادات البلديات والتي يفترض أن تتأتى من مصدرين مركزي ومحلي:
1- المصدر الأول المركزي يعني وجوب زيادة التحويلات أو الحصص المقررة للبلديات والاتحادات من الضرائب والرسوم التي تجبيها الدولة وتحريرها من القيود التي تتحكم بتوزيعها عن طريق إيجاد صندوق مستقل في إدارته،
2- أما المصدر الثاني اللامركزي للموارد يعني تزويد البلديات والاتحادات بالصلاحيات التي تمكنها من القيام بنشاطات ومشاريع محلية منفردة أو مشتركة تسمح لها بتأمين موارد محلية خاصة بها.

وهكذا يصبح الهيكل اللامركزي قائمًا على القواعد الثلاث التالية:
1- اعتماد التنظيم الإداري اللامركزي على درجتين: البلديات والاتحادات.
2- تعميم التنظيم اللامركزي بدرجتيه لكي يغطي جميع الأراضي اللبنانية.
3- تعزيز الموارد المالية للهيئات اللامركزية التي يفترض أن تكون ذات مصدرين رئيسيين مركزي ومحلي.

خامساً: المبادئ العامة للنظام اللامركزي المقترح
إن المبادئ التي يجب أن تحكم النظام الإداري اللامركزي لكي يكون فاعلاً ومنتجاً ويؤدي الغاية المطلوبة منه، وهي تحقيق الإنماء الحقيقي في المناطق كافة، هي كما يلي:

تشكل البلديات واتحادات البلديات الاطار المؤسساتي لمشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية العامة بما يضمن التعبير عن تنوّعها.
تتولى البلديات واتحادات البلديات إدارة شؤونها بصورة مستقلة من قبل مجالسها ورؤسائها المنتخبين.
تتخذ البلديات واتحادات البلديات  القرارات في الشؤون الداخلة في اختصاصها وتتولى الى جانب الدولة المهام التي يجب أن تضطلع بها ولا سيما إدارة وترتيب الاراضي، التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والعلمية وكذلك حماية البيئة وتحسين الظروف الحياتية.
توّزع الصلاحيات بين الدولة والهيئات اللامركزية بما يضمن تحقيق الاهداف المذكورة، على الاّ يترتب على هذا التوزيع أي شكل من اشكال الوصاية من قبل إحداها على الاخرى.
توزع المهام والصلاحيات بين كل من الدولة والبلديات واتحادات البلديات بشكل واضح يسمح بتحديد تلك العائدة للدولة أو البلدية او للاتحاد، ويترتب على هذا التوزيع أن يُصار إلى إعطاء الموارد المالية المخصّصة لكل من تلك الصلاحيات إلى الجهة التي أعطيت اليها تلك الصلاحيات.
تُطبّق قاعدة شمول إنشاء بلديات والاتحادات جميع الأراضي اللبنانية.
لدى إنشاء البلديات والاتحادات وتحديد نطاقاتها، تُحترم المبادئ الدستورية ولا سيما مبدأ المساواة في المعايير المعتمدة للأنشاء والتنظيم، وتُحترم القواعد المنصوص عنها في الفقرة (ط) من مقدمة الدستور: "أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين... فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين."، والفقرة (ي): " لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك."
يكون تزويد الهيئات اللامركزية بصلاحيات ومهام جديدة، متناسبًا مع القدرة على تحقيقها والقيام بالمهام التي ستصبح على عاتقها. كما تؤخذ بالاعتبار المعايير والعوامل المحلية التي تعطيها القدرة على العمل والنجاح.
يترافق بناء الهيكل اللامركزي الجديد مع تأمين سبل التأهيل والتدريب للمنتخبين بشكل يؤهلهم لممارسة صلاحياتهم.
التعاون بين الوحدات اللامركزية ولا سيما الاتحادات لإقامة المشاريع المشتركة في ما بينها بما يسمح بتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة على الصعيد المحلي، ويتوافق مع مبدأ وحدة أراضي الدولة".
دراسة جامعة الكسليك وطرحها إحدى المحاولات، ربما الأخيرة للمواءمة بين "المزاج" الشعبي المسيحي وفكرة لبنان وتجربة الدولة المركزية فيه.

دنيز عطالله - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا