الصحافة

ترامب… من صنع السلام الى صنع الأعداء!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

“لنجعل أميركا عظيمة مجدداً”.

هو الشعار الذي رفعه المرشح الجمهوري دونالد ترامب قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة ويدخل البيت الأبيض في رفقة نائبه جي دي فانس.

هذا الشعار الذي استساغه الناخبون الأميركيون ومنحوا صاحبه ثقة قلَّ نظيرها، سرعان ما تحوّل الى منحى يجعل ترامب “تاجراً جامحاً” لا يتوقف عند حدود، ويجعل أميركا “عدواً توسعياً” لا يرحم ولا يكتفي.

وليس في هذا الانطباع، أي شيء من المبالغة بعد الاهانات التي وجهها ترامب وفانس الى ضيفهما الأوكراني في بث تلفزيوني مباشر بدا فيه فولوديمير زيلينسكي “فريسة” يتوجب نهشها في مكان، و”معدماً” جاء في مكان آخر الى البيت الأبيض من دون بزة رسمية وربطة عنق ومن دون أي نية لشكر أسياده في واشنطن، ويتوجب بالتالي تأديبه، حسب مصدر رسمي في كييف.

ما جرى في البيت الأبيض، وعلى الرغم من كل التبريرات التي أطلقها ترامب وفريق عمله، وضع الرئيس الأميركي في مكان وأوروبا في مكان آخر، ووضع أميركا في عزلة غير معلنة، ونقلها من موقع الحارس الأوحد للعالم الحر الى موقع “المرتزق” الذي يرفض تلبية أي خدمات أمنية من دون أجر أو مكاسب أو مكرمات.

وذهبت مصادر قريبة من الاتحاد الأوروبي بعيداً في صدمتها الى حد اتهام ترامب بتعاطي التجارة في مرحلة حساسة يتوقف عليها ليس مصير أوكرانيا وحسب، بل مصير العالم الغربي عن آخره، مؤكدة أن الرئيس الأميركي جمع من الأعداء في غضون شهرين ما جمعه كل أسلافه منذ اكتشاف القارة الأميركية.

وأضافت ان ما فعله ترامب في البيت الأبيض، وما كاد يفعله مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في المكان نفسه، وربما مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يؤكد أن العالم يتعامل مع رئيس لا يقيم وزناً لأي كرامات أو خصوصيات أو محرمات، معتبراً أن قوته العسكرية والمالية تمنحه في ما يبدو الحق في ادارة العالم كيفما يشاء وساعة يشاء، وأن قوته الذاتية تجعله أقرب الى “ممثلي الله” على الأرض منه الى ممثلي الشعب.

وما فعله ترامب، وفق قراءة غير معلنة في موسكو، ربما أسعد الرئيس فلاديمير بوتين للحظات، لكنه أثار لديه قلقاً لم يكن قائماً من قبل، وهو القلق من انتفاضة أوروبية تعيد تشكيل الجيوش وتسليحها وتوحيدها في مواجهة الترسانة الروسية، وربما ضم أوكرانيا الى حلف الأطلسي ونشر قوات على حدودها المشتركة مع روسيا، وهو ما بدأت ملامحه في ألمانيا التي رفعت إنفاقها الحربي من مئة مليار يورو الى أربعمئة مليار يورو وكذلك في بريطانيا والدنمارك التي تميل الى الدفاع عسكرياً عن جزيرة غرينلاند التي يطالب بها الرئيس الأميركي.

القلق الروسي قابله أيضاً قلق غير معلن في واشنطن التي تجهد للملمة ما حدث في البيت الأبيض وتصويره على أنه كان دفاعاً عن كرامة الرئاسة وأموال الأميركيين، أي قلق من الحملة العالمية التي طاولت ترامب ونائبه وجعلت من زيلينسكي بطلاً يتولى وحيداً مهمة التصدي لروسيا ومنعها من التوسع نحو دول أوروبية أخرى ولا سيما دول البلطيق.

وكشف مصدر قريب من البيت الأبيض أن ما أثار غضب الرئيس الأميركي تحديداً قول زيلينسكي إن بوتين احتل جزيرة القرم عندما كان ترامب رئيساً في العام ٢٠١٤، مدحضاً بذلك ما كان يفاخر به دائماً، أي القول “ان ما حدث هنا وهناك ما كان ليحدث لو كنت رئيساً”.

وأضاف ان اثارة موضوع اللباس الرسمي كان يهدف الى اذلال زيلينسكي وليس الحفاظ على البروتوكول وشروطه، متسائلاً: هل كانا ليفعلا ذلك لو زارهما أمير سعودي مرتدياً زيه الوطني أو مسؤولاً هندياً زارهما بزي لا يتضمن ربطة عنق؟ وأشار الى أن غرور فانس وتركيزه على اللباس، جعله يتناسى أن ضيفه جاء اليه من جبهات القتال وليس من معارض الأزياء.

وأكثر من ذلك، يتردد في دوائر كييف أن ترامب يحاول أن يتعامل مع أوكرانيا كما يتعامل مع غزة، أي اعتبارهما أرضاً سائبة قابلة للبيع والمقايضة، الأولى ارضاء للرئيس الروسي، والثانية ارضاء لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشيرة الى أن الرئيس الأميركي تناسى أن أوروبا ذهبت معه الى الحرب بعد “الحادي عشر من أيلول” وذهبت معه الى حرب العقوبات عندما قرر محاصرة ايران وأذرعها في العالم، وكذلك فعلت مع معظم العرب في الحرب على “داعش” وقبلها في الحرب ضد السوفيات في أفغانستان وضد “طالبان” و”القاعدة” بعد انسحابهم من كابول، اضافة الى حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.

ويجمع الكثير من المراقبين على أن مواقف ترامب الفجة من بعض الملفات الحساسة في أوروبا والشرق الأوسط، جعلت بوتين يبدو في موضع “المنتشي” الذي ينتظر حصاد ما وصلت اليه حربه التي دخلت عامها الثالث، ووضعت نتنياهو في موقع القادر على شن أي حرب يريدها وفي أي مكان بعدما حصل من الادارة الأميركية الجديدة على السلاح الذي يريده للقضاء على محور ايران مدعوماً بغطاء سياسي غير مشروط.

وأضاف هؤلاء ان تعهد ترامب أن يكون الرجل الذي يصنع السلام تحول الى تعهد بصنع الأعداء أينما كان، مشيرين الى أن الرجل ربما يقلد الزعيم السوفياتي ليون تروتسكي عندما قال: “لا يهمني إن مات نصف العالم بل أن يبقى النصف الآخر شيوعياً”.

وختم هؤلاء نقلاً عن فريق الرئيس الأميركي أن الأخير يريد أن يسترجع كل قرش أنفقه خارج أميركا، وربما اعادة كل جندي منتشر في أي مكان غير ضروري، وتحويل أوروبا مجدداً الى قوة عسكرية هائلة قادرة على أمرين: التصدي للتوسع الروسي من جهة والانفلاش الصيني من جهة أخرى، ومساعدتها على التصدي لأمواج المهاجرين الذين بدأوا يغيّرون وجه الكثير من الدول الغربية وتحويلها تدريجاً الى معاقل اسلامية تتسلل منها ايران عبر “حزب الله” الى قلب المعادلات الدولية، قائلاً إن هذا الهدف منطقي جداً، لكن ذلك لا يعطي ترامب الحق في ابتزاز رجل يخوض في أوكرانيا الحرب التي تمكن بصموده فيها من أن يوفر على الجيش الأميركي التدخل مباشرة واشعال حرب عالمية ثالثة.

في اختصار، هذا ما يريده صاحب شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً”، لكن الشعار شيء والواقع شيء آخر اذ لم يستغرق الأمر طويلاً حتى وجد نفسه مارداً يتجرأ عليه زيلينسكي في عقر داره، ويصده الأردن ومصر في غزة، وتتكتل ضده دول أوروبية كانت حتى الأمس القريب لا تقطع خيطاً من دون موافقته ولا تخوض نزاعاً من غير دعمه، ما دفع أحد المسؤولين الغربيين الى القول تعليقاً على “غزوة” المكتب البيضاوي ربما يأتي يوم نجد فيه التعايش مع ترامب في السنوات الأربع المقبلة، أكثر ليونة من السنوات الأربع التي يمكن أن يصبح فيها نائبه جي دي فانس رئيساً كامل المواصفات والصلاحيات، داعياً أوروبا الى النهوض سريعاً قبل أن يتحول حكامها الى حراس على باب البيت الأبيض.

أنطوني جعجع-لبنان الكبير

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا