لن تنس البشرية "الولد الأميركي الصغير"
صحيح أن أميركا هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي، لكنها تقدّمت الدول العظمى بإرسال قاذفات استراتيجية نووية نحو أنحاء العالم، وغواصات مزودة برؤوس نووية، تحت شعارات أوهام الدفاع عن الشعوب، لتقوى تبادل التهم الدولية بارتكاب الجرائم ضد الانسانية، فتُفرض الحصارات على دول بهدف تجويعها واخضاعها وبذرائع سياسية دولية متشابهة وشكوك متشابكة بوجود اسلحة دمار شامل لطالما ازهقت ارواح الملايين من البشر.
لماذا هذه المقدمة؟
لأنّ الولايات المتّحدة الأميركية أسقطت في 6 آب/أغسطس 1945، أوّل قنبلة ذرّية في تاريخ البشرية فوق هيروشيما باليابان أسمتها "الولد الصغير"، بعدما كانت إلمانيا قد استسلمت لقوّات الحلفاء في أيّار/مايو من العام نفسه، ولاحت الحرب العالمية الثانية بوضع أوزارها. بعد 3 أيّام، أسقطت أمريكا قنبلة أخرى على ناكازاكي قتلت 220.000 وما يزيد عن 200.000 بسبب الجرعات الإشعاعية. الغريب أن الرئيس الأميركي هاري ترومان (8 مايو 1884- 26 ديسمبر 1972) أصرّ على الكارثة لقياس تأثيرات التفجيرين ومخلّفاتهما، ولم يساوره ندم على أوامره الإشعاعية، مع أنّ إدارته راحت منذ ذلك التاريخ تُهندس استراتيجيات إسقاط الإتّحاد السوفياتي. الأغرب أنّ الرئيس الحالي جو بايدن كان في عداد قادة مجموعة السبع الذين اجتمعوا في هيروشيما (18 مايو 2023) دعا أمام المتحف والنصب التذكاري في هيروشيما لضحايا القصف الذرّي إلى عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية، لكنّه رفض مسبقاً الإعتذار عن تلك القنبلتين اللتين طبعتا البشرية بالرعب مصرّاً على سلوك سلفه الرئيس باراك أوباما الذي كان أوّل رئيس أميركي يزور هيروشيما عام 2016 دون أن يعتذر عن تلك الكارثة في تاريخ الإنسانية.
ولماذا هذه العودة 78 سنة نحو الوراء؟
لأن العالم كلّه يتذكّر مجدّداً ومنذ اجتماع قادة مجموعة السبع المذكورة كارثة على شاكلة هيروشيما وأخطر ملاحقاً أخبار القادة "العظماء" والضحايا والخرائب وكذلك الخوف العالمي المتجدّد عبر الإشارات والتهديدات بالحروب النووية أو بالحرب العالمية الثالثة تتردّد عبر الشاشات والتحليلات والتوقّعات. يكفي التحديق بالخارطة العالمية من روسيا وأوكرانيا نزولاً نحو الصين والهند وصولاً إلى البرازيل، ومروراً بأنقرة وطهران ومعظم بلدان الشرق الأوسط، لتبرز أمامنا شبكات التحالفات والتكتّلات الجديدة والقوى الأوروبية والأسلحة الضخمة الجاذبة للإنتباه والخوف العالميين والتداعيات الكثيرة عبر شحن مثلّث الأسلحة والإقتصاد والتوسّع الدولي في صراعاتٍ لامتناهية.
هكذا يبرزالسؤآل الذي يشغل العالم:
هل الحرب العالمية الثالثة بأخطارها النووية ممكنة؟
في التنقيب عن جواب عبر تبادل التهديدات المتلاحقة ، نجد أنفسنا بين 1945 و 1985 في العصر الذهبي الدولي لكن منذ ال2022 تجذبنا التهديدات اليومية مجدّداً التي كان لا يمكن للبشرية أن تُفكّر بها، لكأنّ العالم سقط في ما يمكن تسميته بالإنهيار العصبي الدولي الخطير الذي يطاول الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية عبر سياسات حافلة بالتحدّيات الإقتصادية والمالية و"الجيوبولوتيكية" التي خلّفتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية. تتضافر تلك المخاطر نحو الإنزلاق الجنوني لأصداء حروبٍ ستحمل نبرات طروحاتٍ نووية تقوى وتشتدّ.
يمكننا التفكير فوراً، بالحروب الروسية الأوكرانية التي احتضنتها أميركا وحلف شمالي الأطلسي فاتحاً أذرع دوله لاستقبالها لتتحوّل موضوعيّاً وطبيعيّاً إلى بؤرة صراعٍات دولية "عظمى" تتمطّى بمساعدة هذا الحلف بمعظم أعضائه. قد يبدو التفكير الدولي متحيّراً مثلاً إذ يذهب غالباً إلى أنّ إسرائيل قادرة بالتفاهم مع الولايات المتحدة وغيرها من القيام بهجومات في لبنان أو إيران التي تُربك العالم الضاغط والمضغوط بسيرة القنبلة النووية الجديدة الغامضة المحفوفة بالعقوبات والتهديدات غير المحددة. ويبدو الرئيس الصيني، في هذا المجال، متماسكاً في ترسيخ سلطاته في الصين حيث تستجمع أميركا عقوباتها ضدّها بدبلوماسية.هكذا تبدو الحروب الجديدة الباردة أكثر برودةً بسبب الهاجس الأميركي باستقلال تايوان، فيما كوريا الشمالية جاهزة لجذب الإنتباه العالمي بصواريخها الباليستية في المجالين الياباني والكوري الجنوبي.
يصعب التكهّن، على الأرجح، بحرب عالمية ثالثة بسبب تضافر الحروب الدولية السيبرانية أوّلاً، ثمّ بازدياد التحالفات وتبدلاتها في أعداد الدول التي اختارت عدم الإنحياز تجاه العقوبات الغربية ثانيّاً، إلى هموم مخاطر التلوّث المناخي الدولي والرعب السائد من تفشي الفيروسات التي قد تتجاوز مخاطر الطاعون الوارد في التوراة ثالثاً نحو ظهور فيروسات خطيرة ناجمة عن تلك العلاقات المعقدة بين التدمير البيئي والأمراض الحيوانيّة المنشأ التي تقودنا جميعاً إلى التفكير الجدي بإعلان دفن العولمة.
يبقى، أنّ البشرية تبدو منقادة رابعاً، كما نقرأ، نحو فيروسات خطيرة بل ماحقة إذا ما تفشّت مناخياً بعدما كانت مُقيمة في الجليد منذ آلاف السنين، دون أن ننسى خامساً وأخيراً، "حضارات" التقدّم التقني الهائل في ميادين الذكاء الإصطناعي الذي يقود البشرية، على الأغلب، نحو إعدام مفاهيم العمل والإنتاج المتداولة عبر التاريخ.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|