الصحافة

حماسة طلابية للحضور... تصطدم بتهالك مباني الجامعة اللبنانية ورثاثتها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على مدار ثلاث سنوات لم يكن هناك أحد. الجامعة اللّبنانيّة كانت مدينةً مهجورة، مُنحلّة. الخواء المُفزع، "يتمشى" في أحرامها وأروقتها وصفوفها التّعليميّة ومكاتب موظفيها.. آلاف الطموحات تكدست بأكياسٍ بلاستيكيّة ورُميت على قارعة ساحاتها، بانتظار تسويةٍ جديدة لإزاحتها وحجبها عن أنظار المارّة، من الطلاب والأساتذة والموظفين.. في الثلاث سنوات الأخيرة، كان أن تمشي في مدينة رفيق الحريريّ الجامعيّة (أكبر فروع الجامعة اللّبنانيّة التّي سُميت تيمنًا بمن أراد للجامعة أن تكون مكانًا جامعًا، يسدّ الفجوة بين الفرع الأول والثاني)، يُشبه مشيك في منطقة "سوليدير" أو إلى جانب أي مصرفٍ ومشفى حكوميّ أو دائرةٍ رسميّة، في العاصمة: الرثاثة، والفراغ، سيدا المشهد.

الآن إذ تتجول في الجامعة اللّبنانيّة، وتحديدًا فرع الحدث، فإن تبدلًا جزئيًا في المشهد العام، يبدو واضحًا ومنظورًا. تبدل يُحاكي رغبة أهل الجامعة بالعودة لما كانوا عليه سابقًا، ولو لبرهة. وبينما يتململ الشارع اللّبنانيّ مؤخرًا، مترقبًا تارةً مستجدات الحرب على غزّة، ومستشرفًا طورًا سيناريو الحرب، كانت الحركة الطلابيّة في الجامعة، بالغة الحيوية إلى درجة الاستثنائيّة، وكأن ما يحدث في كونٍ موازٍ. مع ذلك الطلاب يبدون معنيين بما حولهم، وهم اختاروا التّعبير عن موقفهم مما يحصل بوضع العلم الإسرائيليّ على مداخل الكليات، مستسيغين دوسه بأحذيتهم عند الدخول والخروج، تشفيًّا. ناهيك بالوقفات الرمزيّة الأسبوعيّة، في أوقات الفراغ بين الحصص، ومن دون أن تعني توقف السيرورة التعليميّة.

 

عودة الحياة الطلابيّة، تدريجيًّا

في المدخل الذي صُفت فيه عربات المأكولات السّريعة، والمشروبات السّاخنة والعصائر، عشرات الدراجات الناريّة رُكنت على السّاحة المُقابلة لحاجز الجيش، عشرات الوافدين والداخلين، وعشرات الخارجين المُنهكين من صفوفهم التّعليميّة. وفي المساحات الخضراء، يفترش الطلاب الأرض، ممسكين بفناجين "النسكافيه" والقهوة، يتحادثون، يتضاحكون، يملؤون وقت الفراغ بين الحصص. هذه المساحات التّي كانت حتّى قبل أشهرٍ قليلة خاليّة، إلا من أكياس النفايات البلاستيكيّة.

هذا فيما يشغل الملاعب المفتوحة لكرة السّلة والكرة الطائرة، وغيرها من الألعاب الرياضيّة، المتريضين وهواة اللعب، بأزيائهم العمليّة. وقد تسمع بين الفينة والأخرى، أصوات آلاتٍ موسيقيّة يتمرن عليها الطلاب، في القاعات التّي خُصصت لها. أما الذي قد تتلقفه إن أمعنت النظر، فهو عودة حقائب الظهر المُكدسة بالكتب ودفاتر الملاحظات، التّي اختفت في زمن التّعليم من بعد، وحقبة الإضرابات التّي بدت وكأنها أزليّة.

أما في الكليات، من الهندسة والطب وصولًا للحقوق، ومرورًا بأكبر الكليات، العلوم، ينتشر آلاف الطلاب بين الصفوف والمكتبات، والقاعات المهلهلة والمُتسخة. لكنهم بالرغم من ذلك، جلسوا يستمعون للمحاضرات أو يشرحون لبعضهم البعض.. مكاتب الموظفين المتذمرين تعج بهم، ساحات الكليات مزدحمة. أما المفارقة، فهي أن هذا الازدحام لا يرجع لحضور الطلبة المُسجلين حديثّا لإتمام امتحاناتهم الموسميّة، بل فقط لمتابعة محاضراتهم الدوريّة، التّي تواظب عليها الكليات لأربعة أيامٍ في الأسبوع كحدٍّ أدنى. بمعنى أن هناك حماسة وتعطشاً لعيش الحياة الجامعية والعودة إليها.

تبدل الأحوال؟

وإذا كان الطلاب يحاولون جاهدين التّمسك بهذه العودة التّدريجيّة، مواظبين على حضور صفوفهم، والتزام شطر لا يُستهان به من الأساتذة والموظفين بهذه العودة، لجهة استئنافهم الحضور للتدريس والمداومة وربط بدلات الانتاجيّة بالحضور (راجع "المدن")، هل باتت عودة الحياة الطلابيّة تدريجيًا، عاملًا حاسمًا في استئناف عمل الجامعة، الذي توقف قسرًا؟

هذه العودة، وبكل ما تحمله من توقعات إيجابيّة لعامٍ أكاديميّ أفضل مما سبقه، وتشي بارتياح جزئيّ لدى أهل الجامعة، ليست وحدها ما يُمكن التّعويل عليه في الفترة الحاليّة. فهؤلاء الطلاب الذين يحاولون اجتراح التّغيير والقبول بما تبقى لهم من خيارات في الظرف الاقتصادي الصعب، بدأت تعلو أصواتهم المعترضة، خصوصًا بما يتعلق بالأزمات البنيويّة التّي لم تُعالج حتّى حينه، من المباني الرثّة والمُتهالكة وخصوصًا في كلية العلوم، مرورًا بالصيانة العامة شبه الغائبة، وضعف التّجهيزات في دروات المياه، والأعطال الكهربائيّة، وصولًا لكون قاعات التّدريس تفتقر للتّنظيم والنظافة والتّكييف.

 

هذا الواقع دفع الطلاب لإقامة وقفات احتجاجيّة في الأحرام الجامعيّة وتحديدًا كلية العلوم، آخرها كان ظهر يوم الإثنين 6 تشرين الثاني، حيث احتشد الطلاب أمام الكليّة، مُطالبين الإدارة بممارسة واجباتها وتأمين كافة الاحتياجات اللوجستيّة والتّقنيّة داخل القاعات وخارجها، كالمكيفات ومكبرات صوت والإضاءة وتجهيز الحمامات (التّي توقفت الشركة المسؤولة عن تنظيفها منذ بداية الأزمة). فيما أشار عددٌ من المشاركين لاستعدادهم لإقامة وقفات أخرى، في حال لم تُلب المطالب. مؤكدين أنّه "وبالرغم من تطوع رهطٌ من الطلاب لتدبير "لميّة"، وجمع مبالغ لشراء المراوح للقاعات والسّخانات للتدفئة، استعداداً للشتاء. بينما بادر آخرون بتنظيف القاعات، تطوعًا. لكن هذا ليس حلًّا عمليًّا، يُمكن الاستمرار به".

أزمة الأساتذة

وفيما يُبدي غالبية الأساتذة والموظفين نيتّهم لاحتضان رغبة الطلاب في مزاولة حياتهم الطلابيّة، كما في باقي الأُطر التّعليميّة الخاصة في لبنان، وعيش التّجربة الطلابيّة بالحدّ الأدنى، لكن أغلب الذين حاورتهم "المدن" من الأساتذة، مصرّون على أن هذه الحالة الإيجابيّة لحدٍّ ما لا تكتمل سوى بنيل كافة مستحقاتهم، المُحفز الأساس للعودة الحقيقيّة للجامعة اللّبنانيّة. وخصوصًا بما يتعلق بالأساتذة المتعاقدين بانتظار تطورات ملف التّفرغ، وصعوبة استمرارهم بالعام الأكاديمي 2023 – 2024 من دون إنجاز مراسيم تفرغهم ومستحقاتهم، التّي لا تزال رهن الوعود الإداريّة والحكوميّة. ويُشير في هذا السّياق أحد الأساتذة: "استبدلت الانتاجيّة والمحصورة بالحضور، إلى قرار رفع أجر السّاعة، والتّي ليست سوى جزء ضئيل لا يُذكر أمام التّدني الرهيب في قدرتنا الشرائيّة ورواتبنا، وحتّى نحصل على ما يسمى بإنتاجية يجب أن نحضر أقله 4 أيام بالأسبوع، في حين أن قانون الجامعة ألزم الاستاذ بنصاب تدريسي ولم يكن الأمر متعلقاً بأيام حضور". مستطردًا بالقول: "هذا وناهيك بواقع إكمال عامنا الثاني من دون تقاضي مستحقاتنا عن السّاعات التي أنجزناها منذ العام الجامعي 2021 - 2022، والتي لم تعد تساوي شيئًا يذكر من قيمتها يوم استحقت". هذا فيما يلوح بعضٌ من المتعاقدين بالإضراب إذا لم تصغ الرئاسة في الجامعة لمطالبهم.

وأشارت إحدى الأستاذات المتفرغات في الجامعة إلى "أن أساتذة الملاك والمتفرغين، لم يحصلوا حتّى حينه على أي مبلغ جديد. وما زال هناك تأخير في دفع المستحقات القديمة مثل بدل النقل و4 رواتب عن شهر تشرين الأول". معقبةً "أما الشيء الإيجابي فهو صدور مرسوم سلفة لصندوق التعاضد، نأمل أن ترصد الأموال لها حتى يتم المباشرة بتحويل المساعدات للأساتذة".

يُذكر أن "المدن" قد حاولت الاتصال برئاسة الجامعة، من دون أن تحظى بردّ. وعليه، يبدو التّساؤل ضروريًّا: هل هذه المعطيات، ستكون كفيلة بعرقلة العام الأكاديميّ 2023- 2024 الذي بدأ توًا؟ وهل يُبطن المعنيون النيّة لتدارك هذه الفرضيّة؟

بتول يزبك- المدن

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا