متفرقات

"تبليط الهرم".. حملة مصرية لوقف "مشروع القرن"! عبث بالآثار أم فرصة استثماريّة للقوات المسلّحة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أطلقت مجموعة من الباحثين والمتخصصين في الآثار والتراث بمصر حملة توقيعات لوقف مشروع أعلنت عنه وزارة السياحة والآثار تحت اسم "مشروع القرن"، وهو وفقًا لما أعلنه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري خلال كلمته أمام هرم منكاورع مؤخراً "إعادة تكسيه الهرم بحجر الغرانيت المتساقط أسفله". قال وزيري إن المشروع الذي سيستمر 3 سنوات بالتعاون مع البعثة اليابانية سيساهم في رؤية هرم الملك منكاورع لأول مرة كاملاً بالكساء الخارجي له كما بناه المصري القديم، لافتاً إلى أن البلوكات الغرانيتية للكساء الخارجي للهرم كانت حوالي 16 بلوكا لم يتبق منها حالياً سوي 7 بلوكات فقط، وهو ما سيقوم المشروع بالعمل عليه لدراسة الأحجار المتبقية حول الهرم وترميمها وتوثيقها وإعادة تركيبها.

تسبب الإعلان في حالة من الغضب ظهرت في مواقع التواصل في شكل موجات من السخرية تعجبت مما أسموه "تبليط الهرم" في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، مما دفع بوزير الآثار الأسبق زاهي حواس للخروج والتأكيد على أن المشروع لايزال قيد الدراسة وأنه شخصياً ينتظر أن يعرض عليه باعتباره من الخبراء المفترض سؤالهم ضمن لجنة لم يعلن عنها! لكن الباحثين والدارسين والأثريين لم ينتظروا الإعلان عن اللجنة ورأوا أن إعلان الأمين العام الذي جاء فجأة ودون توضيحات كافيا لإطلاق بيان للتضامن السريع من أجل إيقاف المشروع، قالوا فيه إن الاختلاف مع الوزارة لم يعد في المنهجية والتطبيق، ولكن "أصبح في بديهيات وأبجديات العمل الأثري" نفسه.

فيلم دعائي
البيان الذي نشرته خبيرة الآثار مونيكا حنا انتقد أولاً "الطريقة السينمائية" التي أعلن بها الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار عن المشروع، معتبرين أنها لا تتفق أبداً مع أهميته الافتراضية، ولا مع الأهمية الأثرية والتاريخية لهرم منكاورع، مؤكدين على أن الطريق العلمي هو وحده المقبول في مشروع كهذا قبل أي خطوات إعلامية أو دعائية "كان أولى بالسيد الأمين العام أن يقوم بنشر دراسة المشروع المكتملة في مجلة دولية محكمة، فالمشروع العلمي يستلزم نشراً علمياً محترماً في مجلة علمية محترمة وليس في فيلم دعائي أو إعلامي". كما انتقد الخبراء الإعلان عن المشروع وبالخلفية أعمال حفر، وهو ما يتنافى مع ما أعلنه الأمين العام عن عمل دراسة توثيقية، فمن غير الممكن علمياً أن يتم التوثيق في نفس وقت الحفر، فالتوثيق والنشر العلمي يسبقان الحفر بطبيعة الحال، كما أن ما أثير عن ردم الحفرة بعد التصوير يؤكد الهدف الدعائي من المشروع برمته "يقول السيد الأمين العام أن المشروع سوف يستغرق عاماً في دراسة الكتل الحجرية.. إذن ماذا تفعل الرافعة أسفل الهرم؟!".

لم يجد الخبراء أي دراسات علمية واضحة يمكن تتبع مسارها، وكل ما وجدوه لتقييم المشروع فيلم دعائي قصير مدته لا تزيد عن دقائق ذكر فيه اسم المشروع "مشروع القرن" وبعض الوعود بالفحوص التي سوف تتم بالإضافة إلى جملة قيل فيها أن الهرم سوف يعاد إلى ما كان عليه عند بنائه، وهي الجملة التي اعتبروها "شديدة الخطورة" معقبين: "نحن نقبل هذا من الهواة أو من ليس لديهم خبرة أو غير المتخصصين أو من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي (الانفلونسر) لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبله من الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار، ذلك المنصب الذي شغله رجال من أعظم رجالات الآثار المصرية عبر العصور."

لذلك أعلنوا رفضهم التام للمشروع وأوجزوا اعتراضاتهم في نقاط عديدة أهمها:

أولاً: من الناحية التاريخية
قالوا إنه من الثابت تاريخياً أن القطع الحجرية الغرانيتية بجانب هرم منكاورع غير مشذبه لأن المصري القديم شذب القطع عند تثبيتها في الهرم نفسه، بالتالي فالقطع الموجودة بجانبه حالياً لم تسقط من جسمه، ولا يوجد دليل أثرى أو تاريخي منشور أو مكتشف خلاف ذلك "ولذلك أي محاولة لتثبيتها وتهذيبها هو تدخل سافر في عمل المصري القديم الذي لم يستكمل هذا الهرم، ويؤثر بشكل صريح على موثوقية وأصالة الهرم".

يؤكد بيان الخبراء أيضاً على أن شبسسكاف ابن الملك منكاورع لم يستكمل هرم ابيه، في حين استخدم الملك رمسيس الثاني جزء من هذه القطع الغرانيتية في صناعة بعض التماثيل واللوحات. وفي القرن الـ12 استعمل يوسف ابن عثمان ابن صلاح الدين استعمل بعض القطع الغرانيتية من الهرم ومن القطع الموجودة حوله في بناء بعض المباني في القاهرة، وكذلك استعمل بهاء الدين قراقوش بعض هذه القطع في عمل القناطر القديمة التي ربطت منطقة هضبة الأهرام بالقاهرة التاريخية، كما استخدم محمد علي في القرن الـ19 بعض القطع في بناء ترسانته بمدينة الإسكندرية.



ثانياً: من الناحية العلمية والأثرية
كان هدف المصري القديم من استخدام الغرانيت تكسيه الهرم ولم تكن الأحجار المستخدمة في بناء الهرم قد تعرضت بعد للعوامل الجوية وعوامل التلف المختلفة، وكانت لا تزال تحتفظ بخواصها الفيزيائية وتركيبها الكيميائي المتجانس، ونظراً لعدم تكسيتها أصبحت عرضة طوال 4000 عام لعوامل التلف المختلفة وعوامل التعرية ومن ثم فقد ضعفت خواصها الفيزيائية وفقدت التجانس الكيميائي لها، وبالتالي ليس هناك دليل واحد يؤكد تحملها للتكسية بأحجار الغرانيت حالياً.

أكدوا أيضاً على ضرورة دراسة الأحمال والضغط على الهرم ككل، ومدى تأثر تربته الحاملة نفسها، والتأكد من تحملها لهذه الكتل الغرانيتية الضخمة، خصوصاً وأنها قد تكون تأثرت بالعوامل الخارجية مثل الصرف الصحي والمياه تحت السطحية في قرية نزلة السمان ونزلة البطران ومنطقة الأهرامات وحدائق الأهرام.

ثالثاً: من الناحية القانونية
الفقرة الرابعة والخامسة والتاسعة من ميثاق "البندقية" لترميم وحفظ وصيانة المعالم والمواقع الأثرية، تمنع منعًا باتًا إجراء أي نوع من أنواع الاستكمال أو الإضافة أو تعديل في الأثر، حتى وإن كانت عمليات الاستكمال ستتم باستخدام القطع الأصلية المتساقطة منه، ما لم يكن هذا الاستكمال لإنقاذه من الانهيار.

كما أن جبانة منف والتي تحتوي على هضبة الأهرامات مسجلة كتراث عالمي منذ العام 1979 وأي تدخل مثل ذلك يجب أن يتم بموافقة المركز الرئيسي لقائمة التراث العالمي في باريس، حتى لا تُوضع المنطقة الأثرية على قوائم التراث المهدد أو في القائمة الحمراء "ويكفي ما حصل في معبد الكرنك بعد نقل 4 كباش (نقلت لميدان التحرير في وسط القاهرة) بدون استشارة المركز، وهو ما تم أخذه على الحكومة المصرية في كافة التقارير السنوية منذ ذلك الحين".

مراكب الشمس
أكد الأثريون على أن الجانب الياباني المشارك في المشروع ليس له أي سوابق أعمال في ترميم الأهرامات، وأن شغله الشاغل في المنطقة هو مراكب الشمس، فهو من أشرف على نقل مركب خوفو للمتحف المصري الكبير وترميم المركب الثاني لنفس الملك، وهو ما يثير التساؤلات حول الغرض الأساسي من المشروع، إن كان مشروعاً للترميم أم البحث عن مراكب منكاورع؟ خصوصاً وأنه لم يعلن عن طبيعة المعدات التي دخلت الموقع كما أن الجانب الياباني لم يدل بأي تصريح "وكان دوره صامتاً في فيلم السيد الأمين العام" وفي حال كان المشروع للبحث عن المراكب، فإن الرديم الذي سوف يخرج من هذه الحفائر لن يكون أقل من ٣٠ ألف متر مكعب وهو ما سوف يغير شكل المنطقة الأثرية ويوقف الزيارات السياحية لهذا الجزء بالكامل.

لذلك كله، اختتم الخبراء بيانهم بالتأكيد على أن تنفيذ هذا المشروع أو مجرّد التفكير فيه "خيال يليق بأفلام سينمائية أو أفلام الخيال العلمي، وإن قدر تنفيذه على أرض الواقع فهو بمثابة عبث بالآثار المصرية والنيل من أثريتها وتاريخها".
 

بعد ضجة كبيرة وجدل صاخب رافق عملية الإعلان عن مشروع القرن في مصر والذي يهدف لترميم الهرم، قرر وزير السياحة والآثار أحمد عيسى تشكيل لجنة علمية برئاسة الدكتور زاهي حواس لمراجعة المشروع.

من ناحية أخرى، كتب مكاريوس لحظي - كاتب ومحامي حقوقي مصري

 

“فكرة إعادة كساء الهرم بالأحجار التي سقطت منه في ذاتها يمكن أن تكون مقبولة بشرط أن يكون الاعتماد بصورة كاملة على هذه الأحجار الموجودة في محيطه من دون أي إضافة لأحجار أخرى مستحدثة لا تنتمي الى الهرم… لكن السؤال هنا: هل ستكفي هذه الأحجار لكساء الهرم بكامله أم أنه سيتم كساء جزء، ويبقى الباقي على حاله الأصلي، وكيف ستكون الصورة النهائية في هذه الحالة؟”.

أعلن مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، يوم 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، في منشور على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عما أسماه “مشروع القرن وإعادة تركيب البلوكات الغرانيتية للهرم الثالث، البعثة المصرية – اليابانية.” وظهر وزيري في مقطع فيديو وسط عمال يحفرون أسفل هرم منقاورع ، شارحاً طبيعة المشروع الذي سيستغرق ثلاث سنوات حسب قوله. 

تصريحات وزيري تشير إلى أن المشروع سيتم على ثلاث مراحل، تبدأ بالدراسة، ثم رفع مساحي و laser scan، وأخيراً إعادة تركيب الكتل الغرانيتية التي تمثل الكساء الخارجي للهرم. وظهر في مقطع فيديو ثانٍ في المنشور نفسه، بجوار رئيس البعثة اليابانية “ساكوجي يوشيمورا” الذي يعمل في مصر منذ أكثر من خمسين عاماً.

فور إعلان المشروع، انطلقت موجة من السخرية الممزوجة بالغضب بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ شارك أحدهم صورة لبرج بيزا المائل معلقاً: “مشروع إعادة برج بيزا إلى وضعه القائم”، وسخر آخرون من المشروع الذي أسموه “تمحير وتبليط هرم منقاورع ” وعشرات من التعليقات الأخرى، الساخرة، والساخطة أيضاً!.

الغرانيت ليس جزءاً من الهرم!

أثار إعلان وزيري حفيظة عدد من علماء الآثار والمصريات، أبرزهم عالمة المصريات الدكتورة مونيكا حنا، والتي تحظى بمتابعة وتأييد قطاعات واسعة من المهتمين بالآثار وعلم المصريات، إذ  تساءلت حنا مستنكرة عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “هو العبث بآثار مصر مش هينتهي؟”. 

هرم منقاورع  هو أصغر الأهرامات الثلاثة الأشهر في هضبة الجيزة، ويحمل اسم صاحبه الملك منقاورع ،  خامس ملوك الأسرة الرابعة، أبوه وجده هما خفرع وخوفو صاحبا الهرمين الأكبر. من غير المعروف على وجه الدقة تاريخ بناء الهرم، ولكن على الأرجح، أنه تم بناؤه في القرن السادس والعشرين قبل الميلاد، أي منذ أكثر من 4500 سنة.

يقول وزيري إن هرم منقاورع هو الهرم الوحيد الذي كان مكسواً بالغرانيت، ولكن لأسباب غير معروفة تساقطت أحجار الكساء من على جوانب الهرم ولم يصمد منها سوى سبعة مداميك، ولكن ارتفاع الكساء في الأصل كان يبلغ 16 أو 17 أو 18 مدماكاً على حد قوله.

 المدماك هو صف الحجارة الذي يحيط بالهرم من الجو انب الأربعة، وتتراص صفوف المداميك فوق بعضها لتشكّل كساء الهرم.  ويهدف “مشروع القرن” إلى رفع أحجار الكساء المترامية على جوانب الهرم ومسحها بالليزر وتصنيفها ومن ثم إعادتها إلى أماكنها الأصلية.

قالت حنا في مداخلة على قناة ETC، أنه من المعروف منذ بدأ العالم الأميركي جورج ريزنر أبحاثه حول الهرم -جورج أندرو ريزنر (5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1867 – 6 حزيران/ يونيو 1942 م)، أن الأحجار المتناثرة حول الهرم لم يركّبها المصري القديم، وبالتالي يجب علينا ألا نقوم نحن بما لم يقم به المصري القديم، وأن قيامنا بتركيب هذه الأحجار سيؤثر على أصالة الهرم. 

الكلام نفسه أكده الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للأثار، في تصريح لـ CBS News، إذ قال إن ليس كل الأحجار الموجودة حول الهرم كانت جزءاً من الكساء: بعضها خاص بالمعبد الجنائزي، وبعضها لم يُستخدم أبداً؛ لأن منقاورع كان قد مات، وابنه لم يستكمل الأعمال من بعده. 

أوضحت حنا أيضاً، أنه لا يمكن أن يتم تنفيذ مشروع كهذا من دون مرجع علمي موثوق به ومنشور في إحدى الدوريات المعروفة، وليس من خلال عرض سينمائي بالطريقة التي حدث بها. ونشر الدكتورة حنا بالاشتراك مع علماء آثار آخرين، بياناً تفصيلياً عن موقفهم من المشروع.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا