ما طلبه منهم حيّر الجميع.. باسل خياط يوجه رسالة مفاجئة للمعارضة السورية
إملأوا الفراغ بين كان... وأصبح بحثاً عن لبنان
كان لبنان وطناً وأصبح ساحةً ومعبراً. كانت السلطات فيه برقاً نادراً وراحت تتراجع وتهترىء لتصبح مرتع سرقات ونصب واحتيال وقتل وانقسام لا لحام له. ننتظر بلهاء انهيار السلطات التقليدية، وأصبحنا نتفرّج بلهاء على انهيار لبنان وتبعثر أجياله وكأنهم ألعاب وأجيال مهشمة مهملة مقمّطة مذ ولاداتها بالقرف والحيرة وكلّ الصفات الدنيئة... إملأوا الفراغ بما شئتم من أوصاف.
وبين "كان" و"أصبح" كارثة لبنان والعرب والعروبة حيث المسافات والجرائم والجهل السياسي المتعفن جامعاً الماضي والحاضر والمستقبل، لكنّها مسافات الضمور والفقر والقهر السياسي والحزبي الذي يرمي بقايا أحلامنا في الفقر والجوع والخوف والمرض ليبدو لبنان مقيماً رعباً فينا وتهجيراً قبل إمساك الأقلام بأيدينا المتجعّدة السوداء لوصفها من جحيمٍ لبناني إلى جحيم آخر.
أخاطب اللبنانيين أوّلاً والعرب العاربة والمستعربة ولو لغوياً:
تحمل "كان" صيغة الماضي في لغتنا العربية لكنها تحمل، على العكس صيغة الحاضر باللغة الفرنسيّة مثلاً، فتعني "هو" بمعنى est أي الفعل الدال على الكائن والوجود. نقول بالفرنسيّة Ce article est lourdأي "هذا المقال ثقيل"، إذ تسقط الـest في الترجمة، أي تنتفي الصلات في لغة العرب، لتقوى المفارقات والخلافات وتزداد العداوات والإلغاءات وضرب الطاولات وتدمير الأوطان. هكذا تبرز دينامية جديدة في ارتباط الماضي بالحاضر في السياسات والعلاقات والمستقبل والتفكير والإبداع ، على الدوام، تشغل العرب وشعوب العالم التي تضيع بتزاحم تعابير ومقولات وحروب الحذف والإلغاء وادّعاءات التجديد والتطوير والثورة والتغيير والفشل والتآمر.
تتصور هذه السلالات البشرية أنفسها وكأنها أسرى وعود وخطب ومقابلات وترّهات، في عصر سقوط الأغطية والأقنعة، لتثبت وجودها الفارغ باكتشافات وحلول متيسّرة للجميع. ليست هي بحاجة مطلقاً إلى أبحاث وجهود وتصويب ونقد لإثبات الخبرة العفنة مثلاً في السياسة اللبنانية الهرمة، تتقدم على المواقف المرتجلة المُهددة المجبولة بالسرقات والجرائم ولي الرقاب والوطن لكلّ ضحلٍ غريب من دول العالم في الشرق والغرب من أميركا وبريطانيا والروسيا وفرنسا مروراً بتركيا وسورية وايران وقبلها كلّها فلسطين التي احتاروا بشأنها بين لبنان وفلسطين وعواصم العرب، ومثلها يحتار النازحون من كافة الجنسيات في لبنان بين بلدهم ولبنان الذي لا ينفصلون عنه سوى بالسير لخطواتٍ نحو الحدود البرية والبحرية المفتوحة السائبة لكلّ الصادرات لا الواردات حيث لا حسيب ولا رقيب ولا قوى في الأرض قادرة على ضبطها بل هم الأقدر على تفريغ الوطن من اللبنانيين.
ترون شابات وشباب الذين أفنوا أعمارهم في وطنهم يلفظهم رفوفاً نحو المطارات، ولا مانع من إيقافهم وتقريعهم بارتجالاتٍ مقيتة قاسية في المطارات، وفي هذا وجه أساسي، ربما، من وجوه الريادة في سلخ جلود اللبنانيين، كما في صعوبة انتفاء الصلة المتنامية الكريهة للبناننا بين اليوم وأمس.
تعتمد حركة الشابات والشباب أيّها الزعماء الخفة في الإقامة في عالم "الأون لاين" لا يعنيهم كلمة زعماء قط ولا سحناتهم . ينبذونهم ولا يعنون لهم شيئاً في الحاضر أو المستقبل، لأنهم، وقد عشنا ونعيش معهم في الجامعات هم من فصائل الفئران المُشرقة أبداً ذكاء ويتجاوزونكم تفكيراً وتعبيراً مختصراً ونظافةً وفهماً، وخصوصاً عندما تُطرح عليهم مسائل خاصة بتاريخ بلدهم لبنان أو بتوصيف سلوك زعمائهم الطائفيين البليدين التقليديين.
تشعر نفسك أمام أجيالٍ عظيمة تعلمها وتخرّجها لتُغادر فجراً، وكأنهم ولدوا في رحم وطنٍ ليس في حاضرهم ومستقبلهم ولا في أحلامهم. هم صبايا وشباب يولدون في عالم متشعب من الأبحاث المقننة الدقيقة والدراسات والفرضيات والتجارب التي تسبقها دائماً. كان يمكن لأساتذتهم استيعابها أو فهم مدى تعقيداتها أو أسرارها، لكن وسائل الاتصال رذلتنا وقطعت أمام أجيالنا أشواطاً تاريخية كبرى في وعي وظائفها العائلية والاجتماعية والانسانية والكونية وقدراتهم المعرفية المعقدة الحقيقية والتي تفوق أي وصف أو فرضية لتأكيد هذه المقدرات أو إثبات نجاحها ونتائجها.
كم يُفرحني أن تُصبح فروع جامعة السوربون والجامعات الأميركية وغيرها من الجامعات العالمية منتشرة في دبي وأبو ظبي وعواصم الخليج بينما يُحزنني كيف ترهّلت الجامعات في لبنان أمام دكاكين الدكترة وأبنية الجامعات الهزيلة الطائفية .
أرى أساتذة الجامعات في لبنان بالألاف متظاهرين متنافسين في وسائل التواصل بحثاً عن الـ300 دولاراً فيفترشون أرصفة لبنان متعاقدين ومتفرغين ومتقاعدين بحثاً عن رواتبهم للإستمرار في تأمين الخبز أو المستقبل ولأحفادهم.
كنا وأصبحنا وقد نبقى طويلاً أمام أجيالٍ هرمة قميئة ينتظرون بوقاحاتٍ لا توصف بالعربية أو في أية لغةٍ أخرى مساعدات العرب لهم وكأنّ ذلك فروض وواجبات من الغير تكريماً لفشلهم وتخريب وطنهم وهم باقون حتى يسحبهم الباري إلى الجحيم أو إلى نشوب الحروب والإنفجارات فيلتحقون بعائلاتهم وأبنائهم وأحفادهم بطائراتهم الخاصة نحو قصورهم المسروقة من جيوبنا في عواصم العالم. - الدكتور نسيم الخوري
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|