أيّ مصير لجبهة جنوب لبنان بعد غزة؟
ركزت مفاوضات الدوحة على التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة، فيما كانت جبهة لبنان خارج جدول الاعمال على الرغم من حضورها المتصل بالمنطقة في نقاش احتمالات ردّي إيران و"حزب الله". وإذا كانت المفاوضات تواجه شروط بنيامين نتنياهو، السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر نتساريم وما أضيف اليها من شرط استئناف العمليات العسكرية بعد استنفاد صفقة التبادل، وذلك وسط اصرار أميركي ضاغط على تحقيق هدف الهدنة في انتظار نتائج زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، فإن وضع جبهة الجنوب يثير القلق من احتمال اشتعالها مع التصعيد الإسرائيلي وتمسك "حزب الله" بالردّ بمعزل عن غزة.
في زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى بيروت أوضح موقف الأميركيين بالعمل على الهدنة في غزة كمدخل لتهدئة جبهة لبنان بما يعني أن واشنطن مقتنعة بارتباط الجبهتين، لكن ما يبعث على القلق هو الحديث عن ترتيبات خاصة لجبهة الجنوب تطالب بها إسرائيل وفق ما يقول مصدر ديبلوماسي متابع، خصوصاً وأن المبعوث الأميركي ركزعلى ضرورة وقف التصعيد وتطبيق القرار 1701 كاملاً، بما يعني إنهاء المظاهر العسكرية في المنطقة الحدودية.
تشير أجواء المفاوضات، إلى أنه يمكن التوصل الى اتفاق، إذا رفعت واشنطن مستوى الضغط على نتنياهو، إذ أن "حماس" قدمت تنازلات عدة، لكنها توقفت عند محور فيلادلفيا ومعبر نتساريم باعتبار ان استمرار السيطرة الإسرائيلية عليهما يعني الاطباق على ما تبقى من قدرة للحركة على العودة وبالتالي منح الإسرائيليين ما لم يحققوه بالحرب. ويعني ذلك أن مطالب "حماس" تتمثل بالعودة الى ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وهو أمر لم يعد ممكناً بعد تدمير غزة. أما إسرائيل، فوفقاً لبيانات المؤسسة الامنية، شارفت العمليات الحربية على نهايتها، وهي تقتصر على عمليات محددة، وبالتالي باتت أقرب الى الموافقة على وقف اطلاق النار.
لكن المخاوف تبقى من الشرارة التي يمكن أن تشعل جبهة الجنوب، مع التوجه الإسرائيلي لتنفيذ عمليات موضعية في غزة، واصرار نتنياهو على استئناف الحرب، وهو ما ينعكس تصعيداً مستمراً خصوصاً ان إسرائيل ترفض العودة إلى ما قبل طوفان الأقصى في الجنوب كما في غزة، فيما يبدو أن "حزب الله" لن يتوقف عن تنفيذ العمليات إذا بقيت الامور في غزة على النحو الذي يريده الإسرائيليون. وعلى الرغم من الربط القائم بين جبهتي غزة والجنوب، لا يبدو أن "حزب الله" وإيران بوارد الردّ قبل أن تستنفد المفاوضات، فبالنسبة إلى إيران لا تزال الاتصالات الخلفية قائمة مع الأميركيين وهي نجحت في إرجاء ردّ طهران، لكن لا أحد في إمكانه تحديد ماذا يمكن أن يحدث على جبهة لبنان، أولاً من استدراج إسرائيلي للحزب نحو المعركة، وأيضاً في معرفة كيف سيتصرف الحزب على الجبهة من تصعيد في حال قرر الردّ أو حصره في عمليات تندرج في اطار المساندة.
حتى الآن، لم تتمكن الديبلوماسية الأميركية من ضبط نتنياهو طالما تواصل مدّه بالسلاح والدعم المالي، لكنها تحاول من خلال اتصالاتها سحب كل ما يمكن أن يتحجج به نتنياهو من ذرائع لتوسيع الحرب، وهو ما طرحه موفدوها في المنطقة. ولذا تُطرح في الأوساط الديبلوماسية تساؤلات عن مصير جبهة الجنوب، إذ يكشف المصدر الديبلوماسي أن إسرائيل تسعى إلى حرب على لبنان بهدف تغيير المعادلات القائمة، لكنها لن تستطيع تحقيق أهدافها وفق رؤية جيش الاحتلال ما لم تحسم معركتها ضد الفلسطينيين، وهي لذلك تحاول تثبيت ما حققته من تهجير وتدمير على الأرض في غزة. أما تصلب نتنياهو، فيعود في شكل رئيسي إلى إرباك الإدارة الأميركية الحالية وسط رهانه على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وإذا صح ذلك، فإن وضع غزة والمنطقة سيبقى في دائرة المناورة الإسرائيلية حتى لو توصلت المفاوضات إلى وقف اطلاق النار لن تلتزم به إسرائيل كلياً.
التركيز الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، لا يستثني جبهة الجنوب، ولعل ما يمنع اشتعالها الآن هو الضغط الديبلوماسي الدولي الرافض لحرب إقليمية، وهذا أحد الأسباب التي دعت الإدارة الاميركية إلى التفاوض مع إيران عبر نوافذ مختلفة لمنع ردها أو تأخيره وبالتالي الرهان على التوصل الى وقف اطلاق النار. ويتركّز المسار الديبلوماسي أيضاً على محاولة ضبط ردّ "حزب الله" على إسرائيل، والغاء مفاعيله إذا حصل من دون تداعيات كبرى، لكن هذا لا يعني أن جبهة الجنوب محيّدة، وفق المصدر إذ هناك تحديات يعكسها السباق بين التوصل الى حل يهيّئ الأمور للتفاوض وتطبيق القرار 1701 تريد إسرائيل منه إعادة المستوطنين إلى منازلهم، أو أن المواجهات ستبقى مستمرة ولا أحد يعرف كيف تنزلق إلى حرب واسعة.
وتشير معلومات في هذا الصدد إلى أن "حزب الله" سيردّ على اغتيال شكر في حال تعثّر المفاوضات، وهو لذلك نشر فيديو "عماد 4" الذي يحمل مجموعة من الرسائل، لكن حجم الردّ ومداه يبقى ضمن حساباته، فيما إسرائيل تستدرج رداَ قد يفتح مرحلة جديدة من المواجهات. ويشير المصدر إلى أن فيديو "حزب الله" قد كشف أن الحزب لم يعد في وارد العودة إلى الوراء، وهو محاولة لتعزيز صورة توازن الردع، وإن كان يجر لبنان كله إلى المعركة بهدف تعزيز موقعه.
مسار جبهة الجنوب ستحدده تطورات المفاوضات حول غزة، لكن الجميع يستشعر الخطر من إمكان تصعيد الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل طالما أن لا مؤشرات لتسوية تنتج استقراراً طويل الأمد، فيبقى لبنان في حالة استنزاف مديد وقراره ليس في يده بل تتحكم به حسابات الخارج.
"النهار"- ابراهيم حيدر
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|