هل الاختراق الاسرائيلي لـ “الحزب” بفعل تتبع القادة الايرانيين؟
قبل إغتيال الأمين العام لـ “حزب الله” الشهيد حسن نصر الله، وعقب إغتيال قادة بارزين من الحزب، نشرت مجلة “إيكونوميست” البريطانية مقالاً جاء في مقطع منه: “يعيش نصر الله وحدة موحشة داخل الحزب الآن، فقد قتل العديد من حلفائه الرئيسيين، كما أن هناك شكوكاً بوجود خونة في الحزب، إذ لم يكن لعمليات التفجير التي طالت الحزب خلال الأسبوعين الماضيين أن تنجح لولا تلقي إسرائيل مساعدة داخلية”.
وبالتزامن مع نشر هذا التقرير، وبعد إستفحال الاستهدافات الاسرائيلية للحزب، كان جمهوره وأوساطه يعيشون حالة من العتب “المكبوت” تجاه إيران، ليقينهم بأنها تركت الحزب وحيداً في دعمه ومساندته الفعلية لغزة، من خلال فتح جبهة “الإشغال” لتخفيف الأعباء العسكرية عن القطاع، وذلك من منطلق ما يتمتع به أمينه العام من مصداقية وإلتزام ثابت تجاه القضية الفلسطينية، بحيث أن قراره لقي تأييداً من طهران، من دون أن يتحول إلى دعم وغطاء حقيقيين، لا سيما أن العدوان الاسرائيلي كان يأخذ إتجاهاً متصاعداً كماً ونوعاً وعمقاً وإستهدافاً، ليصيب بيئة “حزب الله” الاجتماعية وبنيته التنظيمية ودائرة اتصالاته اللاسلكية، قبل أن يتواصل التصعيد الاسرائيلي باغتيال قادة “قوة الرضوان” وعلى رأسهم ابراهيم عقيل، وعدد من القيادات الأخرى.
لا شك في أن التصعيد المتدرج للهجمات الاسرائيلية قد أربك “حزب الله” وعطّل سرعة اتخاذ القرار على قمة الحزب الى حين تقييم مستوى التصعيد الاسرائيلي كي يتم الرد عليه بصورة متناسبة. فإذا بالتصعيد يتواصل ولا يتوقف ولا يسمح بالتقييم المرحلي، ولا يسمح بالرد الموجه لكل هجوم إسرائيلي على حدة. فما كاد “حزب الله” يوجه رده على اغتيال “قوة الرضوان” باستهداف قاعدة ومطار رامات ديفيد ومجمع الصناعات العسكرية “رفاييل” في حيفا، حتى بدأت إسرائيل بتنفيذ القصف الجوي المكثف، وأدخلت لبنان في مرحلة جديدة من التصعيد صُبغت بموجة كبيرة من نزوح أهالي الجنوب والبقاع إلى بيروت ومناطق لم يصل إليها القصف بعد.
عندما تكيّف الحزب واستمر في عمليات إطلاق صواريخ بمدى متوسط على الشمال الاسرائيلي بامتداده من طبريا شرقاً إلى حيفا غرباً، بلغ التمادي العدواني الاسرائيلي الممنهج “رأس هرم” الحزب بإغتيال “سيد المقاومة” حسن نصر الله، الذي كان يعتقد الجميع إستحالة وصول العدو الاسرائيلي إليه، بحكم الاجراءات والتحصينات الشديدة الإحكام التي كان يتبعها.
حينها بدأت تظهر إلى العلن بصورة إنفعالية ردود الفعل من جمهور الحزب تجاه طهران، متهمينها بالتقاعس والتخاذل، وصولاً الى إتهامها بالمشاركة في عملية الإغتيال.
لم تقتصر ردود الفعل على جمهور الحزب، بل إن بعض المحللين “المنطقيين” المقربين منه، أشار إلى أن اللغة الديبلوماسية المتساهلة التي اعتمدتها إيران منذ تصعيد العدوان الأخير هي التي أدت إلى تمادي إسرائيل وصولاً الى اغتيال نصر الله، ومن ثم خليفته رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين.
ويرى هؤلاء المحللون، أن إيران موقنة بوجود فخ محكم لاستدراجها وتوريطها في حرب شاملة لا ترغب فيها قبل أسابيع من الانتخابات الأميركية، فهي تعوّل على استمرار الديموقراطيين في الحكم وتعتقد أن أي تصعيد في مستوى انخراطها في الصراع قد يؤثر على مزاج الناخب الأميركي ويعزز من فرص نجاح دونالد ترامب، وهو ما يضعها في معضلة حقيقية، بين عدم رغبتها في التصعيد الاقليمي وجدية التهديد الذي يواجه “حزب الله” بالنظر إلى اختلال توازن القوى مع إسرائيل وأن أي محاولة لتعديل هذا التوازن قد تؤدي الى استدراجه لحرب موسعة.
يجمع الخبراء العسكريون على أن كل الاستهدافات التي حققتها إسرائيل، تؤكد وجود “فجوات أمنية قاتلة” داخل الحزب، من خلال إختراقها الأمني والمخابراتي النوعي له بمختلف الوسائل والأساليب، التي سمحت بضرب أهداف “ذهبية” وهي قادة لا يوجدون باستمرار في مواقعهم، في مقدمهم نصر الله ثم صفي الدين، ما يعكس ضعفاً في الاجراءات الأمنية.
الخطير في موضوع الاستهدافات الاسرائيلية، وعلى وجه التحديد إغتيال نصر الله وصفي الدين، أن ثمة همس في أوساط “حزب الله”، بأن الإنكشاف الأمني يبدو أنه يتعلق في جانب أساسي منه بحلقة اتصالاته مع إيران.
وهذا ما كشفت عنه تسريبات بخصوص تنفيذ اغتيال نصر الله، بحيث وصلت معلومة توقيت اجتماعه في مقر “حزب الله” بنائب قائد فيلق القدس عباس نيلفروشيان. ولعل نقطة الاختراق جاءت من الجانب الايراني على الأرجح من خلال تتبع نيلفروشان نفسه. ولكن علم إسرائيل المسبق بموقع المقر ومدى عمقه لنحو 30 متراً تحت الأرض هو ثمرة عملية تراكم بيانات ومعلومات وفرتها شبكة عملاء على الأرض في محيط “حزب الله”، وهو ما أدى الى معرفة مواقع مهمة تتبع الحزب وخصوصاً العمق الذي تقع فيه تحت الأرض، بما يحدد استخدام قنابل بأوزان وقدرة تفجيرية معينة تضمن حتمية القتل حين الاستهداف.
وكان نصر الله ينفي مراراً وتكراراً وجود عملاء أو خرق بشري داخل “حزب الله” ويعزو الخروق التي تحدث باستمرار إلى أجهزة الاتصالات الحديثة التي تستخدم للتجسس أو التتبع، وليس لوجود عملاء لإسرائيل داخل جسم الحزب.
والأمر نفسه ينسحب على السيد هاشم صفي الدين، اذ ان المعلومات المسرّبة تشير الى أنه كان يجتمع مع وفد رفيع من الحرس الجمهوري، بهدف إعادة هيكلة قيادة الحزب ما بعد إغتيال نصر الله، ليتمكن من مواجهة التحديات الكبيرة التي يتعرض لها في هذه المرحلة.
إضافة إلى ذلك، يؤكد الخبراء أن عمليات الاغتيال التي وصلت إلى الأمين العام لـ “حزب الله”، تؤكد وجود اختراق أمني كبير جداً، لأن إسرائيل “لا يمكنها الوصول إلى هذا الكم من المعلومات من دون مساعدة أجهزة استخبارات عالمية تزودها بمعلومات تعزز بنك أهدافها”.
كذلك يعزو المحللون حجم الانكشاف الذي يعاني منه “حزب الله” على مستوى بنيته التنظيمية والقيادية إلى قتاله لسنوات في سوريا إلى جوار قوات إيرانية وسورية سهلة الاختراق والتعقب، ما سهل عملية كشف أنظمة عمله على المستوى الميداني، فضلاً عن كشف دائرة الاتصالات بين قادته، وبنية القيادة وتولي المسؤولية داخل الحزب. فكل من حارب في سوريا أصبح مكشوفاً من جانب إسرائيل على خلاف سنوات ما قبل قتال الحزب في سوريا، حيث كان محصوراً بمسرح عمليات غامض داخل الأراضي اللبنانية.
كما يؤكدون أن إسرائيل قد جنّدت شبكة عملاء تنتشر في مناطق سكن وإقامة عناصر الحزب وقياداته لترصد عن قرب تحركاتهم وترددهم على مختلف المناطق بما ساعد على مراكمة قاعدة بيانات ضخمة وخرائط تحركات تمثل بنكاً من الأهداف اللانهائية.
يظل المحدد الأهم في مدى استيعاب “حزب الله” للخسائر، هو الوصول بصورة سريعة الى مصدر الاختراق الذي يعاني منه، فهل هو قادر على ذلك بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت ببنيته القيادية والعسكرية؟
زياد عيتاني- لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|