هل تزول أسباب العجز مع تخريج عناصر جدد؟ مخافر الدرك في أسوأ حالاتها
وكأن الوقت توقّف في مخافر الدرك منذ أعوام. مبانٍ هرمة بحاجة إلى صيانة. معدات وتجهيزات مرّ عليها الزمن وأصبح من الضروري استبدالها. سيارات متروكة في المواقف تنتظر إعادة إحيائها. والأهم من كلّ ذلك نظارات تعجُّ بالموقوفين، وإلى جانبهم في الغرفة المجاورة، عنصرٌ واحدٌ يحرسهم ليلاً، إذا لم يغلبه النعاس. هذه حال العديد من مخافر الدرك في لبنان، وعدد العناصر بالإجمال يعاني من نقص مقلق.
منذ انتشار فيروس كورونا أخذ حضور مخافر الدرك بالانحسار وظيفياً، فقد ألقيت على عاتقه مهام وُصِفت بأنها ذات أولوية، أعاقت عناصره عن ضبط المخالفات الروتينية، حيث صبَّ رؤساء القطعات جهودهم على تسيير الدوريات وإقامة الحواجز المكثّفة لتطبيق قرارت وزارة الصحة وخلية الأزمة المركزية في حينها.
ومما زاد في الطين بلّة، بدء استفحال الإنهيار الإقتصادي، فكان سبباً في خفض الاعتمادات المخصصة للأجهزة الأمنية، ومنها وحدة الدرك الإقليمية، ما انعكس سلباً على جوانب عديدة، منها اللوجستية والبشرية. في حين كان التوظيف متوقفاً منذ العام 2019، عملاً بنصّ المادة 80 من القانون رقم 144 المتعلق بالموازنة العامة للعام 2019.
يقول مصدر في وحدة الدرك الإقليمية لـ "نداء الوطن" إن "وضع المخافر بات مأسوياً بكل معنى الكلمة، فهناك مبانٍ عديدة لم تعد تصلح للإقامة، وهنا لا نقصد الطلاء الداخلي أو المفروشات أو علامات الترف، إنما السطوح والجدران المتشققة، التي يتسرب منها المطر شتاءً. وخزّانات المياه الحديدية التي أرهقها الزمن، فاهترأت لتطلق ماءها على السطح. أما "مدافئ الشتاء"، فلم تُستبدل منذ أكثر من عشرة أعوام، فباتت تنشر الدفء والدخان معاً. ثم السيارات العسكريّة المعطّلة، التي تقبع بجانب المخافر في انتظار برقيات الموافقة على نقلها الى المرأب المركزي. لكن التصليح مقتصرٌ على الأعطال البسيطة، أما المكلفة منها فمتوقفة".
ويتابع، "كانت البلديات تموّل التجهيزات الضرورية، لكنها اليوم باتت عاجزة عن تمويل أبسط احتياجاتها. البعض منها ما زال يتبرع بالقرطاسية وببعض اللوازم، وفي كثير من الأحيان نستعين ببعض المتمولين المحليين، أو نشتريها على نفقتنا الخاصة".
هذا في ما خصّ التجهيزات اللوجستيّة، أما الجهاز البشري فيعاني أيضاً، حيث يقول المصدر نفسه: "بات العنصر الواحد يستلم أكثر من مهمة، ففي حين كانت التعليمات تقضي بأن يستلم كلّ منهم مهمة واحدة، كرتيب تحقيق، أو عامل برقيات، أو حارس أو غير ذلك، بات ينفذ أكثر من عمل، أو حتى كل تلك الأعمال مجتمعة بسبب النقص في العديد".
نقص في العناصر
مصدر مسؤول في قوى الأمن الداخلي قال "إن النقص في عديد المخافر يعود إلى أعوام عدة، وذلك بسبب الأزمات المتتالية، كفيروس كورونا والأزمة المالية. ثم انخفاض العديد بنسبة تفوق الـ 10في المئة للأسباب التالية: وقف التطويع، الإحالة الى التقاعد لبلوغ العناصر السنّ القانونية، والتخلّف عن الالتحاق بالخدمة بسبب الأوضاع الاقتصاديّة، لكننا حالياً بدأنا نشهد عودة البعض منهم إلى الخدمة. وأخيراً، تغيير نمط الخدمة نظراً للأوضاع الصحية (كورونا) والاقتصادية (انهيار قيمة الرواتب)، لكنّ هذا النظام يتحسّن تدريجياً مع زوال الأسباب الصحيّة وتحسّن الرواتب".
من أجل زيادة عدد العناصر، يقول المصدر نفسه، "إن المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي تقوم بتدريب حوالى 800 عنصر جديد في المعهد، سيتخرجون خلال شهرين ونصف. كما عمدت إلى استبقاء العناصر بعد بلوغهم السنّ القانونيّة للتقاعد بموجب مراسيم، تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء".
في حين نفى أن تكون حماية الشخصيات سبباً في هذا النقص، كون "الحماية هي أصلاً من مهام قوى الأمن الداخلي، كما أن المديرية العامة، بالتنسيق مع السلطات المختصّة، عمدت إلى تخفيض العديد المخصّص لهذه المهمات وإبقائه بالحدّ الأدنى المناسب".
أما عن التبرعات العينية للمخافر، فيقول "إنه لا مانع من تأمين حاجات المخافر بالطرق القانونية، كون هذه التبرعات والأعمال تتمّ بالتنسيق مع الرؤساء تبعاً لحجمها وقيمتها ونوعيتها وفقاً لأحكام القانون والتعليمات النافذة، فكلما ارتفعت القيمة أو المواصفات، أصبحت بحاجة إلى موافقات من سلطات أعلى".
البلديات حاضرة للمساعدة
يرى رئيس بلدية عماطور، النقيب المتقاعد في قوى الأمن الداخلي وليد أبوشقرا، أن ثمانمئة عنصر جديد، عدد لا يكفي لسدّ حاجة قوى الأمن الداخلي اليوم، فالنقص أكبر والحاجة ملحّة أكثر، لتتمكّن من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.
ويتابع "أن البلدية، وبسبب إمكاناتها البشرية المقبولة، تساعد القوى الأمنية كافة في مهمات الأمن وضبط المخالفات ضمن نطاقها العقاري. وتتحرّك بالتنسيق المسبق مع الجهازين القضائي والأمني المعنيين بكلّ مخالفة، وقد نفّذت- وما زالت- مهمات عديدة، إمّا بالمؤازرة أو بتحرك عناصر شرطة البلدية منفردين لضبط الأمن وتسليم المخالفين مهما كانت صفتهم الجرميّة. من واجبات البلديات مساندة العناصر الأمنية في مهماتها ضمن نطاقات كلّ منها، وأي تقاعس من أي بلدية كانت، يحمّلها المسؤولية المعنوية أمام المجتمع المحلي، أو حتى المسؤولية القانونية في بعض الحالات. لذلك يدعو رؤساء البلديات لمساعدة الأجهزة الأمنية في مكافحة الجريمة، حتى لو اضطروا للاستعانة بالموظفين الإداريين من خلال تكليف رسميّ يُصدره رئيس البلدية".
أما في ما خصّ نقص تمويل المخافر، فبرأيه "أنها فترة صعبة تمرّ على لبنان بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية، ولا بدّ من التكاتف، لذلك لم تنقطع بلدية عماطور يوماً، حتى في أحلك ظروف الأزمة، عن مساندة كلّ من يطلب حاجة من مخافر الدرك، وليس فقط المخفر المسؤول عن أمن البلدة، لكن ضمن الإمكانيات المتاحة".
من خلال تجربته كضابط سابق في قوى الأمن الداخلي يرى أبو شقرا "أنه لا يمكن تحسين وضع الدرك الإقليمي إلا بزيادة عدد عناصره، وبتأمين التجهيزات اللازمة من سيارات وعتاد ولوازم، ليتمكن من إتمام المهمات الموكلة إليه. وبرأيه يمكن تأمينها من خلال هبات دولية أسوة بالجيش اللبناني".
المخافر، هي السلطة الأمنية الأقرب إلى الناس، يُطمئنُهم حضورها، فلا تجعلوها مغيّبة عن تلبية نداءاتهم قسراً.
عبدالله عبد الصمد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|