الصحافة

"حزب الله" يترنّح: تسليم وسلام واستسلام؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

من يراقب "حزب الله" اليوم يسمع الكثير من الصراخ. ولكنّه صراخ لا يعبر عن قوة لتخويف الآخرين، بل عن معاناة وضعف وخوف، وعن مواجهة وضع صعب يستوجب منه اتخاذ قرار صعب. فهل يبادر إلى اتخاذ هذا القرار بتسليم سلاحه والعيش بسلام؟ أم يتحول هذا السلاح الذي لا يزال يخزّنه إلى مشكلة له قبل غيره؟ إذا كان لم يستخدم هذا السلاح منذ موافقته على اتفاق وقف النار، على رغم الاعتداءات الإسرائيلية عليه، وإذا كان لم يستخدمه لنجدة إيران خلال حرب الإثني عشر يومًا، فلماذا يريد أن يحتفظ به ويقاتل من أجل عدم نزعه؟ ولماذا يضع نفسه بين خياري التسليم والاستسلام؟

يواجه "حزب الله" اليوم وضعًا مماثلًا لما واجهه قبل اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024. وهو مستمر في مسار انحداري لا يعرف كيف يضع له حدًّا، وكلما هبط مرحلة يدخل في مرحلة أصعب وتصبح خياراته أضيق وتكاليفها أكبر.

عندما دخل في حرب الإسناد أو المساندة، بعد عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها "حركة حماس" في قطاع غزة في 7 تشرين الأول 2023، لم يكن يدرك مخاطر تلك المشاركة. كان أمينه العام السيد حسن نصرالله لا يزال ممسكًا بكل سلطة القرار وبكل عنفوانه المبني على نظرية تهديد الكيان الإسرائيلي وإزالته من الوجود، والقدرة على ردعه واستهداف أي موقع داخله. وكان يفاخر بقدراته العسكرية وبتصنيع الصواريخ والمسيرات وبـ "الهدهد" الذي كان يصول ويجول في الأجواء الإسرائيلية عائدًا بصور حيّة لمواقع إسرائيلية. وكان أكثر من ذلك يهدّد باقتحام شمال إسرائيل وبتحرير الجليل على غرار ما فعلته "حماس" في غزة. ولكن الحسابات خالفت التمنيات والتوقعات. منذ بدأ "الحزب" حرب المساندة ربّما كان مدركًا لخطورة المشاركة فيها بالتوازي مع خطورة عدم المشاركة. وعلى مدى 11 شهرًا دفع ثمنًا باهظًا من دون أن تكون لديه القدرة على الردع أو تحقيق أي توازن مع إسرائيل التي تفوّقت عليه بكل مجالات المعركة سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا ولوجستيًا.

الهروب من الحرب إلى وقف النار

 لم يكن هذا كل ما تخبّئه إسرائيل. لأنّ المعركة الجدية بدأت في 17 أيلول مع تفجيرات البيجر التي أظهرت مدى الاختراق الذي حقّقته داخل "حزب الله"، ثم باغتيال أبرز قادته العسكريين، وتدمير جزء كبير من ترسانته العسكرية ومخازنه وصواريخه ومسيراته، واغتيال السيد حسن نصرالله في 27 أيلول 2024، واغتيال الأمين العام الذي خلفه السيد هاشم صفي الدين في 3 تشرين الأول، قبل أن تبدأ الهجوم البرّي وتحتلّ شريط قرى المواجهة جنوب نهر الليطاني.

تجاه هذا الواقع كان على "الحزب" أن يوافق على اتفاق وقف النار لأنه وجد فيه مدخلًا لإنقاذ ما تبقى ولالتقاط أنفاسه والحدّ من الخسائر وتجنّب الهزيمة الكاملة. كان "الحزب" يراهن على أن هذا الاتفاق يوقف الحرب ليتمكّن لاحقًا من التنصّل من التزاماته. وهذا ما حاول أن يفعله لاحقًا من خلال مواقف أبرز ممثليه السياسيين وأمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم. ولكن "الحزب" كان يقف أمام مواجهة قدر من الهزائم لا حدود لها بحيث بدا أنه وصل اليوم إلى مواجهة ما حاول أن يتهرّب منه.

الرهانات الخاسرة ليست لعبة حظّ

راهن "الحزب" على أنّه يمكنه أن يعيد بناء قدراته العسكرية والأمنية وبنيته التنظيمية السياسية والعسكرية من خلال الخط المفتوح بين طهران وبيروت عبر سوريا. ولكنّه سرعان ما تفاجأ بسقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول ليصبح أضعف وبلا حماية وبلا ظهير.

راهن الحزب أيضا على دعم يأتي من الحوثيين في اليمن. ولكن رهانه كان خاسرًا أيضا بعد دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط المعركة واستهداف الحوثيين قبل أن تتابع إسرائيل هذه المهمة.

الأمر الذي أدّى إلى "استسلام" الحوثيين، كما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وصفه لموافقتهم على وقف النار الذي أخرجهم عمليًا من المعركة. حتى أنّهم، كـ "الحزب"، لم يسارعوا إلى نجدة إيران.

ربما لم يراهن "الحزب" على دعم يأتي من الحشد الشعبي في العراق لأنّ النظام العراقي أخرجه من القدرة على التدخل في الحرب الكبرى وحَيَّده، ولكن من دون أن يقطع خط الإمداد الذي انقطع تلقائيًا بعد هروب بشار الأسد إلى روسيا. ولكن "الحزب" ربما لم يتوقّع أن تكون الحرب ضد إيران بهذه الشراسة وبهذه الفعالية. كانت هناك حسابات بأن إسرائيل تواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى إيران واستهداف مواقع تخصيب اليورانيوم والبرنامج النووي. وكانت هناك حسابات راسخة أكثر بأن واشنطن لن تغامر وتدخل هذه الحرب وأنّ نظام ولاية الفقيه في إيران يمكنه أن يبقى ويستمرّ وأن يمدّ "حزب الله" بالمال لكي يبقى ويستمرّ ممسكًا ببيئته الحاضنة، ومع الوقت يمكنه أن يمدّه بالسلاح بطرق مختلفة. هكذا يكون "الحزب" أثبت أنّه لم يمت وأنّ إسرائيل لم تستطع أن تقضي عليه وأنه أفشل مخططاتها، تبعًا لما دأب الشيخ نعيم قاسم على الإعلان عنه، "انتصرنا لأنّهم لم يقضوا علينا".

نسخة طبق الأصل

 ما قامت به إسرائيل في إيران كان نسخة طبق الأصل عمّا قامت به ضد "حزب الله" في لبنان، مع الفارق الكبير في القدرات العسكرية المتوفرة للوصول إلى أهدافها المحدّدة في إيران. إيران نفسها كانت متفاجئة بهذه القدرة وبهذا الاختراق الأمني الذي مكّن إسرائيل من تنفيذ سلسلة اغتيالات لقادة عسكريين ولخبراء نويين وللمواقع النووية. وأكثر ما فاجأ إيران و"الحزب" دخول القاذفات الاستراتيجية الأميركية على الخط وقيامها بتدمير ما عجزت إسرائيل عن تدميره. بعد 12 يومًا فقط اضطرّت إيران إلى تجرّع "كأس السمّ" مرة جديدة، والموافقة على اتفاق وقف النار الذي قال عنه ترامب إنه "استسلام كامل وإذعان"، تمامًا كما وافق "حزب الله" على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024 الذي قال عنه أتباع له إنه كان اتفاق إذعان.

اليوم يقال إنّ ما قبل حرب إيران ليس كما بعدها. فعلى ماذا يمكن أن يراهن "حزب الله" بعد؟ إذا كان صار عاجزًا عن استخدام ما تبقى لديه من أسلحة فلماذا يصرّ على الاحتفاظ بها؟

بات "الحزب" اليوم محاصرًا بين مطالب واشنطن التي حملها السفير توم برّاك، وتنص على التوازي بين الانسخاب الإسرائيلي وبين تسليم سلاحه، وبين التهديد الآتي من إسرائيل باستئناف حرب التصفية، والتهديد الآتي من دمشق مع النظام الجديد المعادي له ولطهران. ولذلك عليه أن يقرّر بسرعة. لا يمكنه أن يقنع العالم بما يقوله أمينه العام: "لاقونا حتى تشوفوا كيف منربح. انشالله مفكرين نحنا متلكم منحسبها عالقلم والورقة. لأ. نحنا منقول: نقوم بواجبنا. نقف في الميدان. ندعو الله تعالى ونتوكّل عليه ليرسل ملائكته معنا وننجح بإذن الله".

لا يمكن لـ "الحزب" أن يتّكل على الملائكة. هو يدرك أن سقوط سلاحه يعني سقوط الهالة التي تمتّع بها داخل بيئته، وأنّه يشبه سقوط جدار برلين الذي أنهى الاتحاد السوفياتي وغيَّر خريطة أوروبا.

ويشبه أيضًا سقوط نظام صدّام حسين الذي غيّر خريطة الشرق الأوسط. وبالتالي سقوط هذا السلاح، مع البرنامج النووي الإيراني، سيكون مدخلًا إلى تغيير جديد في خريطة المنطقة. وهو يدرك أنّ هذا السقوط سيعني حتمًا سقوط جدار سياسي كبير كان بناه خلف جدار ترسانته العسكرية والأمنية وسيفتح الباب أمام تجرؤ البيئة التي كانت حاضنة له عليه. وهو لذلك يستشرس في موضوع مقاربة استحقاق الانتخابات النيابية في أيار 2026 حتى لا يخسر في السياسة كما خسر في الأمن والعسكر والسلاح والحرب. 

نجم الهاشم - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا