إيران في عين العاصفة القرار الأصعب للنظام خلال أسابيع
مع وصول دونالد ترامب إلى الحكم مرة أخرى، تبدو إيران في مواجهة مرحلة حاسمة مليئة بالتحديات التي قد تغيّر شكل المنطقة وطبيعة النظام الإيراني نفسه. فالمعادلة التي تواجهها طهران اليوم باتت واضحة: إما القبول باتفاق نووي جديد يُجردها من تقنيات نووية متقدمة، ويفتح أسواقها أمام الشركات الأميركية، أو مواجهة ضربة عسكرية بالتنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
سياسات ترامب تجاه إيران: خليط بين التهديد والديبلوماسية
منذ وصوله إلى الحكم للمرة الثانية، يضع ترامب إيران في مركز استراتيجيته الخارجية في الشرق الأوسط، معتمداً على سياسة الضغط الأقصى -النسخة المعدلة 2. الرئيس الذي انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، يصر اليوم على تقديم خيارين لإيران فقط لا غير: إما التفاوض على اتفاق نووي جديد بشروط صارمة تشمل تفكيك جزء كبير من بنيتها النووية، وفتح أسواقها للشركات الاميركية، أو مواجهة ضربة عسكرية تستهدف مواقعها النووية والبنى التحتية الاستراتيجية.
وفي تصريحاته المتكررة، كان ترامب يربط بين الخيار العسكري والحرص على عدم تحويله إلى "حرب شاملة". فهو يدرك جيداً أن أي تصعيد كبير مع إيران قد يؤدي إلى تورط طويل الأمد في المنطقة، وهو أمر لطالما سعى إلى تجنبه. ومن جهة أخرى، يبدو أنه يستفيد من تقاطع المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، خصوصاً فيما يتعلق بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
موقف روسيا: بين الحذر والمصلحة المشتركة
على الرغم من العلاقات القوية التي تجمع إيران بروسيا، إلا أن موسكو تنظر بحذر إلى الطموحات النووية الإيرانية. فإيران، التي تعتبرها روسيا جزءاً من أمنها القومي ونفوذها الإقليمي، قد تشكل تهديداً محتملاً إذا امتلكت السلاح النووي، خصوصاً في حال حدوث تغيير سياسي داخلي يؤدي إلى تحول النظام الإيراني بعيداً عن التحالف مع روسية.
تاريخياً، دعمت أميركا ايران لتطوير برنامج نووي سلمي في عهد الشاه محمد رضا بهلوي تحت مظلة “تسخير الذرة من أجل السلام” التي أطلقها الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور ، وصولاً إلى القطيعة التامة بعد الثورة الإسلامية عام 1979. ومنذ ذلك الحين، اقتربت إيران من روسيا، وأصبحت جزءاً من تحالفات معادية للنفوذ الغربي.
ومع ذلك، تدرك موسكو أن حصول إيران على سلاح نووي قد يهدد مصالحها الاستراتيجية، ويعقد علاقتها مع الغرب، ويجعلها عرضة لتحولات غير متوقعة في المنطقة. لذلك، قد تتقاطع المصالح الروسية مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في منع إيران من تجاوز العتبة النووية.
سقوط النظام السوري: خسارة استراتيجية لإيران
إلى جانب التحديات النووية، تواجه إيران واقعاً جديداً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان حجر الزاوية في نفوذها الإقليمي. فمنذ عام 2011، استثمرت إيران بشكل كبير في دعم النظام السوري، وصل لحدود ديون إيرانية لسوريا بين 30 الى 50 مليار دولار ومع ذلك، فإن انهيار النظام يعني فقدان إيران لقاعدة استراتيجية تسمح لها بتوسيع نفوذها وصولاً إلى حدود إسرائيل، كما أنه يضعف علاقته اللوجستية والمالية كثيرا بحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين.
الداخل الإيراني: تصاعد المعارضة وتحديات النظام
على الصعيد الداخلي، تواجه إيران أصعب اختباراتها منذ الثورة الإسلامية. فمع تزايد العقوبات الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي للمواطنين، أصبحت الأصوات المعارضة للسياسات الخارجية للنظام أكثر قوة وجرأة. وهناك تيارات داخلية، حتى بين أوساط المحافظين، تدعو إلى مراجعة السياسة الخارجية، والابتعاد عن المحاور الإقليمية المكلفة، والتركيز على تحسين الاقتصاد الإيراني من خلال الانفتاح على الغرب.
هذه الأصوات المعارضة ترى أن الاستمرار في النهج الحالي قد يؤدي إلى عزلة أكبر لإيران، وزيادة الضغط الخارجي، وربما تهديد وجود النظام نفسه. وفي ظل هذه الظروف، تجد القيادة الإيرانية نفسها أمام خيارين: إما القبول بتقديم تنازلات كبيرة في الملف النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وفتح أسواقها، أو الاستمرار في سياساتها الحالية مع تحمل مخاطر مواجهة عسكرية قد تكون مدمرة.
تقاطع المصالح الدولية: الفرصة والتهديد
اللافت أن هناك تقاطعاً بين المصالح الأميركية والإسرائيلية والروسية بشأن الملف النووي الإيراني. فبينما تسعى واشنطن وتل أبيب إلى منع إيران من امتلاك السلاح النووي كأولوية استراتيجية، تشارك موسكو هذا الهدف، ولكن لأسباب مختلفة، ترتبط بالحفاظ على استقرار المنطقة ومنع ظهور قوة نووية جديدة قد تكون غير متوافقة يومًا مع مصالحها.
ومن هنا، قد تجد إيران نفسها أمام عزلة غير مسبوقة، حيث تفقد الدعم الروسي في حالة تماديها في تطوير برنامجها النووي، بينما تواجه ضغوطاً عسكرية وسياسية من الولايات المتحدة وإسرائيل.
خيارات إيران: قرارات تاريخية
إيران اليوم أمام مفترق طرق تاريخي قد يحدد مستقبلها لسنوات طويلة. الخيار الأول يتمثل في القبول باتفاق نووي جديد بشروط قاسية، يضمن لها رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة الاندماج في النظام الدولي، ولكنه يعني في الوقت نفسه التخلي عن أحد أهم مشاريعها الاستراتيجية. أما الخيار الثاني، فهو التمسك بمواقفها الحالية، مع تحمل مخاطر العزلة الدولية والضربات العسكرية المحتملة.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن النظام الإيراني قد يضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة جدًا، خصوصاً إذا استمر الضغط الداخلي والدولي. فالرهانات الكبيرة على الملفات النووية والإقليمية قد تؤدي إلى نتائج كارثية إذا لم يتم التعامل معها بحكمة وواقعية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|