الصحافة

سقوط مفاعيل 12 أيلول 2001... سوريا مدخلاً

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في ليلة من ليالي خريف العام 2012، وفي أحد الفنادق الكبرى حيث كان يُعقد مؤتمر دولي حول المنطقة، وخصوصاً حول إيران واحتمال عقد اتفاق نووي معها، جاء مقعدي إلى جانب السفير الأميركي السابق في أفغانستان والكويت ولبنان وباكستان والعراق، رايان كروكر. والسفير كروكر حينها، كان من المتحمّسين لعقد اتفاق مع إيران بناء على سابقة تعاون بينه وبين الإيرانيين وقائد فيلق القدس السابق، الجنرال قاسم سليماني تحديداً.

حدّثني كروكر عن القناة التي فتحها قائد فيلق القدس مع الولايات المتحدة الأميركية من خلاله شخصياً، وقال إنّ سليماني كان متحمّساً جداً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 لضرب طالبان، العدو المشترك لواشنطن وطهران، بل قدّم سليماني للأميركيين خرائط لمواقع يجب ضربها في إطار هذا التعاون. ولكن ما لبثت العلاقة بين الطرفيْن أن توتّرت في شهر كانون الأوّل من العام 2002، حين أدلى الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش الابن،

بخطاب تحدّث فيه عن محور الشر مصنّفاً إيران ضمنه. وبعد سنتيْن، خلال اجتياح العراق، العدو الثاني للبلديْن، بل قبل ذلك حتى، ساهم عراقيون في إعادة فتح القنوات بين البلديْن. وحين عاد كروكر إلى العراق لتأسيس مجلس الحكم، راعى الموقف الإيراني من خلال تمرير أسماء مرشحين ورفض تعيين من رفضهم سليماني. اعتبر كروكر حينها، أي في العام 2003 وبعدها حين التقيته بعد عقد من الزمن، أنّ الحوار الأميركي-الإيراني وتقاطع مصالح

البلديْن على ضرب أعدائهم المشتركين ضرورة وبراغماتية سياسية. وبعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين في نيسان العام 2003، خاضت المجموعات المسلّحة الشيعية حملات تنكيل وانتقام من أركان ومؤسسات النظام السابق، وكان كروكر يعلم أنّ سليماني هو مَنْ أسس ودرّب وموّل قوات بدر التي قاتلت الجيش العراقي إلى جانب الجيش الإيراني خلال الحرب العراقية-الإيرانية. وكان يعلم أنّ إيران اتخذت موقفاً عدائياً من القوات الأميركية وبدأت تفخخ

لقوافلها بعبوات إيرانية الصنع عام 2004 مستعينة بخبرات حزب الله بإشراف عماد مغنية تحديداً. وحين اندلعت حرب تموز في العام 2006، عمل الإيرانيون بكامل طاقتهم على إيقافها حرصاً على الحفاظ على قوة حزب الله، التنظيم الأهم لبنانياً وإقليمياً. وآنذاك، كانت إيران تعتقد أنّ الدور سيأتي عليها، فعمدت على تعزيز حضورها ونفوذها في كلّ من العراق وسوريا واليمن والبحرين. وما إن بلغت الرياح سوريا حتى دخلت طهران بقضها وقضيضها

دعماً للنظام هناك، من خلال حزب الله أولاً، ودخول الإيرانيين ثانياً، وطلب التدخل الروسي ثالثاً، وصولًا إلى وضع إطار سوتشي عام 2016 الذي ضمّ إيران وروسيا وتركيا من أجل العمل على إيقاف الأعمال العسكرية الكبرى في سوريا. من جانبها، كانت الولايات المتحدة حريصة على عدم كسر إيران وعلى تقليم أظافر العرب "العروبيين" من جهة، وعلى ضرب الإسلام السني السياسي من جهة أخرى بعد هجمات أيلول.

الزلزال الحقيقي الأوّل في الشرق الأوسط والعالم العربي جاء ارتداداً لأحداث أيلول 2001، وقد تمثّل بغزو العراق الذي أدّى إلى سقوط النظام فيه إلى فراغ أمني غير مسبوق ترافق مع اجتثاث البعث. وهذا ما أجج التوترات الطائفية وعزّز النفوذ الإيراني بشكل غير مسبوق في المنطقة.

الهزات عادت في العام 2011 مع الربيع العربي، فحصلت انهيارات كبرى أدّت إلى سقوط أنظمة وتفكيك بنى دول بحدّ ذاتها واندلاع حال من الفوضى امتدّت من شمال أفريقيا إلى مصر واليمن وسوريا. ارتعب العديد من الأنظمة العربية من صعود نفوذ الإسلام السياسي واتّخذ الخليج برمته موقفاً عدائياً من هذه التطورات، فساهم بشكل فعّال في سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر في العام 2014 وتحجيمهم في اليمن، والأردن، وسوريا، وتونس

والمغرب. أمّا إسرائيل، فاتخذت موقفاً ثابتاً برفض أيّ تغيير ورفض إعطاء أيّ فرصة لنجاح أيّ حركة تغيير وخصوصاً في سوريا. وفي هذا السياق، يُفهم تماماً سبب مسارعتها إلى ضرب ما طالته آلة حربها من معدّات

ومستودعات ومطارات للجيش السوري بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بسب عدم يقينها من موقف وخطوات النظام الجديد ناحيتها. إذ يؤشّر تموضع أربعة ألوية في سوريا إلى عدم اطمئنان إسرائيل للنظام قيد

التشكيل، بخلاف الاطمئنان للنظام السابق، خصوصاً مع حصول اتفاق مع الروس حول ربط النزاع مع الأسد. وفي هذا الإطار، يندرج تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، حول عدم استقرار سوريا، وتحذيره من "العصابة التي تحكم دمشق" ومن خطورة سيطرة التنظيمات الإسلامية.

لم تأتِ الاتصالات والزيارات العربية والأجنبية لدمشق، عاصمة الأمويين الدهاة، من فراغ، إذ كان أداء أحمد الشرع، القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام، ابن الاثنيْن والأربعين ربيعاً، مدهشاً لناحية التعاطي مع الفصائل المعارضة

والمكوّنات السورية من جهة، والمجتمع العربي والدولي من جهة أخرى. كأن الرجل مارس السياسة الواقعية منذ عقود وكأن خبرته في الحكم طويلة ومتمرّسة. فيتبنّى الرجل، الذي كان بالأمس القريب رمزاً للتطرف الديني، لغة وطنية شاملة وجامعة لضمان استقرار داخلي ووحدة الأرض والشعب واحتواء الإقليم المتفجر.

مَنْ استمع لكلام الشرع عندما استقبل رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، يدرك أنّ أداء الرجل فيه حكمة ظاهرة وأنّه مطلع على تاريخ المنطقة عن كثب وقادر على القيادة في حقل الألغام السياسي بشكل

محترف، وأنّه كما نُقل عن لسان الوفد الاميركي براغماتي من الطراز الأوّل. ومن المؤكّد أنّ الكلام لا يكفي لإقناع أحد، بل الأفعال التي ستأتي تباعاً لتؤكّد أو تنفي صدقيّته. وإلى حدّ الآن، لم يحصل صدام يُذكر بين مكوّنات الشعب السوري، وقد عمد الشرع إلى العمل على توحيد سوريا المتوزعة بين أقانيم ثلاث، بحيث سارع إلى فتح كل القنوات مع الأكراد لاستيعابهم.

كثرٌ يرغبون في عدم استقرار سوريا، أوّلهم إسرائيل، وثانيهم إيران، وثالثهم كلّ متضرّر من نظام إسلامي، ورابعهم مَنْ يخشى رؤية تركيا في موقع نفوذ في المشرق العربي. وفي ذلك خطورة كبرى على الاستقرار في سوريا

ولبنان والمنطقة. حملت أحداث السابع من تشرين الأوّل 2023 في غزة ثم في لبنان، والردّ الإسرائيلي الوحشي المتواصل منذ أكثر من سنة، في طيّاتها تحوّلات كبرى في الإقليم. ومع سقوط نظام الأسد، فُتح الباب أمام إضعاف نفوذ إيران التي تحكّمت بعواصم أربعة طيلة عقديْن من الزمن. وفي ظل هذه التطوّرات البارزة، تبدو الفرص متاحة اليوم لإرساء توازن إقليمي دقيق، يجنّب المنطقة صدامات ونزاعات ولا يمنع فيها المنافسة الطبيعية. إلاّ أنّ بلوغ

هذه المرحلة يحتاج إلى موقف عربي مسؤول ومتيقّظ لأطماع إسرائيل وشعورها بفائض القوة، ومصالح تركيا المتزايدة، ونفوذ إيران المجروحة، إلى روسيا التي تتوجس مما يجري حوّلها في أوروبا وحول مصالحها في سوريا، موقف عربي من شأنه عكس مفاعيل أحداث الحادي عشر من أيلول2001، والتمهيد لعودة الانتظام إلى العلاقات العربية-العربية والعربية-الإقليمية والدولية.

أحداث أيلول العام 2001 أخرجت العرب من المعادلة إلى حد كبير ووضعت المنطقة تحت وزر ضغوط غير مسبوقة نجح الخليج في عدم الانزلاق إليها، إلا في اليمن وحولها. فهل تمهّد سوريا لعودة للعرب إلى الواجهة أو تتولى تركيا بسط نفوذها كما كانت تفعل إيران لكن بأداء مختلف ووجه تنموي اقتصادي بدل الوجه العسكري؟

خلدون الشريف - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا