ما السبب الفعلي لإسراع الرئيس القبرصي إلى لبنان؟
كان لافتاً أنّ أول رئيس زار رئيس الجمهورية جوزاف عون بعد انتخابه الخميس الماضي، هو نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس، الذي التقى عون يوم الجمعة الفائت في قصر بعبدا... ولم تصبّ زيارته الرسمية هذه لنظيره اللبناني في إطار أنّ بلاده هي دولة مجاورة للبنان، ومن الطبيعي أن تُسرع الى التهئنة، ولا فقط في إطار توجيه الدعوة الى الرئيس عون لزيارة قبرص والمشاركة في اجتماع المجلس الأوروبي على مستوى الرؤساء في بروكسل في آذار المقبل، إنّما لما تنتظره قبرص من الرئيس الجديد خلال المرحلة المقبلة. فاتفاق ترسيم الحدود البريّة بين لبنان وقبرص لا يزال منقوصاً، الأمر الذي يمنع الجزيرة من القيام بعمليات التنقيب عن النفط والغاز في بلوكاتها البحرية.
وإنجاز ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، يتطلّب بالدرجة الأولى أن يكون للبنان رئيس للجمهورية، كون توقيع الإتفاقيات الدولية تدخل ضمن صلاحيات الرئيس الدستورية. وتقول مصادر سياسية مواكبة للموضوع القبرصي، بأنّه سبق وأن حاولت الجزيرة مراراً في عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون تمرير استكمال ترسيم الحدود مع لبنان، غير أنّها لم تُفلح. وكانت بدأت الدولة اللبنانية بالمبادرة الى ترسيم حدودها البحرية مع قبرص وسوريا و"إسرائيل" في العام 2002. وفي العام 2007 وقّع لبنان مع قبرص إتفاقية لترسيم الحدود البحرية، اعتمد فيها خط الوسط. كما حصل تراجع عن الحقوق اللبنانية بين النقطتين 1 جنوباً و6 شمالاً. ولم يلبث خبراء من الجيش اللبناني أن قاموا بتعديل نقطة الحدود الجنوبية، فعدّلوا النقطة 1 بالنقطة 23.
ومن ثمّ أودع لبنان الأمم المتحدة وقبرص إحداثيات حدوده البحريّة المعدّلة، غير أنّ قبرص بادرت الى توقيع إتفاق ترسيم بحري مع "إسرائيل" في العام 2010، انطلاقاً من النقطة 1 بدلاً من النقطة 23، الأمر الذي جعل "إسرائيل" خلال عملية ترسيم حدودها مع لبنان تعتمد هذه الأخيرة، وتضمّ مساحة لا تقلّ عن 860 كلم2 من المنطقة الإقتصادية البحرية الخالصة للبنان. ما أدخل لبنان بعد ذلك في مسألة النزاع على الخطوط 1 و23 و29. علماً بأنّ الحكومة اللبنانية أصدرت في العام 2011 المرسوم الرقم 6433 الذي تضمّن حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة مع سوريا وقبرص و"إسرائيل".
وبعد توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" بوساطة أميركية، قادها الوسيط آموس هوكشتاين في 27 تشرين الأول من العام 2022، على ما أضافت المصادر، عادت قبرص للمطالبة باستكمال ترسيم الحدود معها. مع العلم بأنّ الإتفاق القبرصي – "الإسرائيلي" سمح لـ "إسرائيل" بالدخول الى لبنان، رغم أنّها كانت في كلّ عملياتها وخرائطها تعتمد الحدود نفسها التي يعتمدها لبنان. ونظرياً لم يكن هناك مشكلة حدودية بحرية بين الجانبين، غير أنّ "إسرائيل" عمدت الى الدخول الى لبنان عندما سنحت لها الفرصة، نتيجة الخلل اللبناني في بتّ الإتفاق بسرعة.
وتريد قبرص من خلال زيارة رئيسها الى لبنان في اليوم الثاني لانتخاب رئيس الجمهورية، على ما تؤكّد المصادر، الى جانب العمل على اتفاق استراتيجي وشامل بين الإتحاد الأوروبي ولبنان، بحسب ما أعلن الرئيس القبرصي، كما فعلت الجزيرة مع مصر والأردن، إبرام الإتفاقية مع لبنان. هذه الأخيرة التي توقّفت نتيجة اعتراض تركيا، على اعتبار أنّ الإتفاقية تستثني قبرص التركية منها، ولأنّ لبنان لم يشأ تعكير علاقاته مع تركيا آنذاك، ما أدّى الى إيقاف متابعة الإتفاقية. ولأنّه كان يُفترض عقد إتفاقية ثلاثية، حالت الحرب دون إنجازها، حصلت إتفاقيات مزدوجة الأولى بين لبنان وقبرص، والثانية بين قبرص و"إسرائيل"، والثالثة بين لبنان و"إسرائيل". لهذا تُطالب قبرص اليوم بإعادة درس الإتفاقية مع لبنان بهدف إبرامها، بعد أن عقد لبنان اتفاقية الترسيم البحري مع "إسرائيل" منذ سنتين.
وعلى الصعيد العملي والتقني، تقول أوساط ديبلوماسية في هذا السياق، إنّ هناك مسافة نحو 100 متر بين الخط اللبناني 23 والخط القبرصي 4. كما أنّ الإتفاق الذي عقده لبنان مع "إسرائيل" ليس كاملاً، إذ يحتاج الى موافقة قبرص لتعديل اتفاقها البحري مع "إسرائيل" في العام 2010، بحيث يبدأ الخط البحري المشترك للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع "إسرائيل" بالنقطة 23 التي تقع على بعد بضع مئات من الأمتار من النقطة 4. أمّا المرسوم 6433، فقد أضاف نقطة واحدة مع قبرص وهي النقطة 7، ويُمكن اعتبارها نقطة ثلاثية بين قبرص ولبنان وسوريا، وفق المرسوم. غير أنّ سوريا لم تقبل بالنقطة 7 الثلاثية، ولم تُوافق بالتالي على الخط البحري اللبناني- السوري من المرسوم (من النقاط 7 الى 17). وأعلنت سوريا اعتراضاتها هذه لدى الامم المتحدة. لكن لا يوجد حتى الآن أي إتفاق بين قبرص ولبنان وسوريا، ولا بين لبنان وقبرص و"إسرائيل"، الأمر الذي يفرض على لبنان إنجازهما لما فيه مصلحته في إعادة تسيير عمليات التنقيب واستخراج الغاز والنفط من بلوكاته البحرية.
من هنا، تجد الأوساط الديبلوماسية، بأنّه من الضروري اليوم أن تعمل الحكومة اللبنانية الجديدة، على إعادة التفاوض على الإتفاق القبرصي، وإبرامه بما يحفظ حقوق لبنان البحرية، سيما وأنّه سبق وأن أدّى الى خسائر أتت على حساب لبنان دون سواه. وتلفت الاوساط الى أنّ اتفاقية هوكشتاين البحرية ما زالت منقوصة. فاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" تتجاوز الإتفاق القبرصي- "الإسرائيلي"، ونقل إحداثيات المرسوم 6433 كما هي بدون أي تعديل عليها. وهذا يعني بأنّه لا يُمكن للبنان أن يُطبّق هذه الإتفاقية من دون إنجاز الإتفاقية بينه وبين قبرص. ولا بدّ أن يكون الرئيس عون قد وضع هذا الأمر ضمن أولويات الحكومة الجديدة فور تشكيلها وبدء عملية الإنقاذ والإصلاح.
دوللي بشعلاني -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|