الصحافة

ترامب يكتشف سوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فاجأ الحدث السوري خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشرق الأوسط. لم يكن ملفّ سوريا من اهتماماته في ولايته الأولى في البيت الأبيض، بل عبّر عن ضيق من المسألة السورية برمّتها، وتبرّم من وجود قوات أميركية هناك. ولولا تدخّل مؤسّسات الدفاع والأمن الاستراتيجي، لكان نجح في إنفاذ قرار أعلنه عام 2018 لسحب كلّ قوّات بلاده آنذاك. فكيف سيكون موقفه بعدما أصبحت سوريا الشاغل الأوّل للعالم في الشرق الأوسط؟

حين كانت قوات “هيئة تحرير الشام” وبقيّة فصائل المعارضة تزحف باتّجاه دمشق وتعلن إسقاط نظام بشّار الأسد في 8 كانون الأوّل 2024، بدا أنّ الحدث داهم الرئيس دونالد ترامب. فأعاد استخراج معادلة سابقة روّج لها في الولاية السابقة معطوفة على وعد انتخابي حديث بسحب بلاده من الحروب في العالم.

لهذا قال تعليقاً على التطوّر السوري: “لا ينبغي للولايات المتحدة أن تكون لها أيّ علاقة بما يحدث، هذه ليست معركتنا، لندع الأمور تجري، دون أن نتدخّل”. بدا أنّ ترامب لم يكن على دراية بحجم ما يحصل، فتمترس خلف ميوله الانعزالية وعدم اكتراثه التقليدي بملفّ سوريا.

أولويّات ترامب: ترتيب العالم والسّلام

تموضع ترامب استعداداً لولاية جديدة على رأس الولايات المتحدة حول 3 مفاصل:

1- الوعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا والتفاهم من أجل ذلك مع “صديقه” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

2- الوعد بترتيب العالم واصطفافاته بما يخدم استراتيجية مواجهة الصين ومحاصرة صعودها.

3- المضيّ قدماً في خططه لسلام في الشرق الأوسط تكون واجهته الأساسية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

بدا أنّ ترامب رتّب مفرداته، في علم السياسة الخارجية، على نسق لا يأخذ بعين الاعتبار أهميّة التحوّلات السورية وتداعياتها على التوازنات الدولية.

كانت أوساط مقرّبة من ترامب تنقل، غداة فوزه في انتخابات تشرين الثاني 2024، استمرار طرحه أسئلة بشأن نجاعة وجود 900 جندي أميركي في سوريا. لاحقاً أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحديثاً جديداً، يرفع عدد هذه القوّات إلى 2,000. نقل الإعلام الدولي أيضاً صور تدفّق أرتال عسكرية أميركية من العراق صوب سوريا، وروّجت مصادر محلّية أنباء، ما زالت واشنطن تنفيها، عن بناء قاعدة للقوات الأميركية في “عين عرب” شمال البلاد. ولا شكّ أنّ ترامب الذي تنسّق إدارته المقبلة مع إدارة الرئيس جو بايدن شؤون ملفّات بهذه الأهمّية، قد أدرك أنّ مصالح بلاده قد تغيّرت في سوريا، وأنّ ملفّ هذا البلد بات متقدّماً في أولويّات مصالح أميركا.

سوريا تساعد ترامب…

استنتج ترامب أنّ التحوّل السوري وفّر على سياساته الموعودة جهوداً معقّدة لمواجهة إيران وإخضاعها لشروط أيّ “صفقة” لمّح إلى قبولها مع طهران. استنتج أيضاً أنّ سوريا التي لطالما كانت محسوبة تاريخياً على معسكر الخصوم أيّام الحرب الباردة وعلى التحالف الروسي الصيني الإيراني لاحقاً، باتت مكاناً لا يرحّب بامتيازات روسيا السابقة، وأقرب إلى انتقال تاريخي باتّجاه خيارات قريبة من المنظومة الغربية. ولا بدّ أنّه لاحظ أنّ وهج الحدث السوري يلقي ظلالاً مباشرة على دول الجوار، وأن لا ترامبيّة في الشرق الأوسط من دون حسن التموضع داخل التموضع السوري الجديد.

كان ترامب يستعدّ من جديد لسحب قوّات بلاده من سوريا. بعد “سقوط دمشق” سُئل عمّا إذا كان فعلاً بصدد الإعداد لقرار من هذا النوع، فردّ بثقة: “لن أخبركم فهذا أمر يعود إلى استراتيجية الانتشار العسكري الأميركي”. بدا أنّه يستجيب، من جديد، كما فعل في الولاية الأولى، لما تراه “الدولة العميقة” وتقرّره في شأن مصالح الولايات المتحدة التي تتجاوز رأي الرئيس وأهواءه. لكنّه بدا أيضاً متهيّباً الحدث السوري، مستعدّاً للإنصات باهتمام لفهمه ومواكبته وصناعة بصمات على مساره.

لا معطيات جدّية يمكن الركون إليها لمعرفة الأعراض الأساسية لمقاربة ترامب لـ “سوريا الجديدة”. أخذ علماً بموقف إسرائيل وتمدّدها الظرفيّ داخل الأراضي السورية، وهو الذي تبرّع في ولايته الأولى بالاعتراف بإسرائيلية الجولان بعد اعترافه بالقدس عاصمة لها. ولئن كانت واشنطن منذ بدء الصراع السوري عام 2011، وخصوصاً في عهد باراك أوباما، تعتبر سوريا شأناً أمنيّاً إسرائيليّاً، فإنّ ترامب لن يحيد عن هذا الثابت للتعامل مع المتغيّر السوري.

إردوغان… “الصّديق”

لكنّ الرجل يعيد ويكرّر التعبير عن احترام يكنّه للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والتلميح إلى أخذ مصالح تركيا بعين الاعتبار. فحين قرّر عام 2018 سحب القوات الأميركية من سوريا، قال إنّه اتّخذ قراره بعد مكالمة هاتفية مع إردوغان واقتناعاً بوجهة نظر صديقه التركيّ. يبدو هنا أنّ الرجل وفريقه أقلّ اهتماماً بمسألة الأكراد في سوريا إذا ما قورنت بمصالح الولايات المتحدة مع تركيا. بما لا يعني، في الوقت عينه، التخلّي الرخيص عن الحليف الكردي، رفيق السلاح، في الحرب ضدّ داعش.

اللافت أنّ الإدارة الأميركية بشقّيها، الديمقراطي الراحل والجمهوري المقبل، تتّخذ مواقف حذرة في التعامل مع الحالة السوريّة. فإذا كان ترامب يرى أنّها “ليست معركتنا” ويدعو إلى عدم التدخّل، فإنّ بايدن بدوره يعتبر أنّه أمر “يجب أن يقوده السوريون، وليس الولايات المتحدة”. ومع ذلك عجّلت CNN الأميركية بإجراء مقابلة مع رجل سوريا الجديد أحمد الشرع، قبل أيّام من سقوط دمشق. بما يعبّر عن مزاج أميركي عامّ حيال من تعوّد على اعتباره إرهابيّاً. فيما عجّلت واشنطن، منذ الأيّام الأولى لظهوره في العاصمة السورية، بإرسال وفد دبلوماسي رفيع المستوى ليتعرّف عن قرب على قائد تحوّل في الشرق الأوسط فاجأ بايدن ولم يكن في حسابات خلفه.

محمد قواص-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا