الصحافة

نوّاف سلام: قاضٍ… لبلادٍ عطشى للعدالة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليست عابرة رسائل المجاز الكثيرة التي أتت بنوّاف سلام رئيساً لحكومة لبنان. فرئيس الجمهوريّة هو قائد عسكريّ. في لحظة لبنانية عسكريّة. وسط شرق يموج به الجنرالات والميليشيات. ورئيس حكومة لبنان هو واحدٌ من أرفع القضاة في العالم. في لحظة أكثر ما يحتاج إليه لبنان، هو العدالة.

تماماً مثل العماد جوزف عون، يأتي القاضي نوّاف سلام من خارج الطبقة السياسية، لكن من داخل السياسة. وربّما هذا ما يحتاج إليه لبنان حاليّاً: شخصيّات سياسية من خارج الصندوق.

ولهذا شهد لبنان أمس حملةً كبيرةً قادها جيل الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بتكليفه، بعدما كان اسمه بعيداً عن بورصة الأسماء حتّى صباح اليوم. حين خرجت المعارضة باتّفاق على سحب مرشّحَيْها فؤاد مخزومي وإبراهيم منيمنة، والاتّجاه لتسميته رئيساً للحكومة.

هذا الضغط الشبابي ضغط على كتل كثيرة. أبرزها كتلة تيمور جنبلاط. وظهراً بدا أنّ هناك اتّجاهاً دوليّاً للطلب من بعض النوّاب تسميته. وهو ما رفع حظوظه من معدومة ليلاً، إلى معقولة صباحاً، إلى قويّة ظهراً. ثمّ بات تكليفه ممكناً بعد تسميته من قبل كتلتَي جبران باسيل (13 صوتاً) وجنبلاط (8 أصوات)، لتنضمّ إليهما الكتلتان السنّيّتان، “الاعتدال الوطني” (6 أصوات) وكتلة التوافق الوطني (5 أصوات). وهذه الأصوات الـ33 حسمت المعركة.

بدأت الاحتفالات تعمّ اللبنانيين، مع شعور للمرّة الأولى يطرأ على المشهد السياسي، وهو “كسر” الطبقة السياسية، ومرشّحها نجيب ميقاتي. واستطراداً كسر “المافيا”، بعد كسر “الميليشيا” بانتخاب جوزف عون رئيساً.

قاضٍ… لبلاد بلا عدالة

يعرف اللبنانيون أنّ ما ينقصهم ليس فقط شخصيّات غير متورّطة في الفساد والدم. يحتاجون إلى شخصيّات لا تمسك بأعناقها الطبقة السياسية التقليدية. وإلى رجال وسيّدات يعيدون البلاد إلى سكّة العدالة.

العدالة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. فلا يكون هناك “أشرف الناس” و”ناس” عاديّون. والعدالة بين الأطراف والأحزاب. فلا يكون هناك حزب مسلّح وأحزاب ترضخ له. والعدالة في تعيين الكفاءات بمؤسّسات الدولة. والعدالة بين المودعين في المصارف. والعدالة لضحايا التفجيرات والاغتيالات.

نحن نعيش في غابة الإفلات من العقاب. حيث لا يمكن القبض على سارق، ولا على قاتل، ولا على نصّاب، إذا كان يحتمي بطائفته أو بدولة أو بعصابة.

كلّ هذه الأمراض تحتاج إلى العدالة. وكأنّ “الخارج” و”الداخل” اتّفقا على قاضٍ، على أمل أن يعيد العدالة إلى هذه البلاد المتروكة منذ 20 عاماً للقتلة والسارقين.

فلسطينيّ… بسلاحٍ لا يقتل أهلَهُ

نوّاف سلام محبّ لفلسطين. لكنّه الحبّ البعيد عن السلاح. الحبّ المعجون بالحقوق والنضال السلمي. لذا هو مقاوم على طريقته. تلك المقاومة التي لا تأتي بالخراب والدمار على أهلها والمؤمنين بها. ولا تفعل ما فعلته بنا الميليشيات باسم المقاومات.

انطلاقاً من شخصيّته المقاومة، كان له دورٌ في صياغة قرار مجلس الأمن 1701 خلال حرب تموز 2006. وفي 2012 شارك في حملة طالبت باعترافٍ أمميّ بالدولة الفلسطينيّة.

أمّا في 2024 فقد صدر عن محكمة العدل الدولية، التي يرأسها، وبدفعٍ منه، أنّ “استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلّة غير قانوني”، وأنّ “المنظّمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية هذا الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلّة”. وعن سلام أنّ “المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية والقدس الشرقية، والنظام المرتبط بها يشكّلان انتهاكاً للقانون الدولي”.

نهاية الانقلاب؟

بدأ الانقلاب الكبير على الديمقراطية في لبنان، بطنّ من الحقد والديناميت في وسط بيروت. ذات 14 شباط 2005. وحتّى اليوم أفلت من العقاب منفّذو الجريمة. وبعدها جرائم كثيرة وقعت على رؤوس اللبناني. جرائم اغتيال. جرائم نهبٍ وسرقة. جرائم تفجير. جرائم الدخول في حروب رغماً عن أنوف اللبنانيين وبدمائهم وأموالهم.

واليوم، في أسبوعٍ واحدٍ لاحت بوادر ولادة جديدة للبنان… مرّتين. الأولى حين انتُخِب جوزف عون رئيساً للجمهورية في 9 كانون الثاني الجاري. خلافاً لرغبة من عطّلوا جلسات الانتخاب طوال 15 شهراً. والثانية أمس، حين سقط وهج السلاح، وانفكّت قبضته عن النواب والكتل النيابية، واختاروا كما يريدون، ومن يعتبرون أنّه يستحقّ قيادة سفينة البلاد في هذه اللحظة المصيرية.

في مقالٍ سابق غداة تعيينه رئيساً لمحكمة العدل الدولية في شباط الماضي، ختمتُه بأنّ ذلك التعيين “إشارةٌ للتاريخ فقط إلى أنّ قلب هذه البلاد لا يزال ينبض، قلب عدالتها تحديداً. ولعلّها تكون إشارة دولية إلى أنّ قطار العدالة قد يعود إلى بيروت في الآتي من الأيّام“.

واليوم، يبدو أنّ الإشارة كانت صحيحة. وها هو قطار العدالة يصل إلى بيروت، إلى السراي الكبير. لعلّه يبدأ رحلة الإصلاح مع الرئيس الجديد، على الرغم من المطبّات الكثيرة التي تنتظره في زواريب الطوائف والمافيات التي تنتظره على كوع السياسة.

سيرته بين الإصلاح والكتب والعلم والمهنة

نوّاف سلام باحث مهموم بالسياسة منذ 40 عاماً وأكثر. تشهد على ذلك الكتب التي نشرها منذ الثمانينيات. وأوّلها يتحدّث عن “الإصلاح الممكن والإصلاح المنشود” (1982)، وثانيها “أبعد من الطائف: مقالات في الدولة والإصلاح” (1998). وآخرها “لبنان بين الأمس والغد” (2021)، الذي طرح رؤيته لـ”الجمهورية الثالثة”. تلك التي ولدت قبل أيّام، يوم انتخاب عون رئيساً للجمهورية في 9 كانون الثاني الجاري.

سلام مولود في عام 1953 من عائلة بيروتيّة متجذّرة في السياسة منذ أيّام العثمانيين. فجدّه عليّ كان نائباً في مجلس “المبعوثان” العثماني ورئيس بلديّة بيروت. ووالده أحد مؤسّسي “شركة طيران الشرق الأوسط MEA”. وعمّه صائب سلام، رأس 4 حكومات قبل 1975. وابن عمّه تمّام رأس حكومة “ربط النزاع” في عام 2014.

يأتي أيضاً من مسيرة علمية عميقة وطويلة، بدأها بدبلوم الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة – باريس (1974)، ودكتوراه التاريخ من جامعة السوربون (1979). وليسانس القانون من جامعة بيروت العربيّة (1984). وماستير في القانون من جامعة هارفرد (1991)، ثمّ دكتوراه دولة في العلوم السياسيّة من “معهد الدراسات السياسيّة في باريس” (1992) .

من مسيرة مهنيّة بدأها سفيراً ومندوباً للبنان لدى الأمم المتحدة بين 2007 و2017، وممثّلاً للبنان بمجلس الأمن الدولي الذي رأسه مرّتين (أيّار 2010 وأيلول 2011). وانتُخب نائباً لرئيس الدورة الـ67 للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة (2012-2013). إلى أن عُيّن رئيساً لمحكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2024، وهي أعلى هيئة قضائية أمميّة. بعدما كان قاضياً فيها منذ 2018.

محمد بركات-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا