بين انتشار الجيش اللبناني وعمل قوى الأمن... أيّ واقع أمنيّ في جنوبي لبنان خلال فترة الـ60 يوماً؟
شهر ونصف الشهر مرّا على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، والوضع الأمني في الجنوب لا يزال خطراً في بعض المناطق التي تشهد عمليات عسكرية إسرائيلية، فيما مناطق أخرى باشر الجيش اللبناني ببسط سيطرته عليها تنفيذاً للقرار الأممي 1701.
حتى الآن، أمام الجيش الإسرائيلي 11 يوماً للانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية بحسب مهلة الـ60 يوماً، في وقت عاد معظم أهالي جنوبي لبنان إلى منازلهم، ما عدا أبناء البلدات المصنّفة "حمراء" أمنيّاً.
أمام هذا الواقع، مَن يحمي سكان القرى الحدودية؟ وهل كان لقوى الأمن الداخلي حضور في الجنوب خلال الحرب سابقاً؟ وما هو دورها ضمن فترة الـ60 يوماً؟ وهل الجيش اللبناني هو وحده المخوّل بضبط الأمن في الجنوب في هذه الفترة؟
قبل الحرب، كان الجنوب اللبناني يعدّ من أكثر المناطق هدوءاً من الناحية الأمنية على صعيد حوادث السرقات وإطلاق النار، أما الوضع الأمني الداخلي مع المواطنين فـ"جيّد"، بحسب ما أفادت به مصادر أمنية "النهار".
أما في فترة وقف إطلاق النار، بعد الحرب التي دامت 66 يوماً، فيُشدّد مصدر في مخابرات الجيش اللبناني على أنّه "لا يُمكن حماية المدنيين من دون اتفاق سياسي". وقد بدأت اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار اجتماعاتها في 8 كانون الأول (يناير) لضمان انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية، يتبعه انتشار للجيش اللبناني، وَفق ما حصل عام 2006، وذلك تزامناً مع عشرات الخروقات الإسرائيلية.
عمل قوى الأمن الداخلي في جنوبي لبنان
لم تستثنِ الحرب الإسرائيلية مراكز قوى الأمن الداخلي في جنوبي لبنان، فقد دمّرت عدداً منها بالكامل، كمخفرَي علما الشعب وراميا، ممّا أجبر العناصر على الانسحاب من هناك، والالتحاق بمراكز وقطعات أخرى ضمن القضاء نفسه لمواصلة العمل. أمّا القرى الصغيرة التي لا مركز ثابتاً لقوى الأمن فيها، فتتولّى البلديات الحماية الأمنية فيها، بالتنسيق مع القطعات العسكرية.
وفي الوقت الراهن، ثمّة قرى لا تزال مصنّفة مناطق عمليات عسكرية حتى اليوم، كالخيام وشبعا وميس الجبل، ممّا يحول دون عودة القوى الأمنية إليها. في المقابل، يؤكّد مصدر في قوى الأمن لـ"النهار" أنّ أكثر من 70 في المئة من المراكز استأنفت عملها طبيعيّاً مع عودة العديد إليها، إذ إنّ عناصر المخافر المدمّرة لا يزالون في الجنوب، ويتابعون أعمالهم في أقرب مركز صالح".
وبالحديث عن مراكز قوى الأمن الداخلي، تسعى المديرية العامة لقوى الأمن، بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات، إلى تأمين مواقع بديلة خلال فترة الـ60 يوماً وما بعدها، كالاستعانة بمراكز البلديات أو مبانٍ مستأجَرة. وقد عاد العناصر إلى مراكز عديدة، منها فصيلتَا تبنين وجويّا، ومخافر قانا، الريحان والزرارية، على سبيل المثال.
وعلى الرغم من عودة عمل القوى الأمنية، فإنّ الأمر يواجه العديد من التحدّيات، خصوصاً في ظلّ الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، وفق ما يوضح مصدر أمني لـ"النهار" بأنه "لا يُمكن لقوى الأمن الداخلي الاستقرار في نقاطها كافّة في ظلّ العوائق التي خلّفتها الحرب، فالوضع صعب جنوباً"، وذلك تزامناً مع إعادة التمركز وتصليح البنى التحتية والكهرباء والاتصالات في المراكز.
بالإضافة إلى ذلك، ثمّة مناطق ليست آمنة عسكريّاً حتى الآن في جنوبي لبنان ممّا يُعرّض حياة العناصر الأمنية للخطر، من ضمنها مدينة بنت جبيل، حيث استهدفت القوات الإسرائيلية بطلقات رشّاشة، في 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، عناصر الدرك في فصيلة بنت جبيل أثناء معاينتهم الأضرار، ممّا أجبرهم على العودة إلى مخفر بلدة رميش المجاورة. هنا يُعلّق المصدر الأمني قائلاً: "نُرجئ العودة إلى المركز الرئيسي لأنّه معرّض للخطر، ولكنّ ذلك لا يعني أنّ القوى الأمنية لا تقوم بمهامها".
أما عن المخاطر الأمنية على أهالي الجنوب، فيقول المصدر في قوى الأمن الداخلي لـ"النهار" إنّ "السرقات التي كانت تحدث في عددٍ من البلدات الجنوبية خلال فترة النزوح لا تُعدّ جرائم كُبرى، بل كان الأهالي يبلغون عنها في البيوت المدمّرة بشكل أساسي، ثمّ تتحرّك القوى الأمنية".
وهنا لا بد من السؤال عن عملية التنسيق مع الجيش اللبناني، إذ لا ينفصل وجود قوى الأمن الداخلي في الجنوب عن انتشار الجيش اللبناني، فهما يتمركزان معاً. وتقول قوى الأمن لـ"النهار": "نأخذ الغطاء أولّاً من الجيش اللبناني، الذي يمسح القرى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها لتفجير مخلّفات العدوّ، ويطلب عدم العودة أيضاً في بعض الحالات".
بلبلة في رميش خلال الحرب... هل انسحبت قوى الأمن الداخلي؟
مع اشتداد الغارات الإسرائيلية على قضاء بنت جبيل في الأيام الأولى للحرب، ونزوح الأغلبية من أبناء المنطقة، شهدت بلدة رميش بلبلة إثر انسحاب عناصر الجيش اللبناني من المستوصف العسكري الكائن في داخل البلدة، ثمّ إعادة تموضعه في نقاط حدودية، مروراً بشوارع رميش باتجاه ثكنة عين إبل. وما زاد من استنكار الأهالي حينها توجّه عناصر مخفر رميش لإخلائه أيضاً، وهو الذي يضمّ قرابة 200 عنصر. وقد عزموا على جمع عتادهم وأسلحتهم إيذاناً بالمغادرة.
وفق معلومات "النهار"، فإنّ أهالي رميش لم يعترضوا على إعادة تموضع الجيش اللبناني، فهذا قرار يعود للقيادة بشكل أساسي وفق حيثيات الحرب، خصوصاً أنّه لا نقطة عسكرية دفاعية للجيش في داخل البلدة، بل اعترضوا على قرار انسحاب القوى الأمنية، إذ إنه لم يصدر مباشرة عن وزارة الداخلية والبلديات أو المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فواجه اعتراضاً من الأهالي، وسط تأكيدات على "ضرورة بقائهم في مركزهم لما يُمثّلون من حماية وطنية أساسية لبلدة رميش وجوارها".
وردّاً على هذه النقطة، يؤكّد مصدر أمني لـ"النهار" أنّ "القوى الأمنية كانت في وضع خطر خلال الحرب، وكان هناك تخوّف من تكرار حادثة مرجعيون عام 2006 ودخول الجيش الإسرائيلي إلى رميش، ممّا دفعهم إلى اتخاذ قرار الإخلاء قبل التراجع عنه".
وطوال فترة الحرب، لم تكُن رميش ساحةً للمعركة ولا عرضةً للقصف الإسرائيلي المباشر، إذ تمنّت جهات بلدية وكنسيّة عدم دخول عناصر "حزب الله" إلى البلدة وتحييدها عن نطاق المواجهات، بحسب معلومات "النهار".
وفي حديث لـ"النهار"، يؤكد رئيس بلدية رميش ميلاد العلم أنّ "القوى الأمنية لم تُغادر البلدة، بل زادت عديدها بعد التحاق عناصر من مخافر مجاورة إلى مخفر رميش"، في وقت كانت البلدة تضمّ 6 آلاف مقيم و175 عائلة نازحة من قرى القضاء.
الوضع الأمني في بلدة الماري الحدودية
كحال رميش، لم يترك أهالي بلدة الماري في قضاء حاصبيا أرضهم خلال الحرب، على الرغم من عدم وجود مخفر في داخل البلدة، وبالرغم من انسحاب عناصر الدرك من مخفر راشيا الفخار، بعدما بات الخطر يتهدّدهم، قبل أن يلتحقوا بالعمل في فصيلة حاصبيا.
ويتمركز الجيش اللبناني على تلّة الماري، منذ ما قبل القرار 1701، إضافة إلى استحداث حواجز اليوم عند مداخل البلدة ومحيطها.
في هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية الماري يوسف فياض لـ"النهار" أنّ العلاقات التي عزّزتها البلدية بالتنسيق الأمني ساهمت في قدرتها على حماية البلدة، ونحن مسالمون"، رافضاً الحديث عن "أمن ذاتي". ويقول: "لم نرَ عناصر مسلّحة خلال الحرب".
البلدة التي تحدّها مدينة الخيام الشاهدة على اشتباكات ضارية وأعنف الغارات الإسرائيلية، ويُحدّها الجولان السوري المحتلّ أيضاً ونهر الحاصباني، يفرض الجيش اللبناني في محيطها طوقاً أمنيّاً، لا سيّما في مجال التنقل باتجاه بلدة عين عرب، وذلك لحماية المواطنين في ظلّ احتلال القوات الإسرائيلية منطقتهم.
إذن، الوضع الأمني الداخلي في قرى جنوبي لبنان ممسوك منذ لحظة وقف إطلاق النار، بالتنسيق بين المؤسسة الأمنية وقيادة الجيش اللبناني، ما خلا بعض الحوادث الفردية التي عمل عناصر الدرك على ضبطها خلال فترة النزوح، بانتظار انتشار كامل للجيش اللبناني على طول الحدود الجنوبية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|