يوم تحطيم أسطورة "حزب الله"
كما هي حال الأنظمة والأحزاب التوتاليتارية، صعد مجد "حزب الله" على متن أسطورة تمزج بين رعب إسرائيل ومقارعة أميركا من "الندّ للند"، حاكتها منظومة دعائية من إعلاميين ومنظّرين ومفكرين، وشكلت على الدوام عمقه الاستراتيجي، وتولت عملية الترويج المكثف لها، حتى صارت ركناً ركيناً في أدبيات الخطاب السياسي العام، من باب الضدية أو الخنوع والتآلف، وفي كيفية مقاربة الاستحقاقات المحلية.
حدى الإشكاليات التي تواجه "حزب الله" راهناً هي، إدمانه على هذه الأسطورة وعدم قدرته على الخروج من إسارها. فالأحزاب والمجتمعات والدول تسقط في كثير من الأحيان في فخ الإدمان، وتعجز عن الخروج منه إلا بعملية قيصرية تكون نتاجاً لتحولات قاسية. وبالتالي من الصعوبة بمكان على "الحزب" الاعتراف بانتهاء صلاحية أسطورته، وبالتخبط الذي يعانيه في كيفية التعامل مع الوقائع السياسية المستجدة على الساحة المحلية وتوازناتها الجديدة.
هذا ما دفع "حزب الله" إلى الهروب لحظة انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية نحو مشهدية الدورتين والوقت المستقطع بينهما، لدفع الرأي العام إلى تصديق شائعة حصوله على ضمانات سعودية وأميركية حول الحكومة رئيساً ونهجاً، وتوازنات وحقائب، على اعتبار أن مستوى مخاطبه لا يمكن أن يكون إلا إقليمياً أو دولياً. لكن هذه الشائعة التي عملت الآلة الدعائية نفسها على ترويجها خلال الأيام القليلة الفاصلة عن الاستشارات النيابية، دحضتها وقائع يوم التكليف الطويل، والذي يمكن اعتباره لحظة مفصلية في تاريخ لبنان، حطمت أسطورة "الحزب" واضعة إياها على طريق الزوال. ولهذا السبب بالذات، بدا الإرباك واضحاً في كيفية تعامله مع التطور الراهن، فحاول التغطية عليه بالصخب الكلامي لرئيس كتلته محمد رعد، من دون أن ينجح في تخفيف أمارات الهزيمة البادية على وجهه وصَحْبه.
ولأنه ليس سهلاً عليه القبول بأن يكون مخاطبه محلياً، وأكثر منها الاعتراف بانكشاف عجزه أمام قوى سياسية أدارت ظهرها له للمرة الأولى، بعد أن كان يكتفي في استحقاقات سابقة بتلميح أو اتصال لجعلها تصطف خلفه في خياراته الكارثية، ولو عن غير اقتناع، لم يكن أمام "الحزب" سوى الهروب من جديد نحو تسويق فكرة حصول انقلاب سعودي قاد إلى هذا السقوط المدوي للرئيس نجيب ميقاتي لحساب تسمية الرئيس نواف سلام.
لا يعدو هذا الانقلاب كونه "سراباً بقيعة"(سراب الماء). ذلك أنه حتى صباح اثنين التكليف، كان النائب فؤاد مخزومي هو مرشح المعارضة. إلا أن مجموعة من النواب، بينهم وضاح الصادق ومارك ضو وميشال معوض، قادوا حراكاً هائلاً خلال ساعات الصباح للتوافق على نواف سلام، انطلاقاً من كونه الاسم الوحيد الذي يمكنه تفكيك الفسيفساء النيابية المتحلّقة خلف ميقاتي، وتوحيد المعارضة والتغييريين، ومعهم "اللقاء الديمقراطي" المترقب نجاح هذه الوحدة من عدمه كي يحسم أمر تصويته.
وتشير مصادر نيابية لـ "نداء الوطن" إلى أن النواب المستقلين الذي حسموا أمر تصويتهم لسلام هم: أديب عبد المسيح وأسامة سعد وشربل مسعد وعماد الحوت. فيما الباقون، مثل إيهاب مطر ونبيل بدر، فضلاً عن "الاعتدال" و"التوافق" و"الطاشناق" و"الوطني" سيصوتون لميقاتي، الذي أسرف في نثر الوعود الوزارية المتناقضة، فوعد كلاً من النائبين غسان سكاف وعبد الرحمن البزري بحقيبة الصحة، وعلى النسق نفسه كانت وعوده تجاه الباقين.
بيد أنه حينما تبين لهم أن المعركة صارت شبه محسومة لصالح سلام، مع حسم تصويت "اللقاء الديمقراطي" و"لبنان القوي" له، غيروا موقفهم، بعضهم "على طريق بعبدا"، وبعضهم الآخر "داخل القصر الرئاسي"، من باب "بيع موقف" يصب في خانة البحث عن مستقبلهم السياسي على حساب توازنات الحقبة الماضية. وهذا ما أحدث ثورة غضب عند "حزب الله"، ورفع رصيد الرئيس المكلف إلى ثلثي أصوات البرلمان (86 نائباً)، وهو رقم يختزن الكثير من الرمزيات السياسية. ولو كانت ثمة إشارة عربية أو دولية، لما صوّت لميقاتي النواب بلال حشيمي وجان طالوزيان وغسان سكاف وعبد الكريم كبارة وعبد الرحمن البزري.
لكن، أنّى لـ "حزب الله" الاعتراف بقدرة تفاهمات محلية نسجت بعجالة على تعرية هشاشته، وفضح ما يعانيه من وحدة لم يألف مثلها، فكان لا بد من إقحام عوامل إقليمية أو دولية لن تنجح في حجب حقيقة أنه صار "صرحاً من خيال" ليس لخصومه، إنما لـ "أعدقائه" وحلفائه.
سامر زريق-نداء الوطن
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|