هل يُنقِذ ماكرون حصّة “الثّنائيّ” في كعكة السّلطة؟
كلير شكر - اساس ميديا
يواجه عهد الرئيس جوزف عون أوّل تحدّياته: يكون الشيعة شركاء حكوميين، أو لا يكونون. تلك هي القضية التي قد تحدّد مسار ومصير حكومة نوّاف سلام. بالشكل، هي مسألة وزراء وحقائب وأسماء. لكن بالمضمون هي أبعد من هذه الإشكالية، وأكثر عمقاً وتعقيداً.
إنّها الخشية التي تجتاح الثنائي ممّا قد ينتظرهم في المرحلة المقبلة. إنّه هاجس الاستهداف الذي بات، وللمفارقة، يؤرق جفون قياديّيه. إنّه البركان الذي أصابت حممه المنطقة، ومعه “الحزب” وطرق الإمداد عبر سوريا، والذي يجعلهم قلقين ومرتابين ممّا هو مقبل على حماوة نيران هذا البركان. إنّه الانقلاب الثنائيّ الأبعاد، الذي هضموا أولى مراحله، من خلال الالتحاق بقطار انتخاب جوزف عون، فيما هم لا يزالون في طور استيعاب المرحلة الثانية من هذا الانقلاب، من خلال تسمية نواف سلام، التي فرضت عليهم فرضاً، وبغفلة عين!
مسألة مشاركة الثنائي في الحكومة، من عدمها، تتطلّب الاطّلاع على مخاوف رئيس مجلس النواب نبيه برّي وقياديّي “الحزب” من أن تكون تسمية سلام خطوة أولى على طريق فرض متغيّرات كبيرة وكثيرة، لن يكون بمقدور الثنائي تحمّل أوزارها. لأنّها ستكون على حسابه، وعلى حساب مساحة النفوذ الشاسعة التي كان يتمتّع بها، تحت مسمّى “الشيعية السياسية”، والتي جعلت منه شريكاً “فوق العادة” في التركيبة اللبنانية.
كلّ ما حصل ويحصل، منذ أن وضع العدوان الإسرائيلي أوزاره، وسقط النظام السوري السابق، يرفع من منسوب هواجس الثنائي. الذي انتقل من مربّع الهجوم، إلى مربّع الدفاع عن النفس. حتّى إنّ إمكانية الحفاظ على المكاسب، صارت صعبة ومكلفة. لهذا تكتسب معركة المشاركة في الحكومة، أبعاداً جديدة، لم تكن سابقاً في الحسبان.
وجهتا نظر عند الثّنائيّ
هناك وجهتا نظر تتقاسمان أفكار الثنائي، كما يقول المطّلعون، تعكسان حال التخبّط التي يشهدها هذان الفريقان نتيجة التحوّلات الكبرى التي فُرضت على المشهد السياسي:
1- تتّسم الأولى بالكثير من الواقعية، يقودها الرئيس بري، وتقتضي الالتحاق بالقطار، المدفوع عربياً ودولياً، بما يحول دون إيقافه، مهما كانت مكابح “الثنائي” قويّة. وهي فعليّاً، لم تعد كذلك. وبالتالي لا بدّ من عدم تفويت اللحظة، وإيجاد مخرج لائق يعيد الثنائي إلى حضن السلطة التنفيذية التي ستكون خلال فترة سنة ونصف سنة، تفصل عن موعد الانتخابات النيابية، أمام مهمّات كبيرة. أهمّها إجراء الانتخابات النيابية والبلدية، وتنفيذ القرارات الدولية، والقيام بورشة تعيينات ضخمة، قضائية (المدّعي العامّ المالي على سبيل المثال لا الحصر)، أمنيّة، مصرفية وإدارية…
2- تميل الثانية إلى الحدّيّة والراديكالية في مقاربتها على قاعدة أنّ الحكومة هي آخر معاقل الثنائي على ضفّة السلطة التنفيذية. بعدما طارت الرئاستان الأولى والثالثة من بين يديه. وصار من الضرورة الانتقال إلى “الخطّة ب” في الدفاع عن الوجود السياسي في التركيبة السلطوية.
وفق هؤلاء، إنّها معركة تُخاض على قاعدة Now or Never. أي إمّا يتمّ تطويق تداعيات التسونامي الذي راح يجتاح المشهد اللبناني ليبدّل في الكثير من أحواله، وإمّا الخضوع لمسلسل التنازلات الذي انطلق مع انتخاب جوزف عون، لأنّه يحمل الكثير من الحلقات التنازلية خلال الفترة المقبلة.
إذاً، اللجوء إلى التصعيد هو خيار لا بدّ منه لوقف الاندفاعة الهجومية التي يتعرّض لها الثنائي، ليكون التصعيد حاسماً. بحثاً عن صيغة تفاهمية جديدة ناظِرة لحكومة نوّاف سلام.
عوامل مساعدة… ومعرقلة
بين وجهتَي النظر، يمكن الركون إلى عوامل مساعدة، من شأنها تذليل العقبات، ويمكن الاستناد إلى عوامل معرقلة قد تعقّد المهمة.
في العوامل المساعدة، تظهر باريس حرصها على عدم إقصاء أيّ مكوّن لبناني وعدم اقتناعها بسياسة الكسر. وسيظهر هذا الحرص بوتيرة واضحة ومتصاعدة من خلال كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيكون اليوم في بيروت. يعوّل الثنائي، وتحديداً الرئيس بري، على هذه الزيارة لمساعدته على تجديد التفاهم مع العهد الجديد، وتحديداً مع رئيس الحكومة المكلّف، لفتح الباب أمام جلوس وزراء شيعة يمثّلون الثنائي.
وفق المتابعين، يبحث برّي عن سلّة تفاهمات تتجاوز مسألة التوزير والحقائب لتشمل مثلاً التعيينات الإدارية والقضائية، وهي استحقاقات ملحّة وحيوية بالنسبة للثنائي. من هنا، الرهان في هذه الجولة، على الدور الفرنسي المقتنع بأنّ قيام “لبنان الجديد” من دون جناحه الشيعي، فيه مخاطرة كبيرة، لا يجوز ارتكابها بعدما ارتكِبت مرّة أولى بعد ولادة الطائف من خلال ترك المكوّن المسيحي خارج السلطة.
تندرج أيضاً ضمن خانة العوامل المساعدة، رغبة رئيس الجمهورية بعدم تعرّض انطلاقة عهده لتصويب سياسي من جانب “الثنائي”. ورغبة الرئيس سلام بعدم تأليف حكومة منقوصة الميثاقية قد تتعرّض لـ”الضرب السياسي” عند كلّ مفترق. ورغبة الثنائي بعدم القفز من سفينة السلطة، وهو الذي التزم عدم مبارحتها منذ عام 1984 وبات عقله سلطوياً… إلى المجهول.
في العوامل المعرقلة، تضارب واضح بين الرغبة الدولية في فرض قيام لبنان الجديد وفق قواعد جديدة تكسر السائد والمتوارث منذ عقود في إدارة الدولة. وقد عبّر كلّ من خطاب القسم وخطاب رئيس الحكومة المكلّف عن خارطة طريق الدولة المرتجاة ولادتها… وبين أجندة الثنائي المتوجّس من الضغط الدولي والباحث عن مخارج تضمن بقاءه في السلطة، وفق قواعده التقليدية.
من هنا تكتسب زيارة ماكرون أهمّية مضاعفة. باعتبارها الفرصة المتاحة أمام العهد الجديد، لابتداع صيغة وسطية، تعيد الثنائي إلى كنف الحكومة، لكن من دون الانقضاض على المنحى الجديد للحكم، المرسوم للبنان في حقبته الجديدة. فهل ينجح في تدوير الزوايا؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|