الصحافة

حصار الرئيسين.. تهديد للعهد والبلاد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ثمة اختلالات تُسجّل حيّال بعض المقاربات، غالباً ما تتحول من سوابق إلى أعراف يصبح تكريسها قائماً، فتُكبّل أي مسار سياسي. اختبر لبنان في السنوات الماضية كل آليات التعقيد والتكبيل. وحتماً لن يكون من السهل تجاوزها أو إنهاؤها مع أول تجربة أو حماسة أو استحقاق يعتبره اللبنانيون رمزاً لآمالهم. لبنان بلد في غاية التعقيد، أي طموح وأي فكرة للتغيير وتكريسه، ستكون عرضة لاهتزازات كثيرة، ولموانع أكثر. من هنا يجدر الحديث بهدوء في محاولة لمقاربة كل التحديات والاستعصاءات. ومع الهدوء لا بد من الحديث بصراحة مفرطة. بدءًا من لحظة انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة إلى كل السجالات التي تشهدها البلاد مع انطلاقة العهد الجديد.

الضغط الدولي والعوامل الداخلية

بداية، صحيح أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، مثّلا طوال السنوات الماضية تطلعات اللبنانيين، وخصوصاً المنتفضين في 17 تشرين. لكن وصولهما لم يكن بدافع القوة الشعبية التغييرية، أو بدافع الانتفاضة، بل هناك ظروف سياسية بعضها تغييري، وبعضها يرتبط بحسابات قوى سياسية تقليدية مختلفة، وبعضها الآخر يرتبط بحسابات إقليمية ودولية. ولو لم يكن هناك ضغط دولي مباشر لما تحقق انتخاب الرئيس، فيما لعبت الديناميكية الداخلية لعبتها الأساسية في اختيار رئيس الحكومة، على إيقاع استلهام جو عام داخلي وخارجي يحتاج إلى هذا التغيير.

بمعنى أوضح، أن انتخاب الرئيس وتكليف رئيس الحكومة، يمثلان تطلعات الناس حتماً، ويمكن للأحلام أن تتضاعف في وصولهما، إنما لا يُمكن إغفال معادلات أخرى، أبرزها إما احتضان أو تطويق القوى السياسية والحزبية على اختلاف تنوعاتها للرئيسين. مع التطلع بواقعية إلى عدم القدرة على تجاوز هذه القوى السياسية التقليدية أو الحزبية في هذه المرحلة بالذات، نظراً إلى توازنات المجلس النيابي. وحتى وإن تم تجاوز تلك التوازنات في البرلمان، فلا يمكن تجاوز الوقائع على الأرض، وما يمكن لهذه القوى من فرضه سياسياً أو ميدانياً أو داخل بنية الدولة لتعطيل وعرقلة أي مسار. حتماً، لا يعني ذلك الاستسلام لرغبات هذه القوى ولا التسليم بما تريد، ولكن التعاطي بمرونة تكاد تكون زئبقية للمواءمة ما بين وجهتين متضاربتين ومتناقضتين، بانتظار استحقاقات أخرى يمكنها تغيير موازين القوى السياسية والنيابية.

لا استسلام ولا صدام

ثانياً، إنها من المفارقات اللبنانية، وسابقة تاريخية أن تُسجل “انتقادات” وهجومات، وتلويح بالشارع في مواجهة عهد جديد. فلم يشهد لبنان من قبل، مع انطلاقة أي عهد لأي رئيس للجمهورية حالات انتقاد كما هو حاصل اليوم، ولم يكن لبنان يشهد حالات استقطاب وانقسام كما هو الواقع اليوم. خصوصاً أن طرفاً اعتاد طوال السنوات الفائتة على ممارسة فعل الانتصار وتكريسه، ولم يعهد يوماً تقديم التنازلات، يجد نفسه أمام خسارة معركة سياسية. هو ينظر إليها بفعل تغيير موازين قوى عسكرية وتغيير كل قواعد اللعبة، لكنه لا يريد الاعتراف بها ولا يزال يصرّ على معادلة “انتصاره”. في مثل هذه الحالات يمكن للخطر أن يكون قريباً، تماماً كما حصل في شوارع بيروت وغيرها من المناطق يومي الأحد والإثنين. حتماً، لا يمكن الاستسلام ولا التسليم لمعادلة الشارع، ولا بد من إرساء مقاربات مختلفة بما فيها عدم الرضوخ لاستعراض القوة. لكن ذلك لا يمكنه أن يُبنى على صدام، فأي صدام سيكون قابلاً لتفجير الوضع، وأي خطأ في الحسابات قد يقود البلاد إلى فتنة متجددة طائفية أو مذهبية. كانت العراضات واضحة في محاولة لتطويق الرئيسين، والانقلاب على ما جرى سياسياً، ذلك لا يُعالج بالاستسلام، ولكنه لا يوُاجه أيضاً بالصدام.

امتحان الثقة

ثالثاً، للبنانيين سمة، أو عقدة، أو شره، أو جشع للسلطة. فمختلف القوى تريد أن تكون في السلطة والمعارضة في آن. وسواء من سمّى الرئيس المكلف أو من عارضه يسعى إلى المطالبة بحصة وزارية، والمثال الأبرز هنا هو الثنائي الشيعي الذي يعتبر نفسه أنه الممثل الأوحد للطائفة الشيعية في البرلمان، وهو يريد الاحتفاظ بالحصة الشيعية كاملة. ومن دون ذلك سيحجب الثقة عن الحكومة، ولكن إن تجاوزت الحكومة امتحان الثقة ستكون أمام تحديات كبيرة سيفرضها الثنائي وحلفاء آخرين، له مصلحتهم تطويق العهد وتطويق رئيس الحكومة، بما يمثلانه من حالة تغييرية تتعارض مع مصالح الطبقة السياسية وأصحاب المصالح. ذلك يمكنه أن يدخل البلاد في نفق جديد إما على مستوى المؤسسات وعرقلة إصلاحها أو على المستوى المالي والاقتصادي، او على المستوى السياسي مع ما يرافقه من انعكاسات أمنية أو عسكرية على الأرض.

حرب على رئيس الحكومة

رابعاً، هناك من ينظر إلى رئيسي الجمهورية والحكومة بأنهما يأتيان بلا حاضنة شعبية أو قواعد سياسية منتظمة. ما يعني بالإمكان استسهال استضعافهما أو تطويقهما وإفشال مسارهما. وبينما رئيس الجمهورية موقفه محصّن في الدستور، وكذلك بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب. وذلك لا يسري على رئيس الحكومة، الذي سيكون الهدف الأسهل إما لتقاطعات سياسية أو لمعادلات يتداخل فيها الداخلي مع الإقليمي، وإما لما قد تفرضه الوقائع على الأرض في الشارع بحال انفجر، خصوصاً أن الحكومة تسقط في حال لم تنل الثقة، وفي حال استقالة ثلث أعضائها زائد واحد. من هنا فإن الحرب الأشرس غالباً ما تكون على رئيس الحكومة. وهي حملة بدأها نواب من اتجاهات مختلفة، وصلت إلى حدود الصراعات المناطقية والمطالبة بتمثيل بعض المناطق أو التهديد والتلويح بالفيدرالية.

أطراف متناقضة في رؤاها واتجاهاتها، تحيط بالرئيسين. القوى السياسية تسعى لأن تكون هي الدافعة والحاضنة والمحتوية للرئيسين، ضمن ما تقتضيه اللعبة السياسية التي خبروها واعتادوا عليها. والقوى الأخرى الطامحة للتغيير والتي نظرت إلى ما جرى بأنه تمثيل لقفزة نوعية في المسار السياسي اللبناني، وتحقيق للكثير من الأحلام الضائعة. بعض هؤلاء يريد الفوز بضربة واحدة أو قاضية، وبعضهم الآخر يبدو أكثر واقعية في مقاربة ومواجهة الطبقة السياسية القادرة على الاستشراس لحظة تشاء، لتكريس انقلاب على كل ما تحقق. يستفيد الرئيسان من قوة دفع دولي وإقليمي أيضاً، لكنها لا تكفي لإدارة الداخل القادر على إعاقة مسارات كثيرة ولو اضطر إلى تفجير المسار من أساسه.

قوتان تمثلان خطين متوازيين لا يلتقيان إلا عند نقطة تقاطع أساسية يمثلها الرئيسان، ومن دون تلك الموازنة فإن الصدام سيكون حتمياً.

 منير الربيع -“المدن”

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا