سوريا تبرم عقدا جديدا مع شركة فرنسية لتشغيل محطة حاويات ميناء اللاذقية
شيعة لبنان ليسوا بحاجة لامتيازات
يتكرّر اليوم في أروقة السياسة، مع الحديث عن تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون برئاسة الرئيس المكلّف نواف سلام، ما يعرف بـ "معضلة المالية والتوقيع الثالث". ويطالب بذلك رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، الممثل السياسي لـ "الثنائي" كضمانة لمشاركة "الشيعة" في "القرار التنفيذي" للدولة اللبنانية، تحت إطار عنوان "المشاركة وعدم التهميش". وتسير هذه المطالب على خطى رواية الثنائي "حركة أمل" و "حزب اللّه"، اللذّين تصدّرا مشهد الساحة السياسية الشيعية بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإقرار اتفاق الطائف برعاية وهيمنة سورية وشراكة إيرانية. وتقوم هذه الرواية على سردية "حركة أمل" (المحرومين) برفع الحرمان، وعلى سردية "أمة حزب اللّه" (نصرة المستضعفين).
السرديات بين الأصل والعادة
رغم تشابه السرديتين من حيث المعنى، إلّا أنهما تختلفان من حيث الرؤية والتوجّه. فوفق كتاب تاريخ شيعة لبنان من الماضي الغامض إلى المستقبل المجهول، في جزئه الثاني، الصادر عن "أمم للتوثيق والأبحاث"، انطلقت "حركة المطالبة بحق المحرومين" في كانون الأول 1974 بعد اجتماع في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية وضمّ 191 مثقفاً من مختلف الفئات والأحزاب والنَزْعات السياسية. وأعلنت الحركة في بيانها الذي تلاه السيد موسى الصدر أنها "ليست طائفية ولا فئوية ولا تعتمد نزعات ومصالح خاصة، وتهدف إلى تصحيح المناخ السياسي وليس اختيار السياسيين، وتطالبهم بالمعايشة الحقيقية للآلام وتحسّس المأساة ومشاركة المعذبين". وبالتالي، لا يجوز تبنّي هذه السردية على صعيد فئوي أو مذهبي، إنما كان لها بعدها الوطني اللبناني العام، ولم تكن حركة مذهب أو جماعة.
أما جماعة "حزب اللّه" التي بدأت تتشكّل مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران في شباط 1979، ووصول طلائع الإيرانيين إلى لبنان في مطلع كانون الثاني 1980، بقيادة الشيخ محمد منتظري ودخولهم بتسهيل سوري فلسطيني، فقد أشهرت سرديتها مع الإعلان الرسمي عن نفسها في 16 شباط 1985 بإطلاق رسالتها المفتوحة إلى "المستضعفين" في لبنان والعالم، كجماعة "ناصرة للمستضعفين والمظلومين برؤية ومنهج إسلامي جهادي" يتعدّى الإطار الجغرافي اللبناني.
ترافقت السرديتان مع أدبيات سعت إلى إظهار مفاهيم وأفكار تدلّ على قدرة التغيير والخروج من عهد المظلومية والاستضعاف إلى عهد القدرة والفرض، فكانت عبارة الشيخ عبد الأمير قبلان في خطبة الجمعة في 20 حزيران 1985 "خرجنا من القمقم ولن نعود إليه". وكان لتلك عبارة ظروفها وموضعها في وقتها، إلّا أنها استخدمت كتعبير عن "خروج الشيعة من الاضطهاد والتهميش وهضم الحقوق إلى فرض الحصول عليها دون منة من أحد".
سرت في الآونة الأخيرة نمطية عدم العودة إلى العمل "عتالين في البور" وغيرها من المفردات والتعابير التي تميّز بها من هم في فلك "حزب اللّه". لكنّ عبارة "عتالين في البور" تعود إلى رسالة بعنوان "رد لم ينشر على رسالة جريدة السفير إلى الإمام الخميني قبل وفاته بتاريخ 17/1/1989"، للشيخ حسن كوراني منشورة على موقعه الإلكتروني. قال الأخير: "لا تترك للأحرار خياراً غير تقحّم ساحات الجهاد والموت صبراً واحتساباً دفاعاً عن كرامة دينهم وعزة قومهم ضناً منهم بهم أن يبقوا "عتالين" و "بويجية" و "عمال بور " و "كناسين" ومسحوقين، وضناً بالأجيال القادمة أن تستلب هويّتها وتمزّق أجسادها سنابك خيل "الصليبيين الجدد" وأن تتحوّل فلسطين – معاذ الله – إلى أندلس لا تذكر إلّا في الموشحات".
يظهر ممّا سلف، أن استعمال "عتالين" و "بويجية" و "عمال بور" و "كناسين" من "حزب اللّه" منذ انطلاقته، كان لتحفيز المناصرين وتقديم الحجة للتوجه الفكري والأيديولوجي المسلوك، تحت إطار الوصول إلى القمة وفائض القوة الذي لن يسمح بالعودة إلى القاع، على اعتبار أن العاملين في هذه المهن هم من فئة "البؤساء" و "أهل القاع". لكن، هل فعلاً "الشيعة" كانوا كذلك؟ أم أنها شعارات للتعبئة والتجييش والاستثمار؟
حقيقة وضع "الشيعة" في لبنان
ما هو ثابت في التاريخ، أن "الشيعة" في لبنان وبعد قرون من التهميش والاضطهاد، اعترف بهم في الدولة الجديدة، مواطنين كاملي الحقوق، ولكن بوضع تعليمي واقتصادي واجتماعي متأخر عن غيره من المجموعات اللبنانية الطائفية. فبحسب "كتاب شيعة لبنان والتعليم" للدكتور علي خليفة، انتقل الشيعة مع إعلان دولة لبنان الكبير من كتاتيب محدودة العدد ومدارس نادرة في مناطقهم إلى مدارس رسمية منتشرة في الجنوب والبقاع ودعم للمؤسسات التربوية والتعليمية التي نشأت كالمدرسة الجعفرية في صور ومدارس الجمعية العاملية ومدارس الهدى في بعلبك والمدارس الأهلية في كسروان لأحمد الحسيني، فانخفضت الأمية عند الشيعة بين عامي 1932 و1942 من 86% إلى 69%. ويعرض كتاب "شيعة لبنان في الاقتصاد، كيان موازٍ يجذب العقوبات" ضمن "الموسوعة الشيعية" الصادر عن "أمم للتوثيق والأبحاث"، نقلاً عن جدول أعضاء الهيئة العامة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في أيار 1973، الشخصيات الشيعية العاملة تلك الفترة في مختلف قطاعات الدولة العليا والمجتمع والاقتصاد والقضاء والتعليم والتي قدّرت بالمئات، وبالتالي يظهر التمدّد "الشيعي" في مختلف المؤسسات والقطاعات بشكل ملحوظ ومشجع.
بدأت باكراً مطالبات "شيعة لبنان" بحقوقهم. فقد ورد في "الموسوعة الشيعية" لـ "أمم" سرد للعرائض والبرقيات الشيعية التي كانت ترفع إلى الصحف المحلية والعالمية والمؤتمرات والتجمّعات للمطالبة بحقوق الطائفة في الدولة منذ تأسيس لبنان الكبير كالبرقية التي نشرت في صحف باريس عام 1923 المرسلة من مجموعة شخصيات شيعية للمطالبة بحقوق الطائفة. كما كان ممثلو الشيعة داخل الدولة اللبنانية دائمي المطالبة بحقوق الطائفة وتحسين وضعها وصولاً إلى مغادرة الجلسات النيابية والاحتجاج كما حصل في جلسة 17 كانون الأول 1937 عندما غادر نوّاب الجنوب الجلسة النيابية احتجاجاً على تغييب حقوق الشيعة ورفعوها إلى رئيس الجهورية إميل إده الذي وعدهم بتحقيقها.
يهدف هذا العرض التاريخي التوثيقي إلى التأكيد على حقيقة جليّة واضحة، هي أن الشيعة في لبنان ليسوا بحاجة إلى أي امتيازات أو مواقع للمحافظة على وجودهم. كما يهدف إلى إثبات أن الوجود الشيعي في لبنان مترسّخ وثابت وغير قابل للتهجير أو الاندثار مهما كبرت المخاطر والضغوط. في المقابل، لا يمكن لأحد أن يصل للحقوق الكاملة وبخاصة في ظلّ مجتمع فسيفسائي متعدّد المجموعات والملل. وبالتالي، وكما يظهر، تبقى الشعارات والسرديات والأدبيات حاجة من باب تحسين المواقع وفرض الشروط والاستثمار السياسي والحزبي.
عباس هدلا-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|