الصحافة

"سجال" دويهي وضو نموذجًا... المعارضة "تخسر حكوميًا ولو ربحت"؟!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن أقصى "المتشائمين" في صفوف قوى المعارضة، وفق اللقب الذي لا يزال يُطلَق عليها، يتوقّع أن ينتهي "تقاطعها النادِر" قبل ثلاثة أسابيع، على اسم القاضي نواف سلام رئيسًا للحكومة، في ما بدا "تحدّيًا جدّيًا" لـ"حزب الله"، إلى "نقمة"، يعبّر عنها انقسام مكوّناتها المتجدّد، هذه المرّة حول سلام نفسه، بين "ممتعض" من أدائه ومعاييره المزدوجة، بل مهادنته للحزب الذي لم يسمّه، و"مدافع" في المقابل، عن واقعيّته، التي لم تخلُ من تسجيل "مكاسب تاريخية".

لم يكن أقصى "المتشائمين" في صفوف قوى المعارضة، يتوقّع أن يضحك "حزب الله" وهو يتفرّج على حالهم، بعد ثلاثة أسابيع فقط على شعوره بأنّ شيئًا ما تغيّر، وبأنّ البساط يُسحَب من تحت أقدامه، يوم خسر مرشحه نجيب ميقاتي بالضربة القاضية، فخرج رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد بخطاب الغاضب والمصدوم، قبل أن يقاطع رئيس الحكومة المكلف، ليستعيد زمام المبادرة بعد ذلك، ويصبح "المتفاهم الأول" مع الرجل.

لم يكن أقصى "المتشائمين" في صفوف قوى المعارضة، يتوقّع أن يتحوّل "الانتصار" الذي سارعت، أو ربما تسرّعت، بإعلانه على "حزب الله" وحلفائه، حين أسقطت مرشحه لرئاسة الحكومة، إلى مادة "سجال"، ليس بين مكوّناتها المتناقضة بالضرورة، بل حتى بين "رفاق الصف الواحد"، على غرار النائبين "التغييريين" مثلاً ميشال دويهي ومارك ضو، وهما اللذان كانا بين قلّة تغييرية صمدت على ما يمكن توصيفه بـ"وحدة الحال".

لم يكن أقصى "المتشائمين" في صفوف قوى المعارضة يتوقّعون كلّ ذلك، لكنّه ما حصل، فـ"حزب الله" الذي كاد "يخوّن" رئيس الحكومة المكلف، يبدو راضيًا عنه ومرتاحًا لأدائه، فيما أولئك الذين رأوا فيه "خشبة الخلاص"، لا يتردّدون في التعبير عن امتعاضهم، بل "خيبتهم"، فكيف انتقلت المعارضة في ثلاثة أسابيع فقط من مرحلة "الوحدة والانتصار"، إلى "التشتّت والهزيمة"، وهل يمكن القول إنّها "خسرت" حكوميًا، حتى لو ربحت في النهاية؟!.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ المعارضة تبدو فعلاً "خاسرة"، حتى لو عادت وحقّقت بعض "المكاسب" في الصيغة النهائية للحكومة، ولو حصلت على بعض من مطالبها على مستوى "الحصص"، فالثابت الوحيد وسط كلّ التسريبات هو أنّ هذه المعارضة افتقدت "الزخم" الذي حقّقته في استشارات التكليف، وعادت إلى "تشتّتها وانقسامها"، الذي طبع أداءها أساسًا منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وحتى استحقاق التكليف الأخير.

صحيح أنّ "انتصار" المعارضة في استشارات التكليف لم يكن مجانيًا، فقد ضحّت في سبيله بالمرشحين المفترضين لها، من فؤاد مخزومي، الذي تبنّته ما عُرِفت بمجموعة الـ31 نائبًا، إلى إبراهيم منيمنة، الذي قيل إنّ ترشيحه كان منسّقًا مع سلام، لإحراج داعمي مخزومي، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّه شكّل في وقته، "لحظة فارقة" في السياسة اللبنانية، كرّسها خطاب النائب محمد رعد من بعبدا، الذي منح بلهجته الغاضبة معارضيه ما أرادوه تمامًا.

أرادت المعارضة أن "تستثمر" هذا المشهد في استشارات التأليف، فإذا بالمسار الذي اعتمده رئيس الحكومة المكلف يقلب الصورة، بعدما اختار أن "يساير" فريق الثنائي من اللحظة الأولى، من باب "تبديد الهواجس"، والتأكيد أنّه ليس من أهل الإقصاء والعزل، لتتوالى التسريبات عن نسجه تفاهمات مع هذا الفريق على حصّته في الحكومة، بما في ذلك حقيبة المال المثيرة للجدل، مقابل "تهميشه" لقوى أخرى، ومحاولة "مصادرة" دورها في التسمية.

دفع هذا المسار المعارضة إلى "إعادة التموضع" من جديد، بين "معارض" لسلام، وتحديدًا لسياسة "الكيل بمكيالين"، أو "المعايير المزدوجة"، ومدافع عن "واقعيته" في المقابل، التي ساعدت في تحصيل مكاسب "تاريخية" وغير مسبوقة، من بينها حجب "الثلث المعطل" عن "حزب الله" وحلفائه، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وكذلك كسر مبدأ "احتكار" الحصّة الشيعية، مع تسليم "الثنائي" بتسمية وزير شيعي من رئيسي الجمهورية والحكومة.

قد يكون التباين في الرأي بين مكوّنات المعارضة طبيعيًا، وربما بديهيًا، فالتقاطع على اسم سلام، لا يعني بالضرورة توافقًا ضمنيًا على أدائه، خصوصًا أنّ المعارضة منقسمة إلى تيارات تتناقض فكريًا وسياسيًا، إلا أنّ ذلك لا يحجب حقيقة أنّ هذا الانقسام، الذي أظهر بعض المعارضة وكأنّها متشبّثة وراء حقائب سيادية أو أساسية من هنا أو هناك، شأنها شأن الأحزاب التي تنتقدها، جعل المعارضة "الخاسرة الأكبر"، بعدما حوّلت انتصارها إلى هزيمة.

ثمّة من يردّ الأمر إلى أداء المعارضة نفسها، فبعض أحزابها رفعت السقف إلى حدّ لا يمكن أن يؤدي سوى إلى "الخيبة"، خصوصًا مع مناداة بعضها بإخراج "الثنائي" من المعادلة تمامًا، والتعامل معه باعتباره "الحلقة الأضعف"، وبوصفه "مهزومًا ومغلوبًا"، وهو ما بدا متناقضًا مع خطاب أطلقه جزء آخر من المعارضة للمفارقة، دعا فيه إلى تكريس منطق الشراكة والتفاهم، والانطلاق وفق أسُس ومعادلات جديدة.

ولعلّ "الخطيئة" التي ارتكبتها المعارضة في هذا السياق، وجعلها تراكم الخسائر برأي كثيرين، يكمن في أنها "تجاهلت" اختلافاتها في مكانٍ ما، بل فوارقها "الاستراتيجية"، التي لم تسمح لها بتحقيق أيّ إنجاز حقيقي منذ الانتخابات النيابية، علمًا أنّ بين مكوّناتها من يرفض التعامل مع المكوّنات الأخرى من الأصل، كما يفعل بعض نواب "التغيير" مثلاً، الذين يعتبرون أنّ أحزابًا مثل "القوات"، وحتى "الكتائب"، تبقى جزءًا من المنظومة.

لكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في أنّ الأزمة الأخيرة داخل المعارضة أثبتت أنّ التباينات موجودة حتى بين من يصحّ وصفهم بـ"رفاق الصف الواحد"، بدليل السجال بين دويهي وضو، الذي أثار جدلاً واسعًا، ولكنّه ينعكس حتى على الأحزاب، مثل "الكتائب" و"القوات" اللذين لم يظهرا متّحِدَين في مفاوضات التأليف، ولو تبنّيا في العلن الموقف نفسه، علمًا أنّ "الكتائب" بدت جاهزة للدخول في الحكومة، حتى لو قرّرت "القوات" مقاطعتها.

في النتيجة، يمكن القول إنّ المعارضة "خسرت" حكوميًا، عندما أخفقت في "استثمار" انتصار التكليف، على خط التأليف، فأحيت ما يمكن وصفه بـ"المعارضات"، لا المعارضة الواحدة الموحّدة، لتنقسم على نفسها من جديد، وتظهر كمن يبحث عن "حصّة" في "الكعكة"، مكرّسة صورةً نمطية لطالما كانت سببًا في خسائرها المتراكمة، علمًا أنّ الحديث عن تراجع "القوات" مثلاً عن كلّ مطالبها، مقابل حصولها على "الخارجية"، يبدو بدوره مثيرًا للجدل...

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا