الإله ترامب: آمنوا بي أو تَفنوا!
سرت أخيراً نكتة مفادها أن الله أرسل في طلب ثلاثة من الرؤساء الأميركيين. سأل جورج بوش: بماذا تعتقد؟ فأجاب: بحريّة السوق الاقتصادية وأن تكون أميركا الدولة الأقوى في العالم، فاستحسن الربّ جوابه ودعاه للجلوس الى يمينه. ثم سأل باراك أوباما: ماذا عنك؟ فأجاب: أعتقد بقوى الديموقراطية في أميركا وبالمساواة في الحقوق بين المواطنين، فدعاه الله للجلوس الى يساره. ثم سأل دونالد ترامب: وأنت؟ فردّ ترامب: أعتقد بأنك تجلس مكاني!
ما يفعله الرئيس الأميركي الجديد يمكن وضعه في خانة الجنون، كما في خانة الأحلام الكبيرة، لكن المؤكد أنه ينبغي أن يوضع في خانة المخاطر التي تحدق بالكرة الأرضية لا بشعب محدّد أو دولة بعينها. ما يجري اليوم في واشنطن ليس سوى الإعلان الأول عمّا ينتظرنا في القادم من الأيام. فالرجل الذي أشهر أمام العالم أنه يقود «قيامة الرجل الأبيض وتسيّده» على الأرض، يتصرّف معنا جميعاً كموظفين كسالى في شركته العالمية التي قرّر أن يعيد هيكلتها بما يناسب مزاجه، باعتباره رب العمل وصاحب المال، وما على الناس سوى الخضوع له. وهو يقول إنه في ما يريد تطبيقه لا يميّز بين قوم وآخرين، وينطبق على الدول المتقدمة والشعوب الفقيرة على حدّ سواء.
ومرة جديدة، لا تتمكن أميركا الشر من إخفاء الوجه القبيح، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر ببلادنا، وتحديداً لدى الحديث عن فلسطين. وهو يبلغنا من جديد أن إسرائيل دولة تستحق الحياة والدعم للبقاء على قيد الحياة، ويجب إزالة كل ما تعتبره خطراً عليها من الوجود. لذلك، لم يكن صعباً على ترامب أن يطلق «وعد بلفور» جديداً، بإعلانه أمام أكبر مجرم في التاريخ المعاصر، بنيامين نتنياهو، أنه سيعمل على توسيع مساحة إسرائيل، وأنه لا يعارض - بل يريد - طرد الفلسطينيين من غزة.
وهو في ذلك كان مقزّزاً، إذ تحدث عن نقل سكان القطاع الى مكان أكثر أمناً لهم، وتحدث عن الخراب في غزة وكأنّ زلزالاً أصابها أو جرف غضب البحر منازلها، من دون أن يتطرّق الى من تسبّب بكارثة غزة، أو يشير الى دور العدوّ في ما يصيب أهل القطاع. والأنكى ليس ابتسامة مجرم بني صهيون، بل صمت الإعلاميين الذين كانوا يحتشدون في المكتب البيضاوي، والذين لم يجرؤ أيٌّ منهم على سؤاله عمّن تسبّب بالكارثة التي أصابت قطاع غزة حتى صار مكاناً غير قابل للحياة.
المشكلة مع ترامب لا تتعلق بنا فقط. ويبدو أن الصدمة تسود كل العالم، بما في ذلك قسماً كبيراً من الشعب الأميركي نفسه. ومع أن البعض يفسّر ما يقوم به الرئيس الأميركي على أنه طريقه جديدة في التسويق لأفكار قد لا تتحقق، فإن ما عبّر عنه قد يتحوّل في أيّ لحظة الى خطة يجري تنفيذها على الأرض، وعندها سنكون أمام كارثة كبرى، ليس فقط بسبب مخاطر نجاح خطته، بل لأن من غير المنطقي أن يتوقع الرجل، ومعه إسرائيل، وكل الخائفين منه، أن تحصل الأمور من دون مقاومة حقيقية.
قبل يومين، كتب عزرا كلاين في «نيويورك تايمز» مقالاً بعنوان «لا تصدّقوه»، حاول فيه شرح كيف يتصرّف الرئيس الأميركي حالياً. واللافت في المقالة إشارة كاتبها الى أنه «كي تفهم الأسابيع الأولى من إدارة ترامب الثانية، عليك أن تستمع إلى ما قاله ستيف بانون، الذي عمل مستشاراً لصياغة الرسائل السياسية مع ترامب في ولايته السابقة. عام 2019، تحدث بانون عن كيفية تعامل ترامب مع الجمهور، معتبراً أن الحزب المعارض هو الإعلام. والإعلام غبيّ وكسول، ولا يستطيع التركيز إلا على شيء واحد في كل مرة. لذلك عليك إغراقه بالأحداث، فكل يوم نرمي لهم ثلاث قضايا. سيمسكون بإحداها، وسننجز كل ما نريده. ضربة، ضربة، ضربة. هؤلاء لن يتمكنوا أبداً من التعافي». ولذلك ينصح بانون بالعمل «بسرعة الرصاصة، وأن يكون الأمر قاسياً».
ما أراد كلاين قوله إن ترامب يعمل الآن وفق اقتناع بأن الجمهور يعرف عن عمل الحكومة من خلال الإعلام، التقليدي منه أو الاجتماعي المفتوح، وإذا ما تمّ إغراق الإعلام بمعلومات كثيرة جداً وجعلته يلاحق عدة قضايا في آنٍ واحد، فلن تظهر معارضة متماسكة، وسيكون التفكير بوضوح أمراً صعباً.
عملياً، هذا ما يفعله ترامب، بما تنطبق عليه مقولة «ما عم نقدر نلحّق عليه». فخلال أسبوعين فقط من تولّيه منصبه، أصدر مجموعة كبيرة من القرارات التنفيذية التي لا يمكن الإحاطة بها كلها دفعة واحدة، من العناوين الداخلية، الإدارية والمالية، الى القرارات التي تتعلق بالعلاقات التجارية مع الدول المجاورة والبعيدة، إضافة الى خطوات تمسّ العلاقة مع أوروبا والصين، مروراً بملف المهاجرين غير الشرعيين، وصولاً الى واحدة من أعلى ذرواته التي أطلقها أمس بالحديث عن إسرائيل ومستقبل غزة. ويبدو أن ترامب يريد إغراقنا بالأفكار والطروحات، معطوفة على نتائج متفرّقة، بحيث يسيطر على وعي الجمهور من خلال دفع الناس الى الاعتقاد بأن كل ما يطرحه الرجل سيتحقق على الأرض.
ربما لا يعرف الأميركيون، الذين يصدّقون الرجل أو يؤمنون به وكذلك الذين يخافون غضبه، أن ما يعرضه مجنون العصر ليس إلا دعوة الى عالم من الفوضى الشاملة. وحيث لا ينفع الكلام مع هذا الصنف من الوحوش، فإنّ ما يجعله يستيقظ هو صوت المقاومة المباشرة... وهذا ما ستراه أميركا في بلادنا، بمعزل عن طبيعة حكامنا وحكوماتنا!
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|