عاصفة أورتاغوس حملت حكومة
سيكتب الكثير من الآن فصاعداً عن المرحلة التي يجتازها لبنان منذ التاسع من كانون الثاني الماضي.
وسيذكر التاريخ أنّه في أقلّ من شهر، أعيد تكوين السلطة التنفيذية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية مروراً بتكليف رئيس يشكل الحكومة وصولاً الى ولادة الحكومة الجديدة.
تشاء التطورات أن يكون ختام هذه المرحلة بوجود نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس.
أتت هذه السيدة التي حلّت مكان آموس هوكستين موفد الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن، لكي تكمل ما بدأه الأخير على صعيد اتفاق وقف اطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله".
وأثارت أورتاغوس عاصفة منذ وصولها الى لبنان أول أمس الجمعة، من خلال مواقفها من "الحزب".
وخُيّل لكثيرين أنّ الحرب التي بدأتها إسرائيل في أيلول الماضي، جاءت المسؤولة الأميركية لتعلن عن إستئنافها مجدّداً.
إلاّ أنّ الأمور لم تمض على هذا النحو، فجاء تشكيل الحكومة ليعلن أنّ عاصفة أورتاغوس حملت نبأ سارّاً يماثل ما حملته عاصفة "أسيل" من ثلوج إلى قمم لبنان.
ستقول مندوبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلمتها في ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة.
وسيقول في الوقت نفسه رئيس مجلس النواب نبيه بري ماذا حصل حتى مرّ قطوع الوزير الشيعي الخامس بسلام، بعدما قارب تشكيل الحكومة الانهيار، بفعل رفض بري اسم لمياء مبيض الذي اقترحه الرئيس نواف سلام.
وسيوضح بري إذا أراد ما هي الفوارق بين مبيّض التي رفضها وبين فادي مكي الذي قبله.
في انتظار المعلومات لا بد من مواكبة هذا التحوّل الذي أخذ لبنان الى عالم الإنجاز بعد عقود من التعطيل.
لا تعبّر البيانات الصادرة عن الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية في لبنان عمّا دار فيها فعلاً. وكان اللقاء الذي جمع أمس الرئيس بري ومبعوثة الرئيس ترامب نموذجاً.
اعتاد مساعدو برّي لأعوام طويلة أن يصدروا بيانات تتضمّن ما يجب أن يقوله الأخير أمام الجمهور.
لكن ما يقوله فعلاً في الاجتماعات فأمر آخر لا دخل للجمهور فيه. وسيمضي وقت، إذا كان هناك لا يزال متسعاً من الوقت، كي نعلم ما دار فعلاً بين رئيس البرلمان وبين نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط.
وصلت المسؤولة الأميركية الى عين التينة بعدما صرّحت بعد لقائها الرئيس جوزاف عون، إن الولايات المتحدة وضعت "خطوطا حمراء واضحة" مع الحكومة اللبنانية لعزل "حزب الله". وقالت السيدة أورتاغوس إن قادة لبنان ملتزمون بضمان أن الميليشيا المدعومة من إيران "ليست جزءاً من هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال".
لم يكن مضطراً بري في اللقاء مع أورتاغوس أن يدافع عن حليفه، "الحزب". وكان من واجب الضيافة ان يستمع لما ارادت أن تقوله زائرته التي تتحدث الإنجليزية بطلاقة.
ويقال إن رئيس المجلس النيابي يحب أن يتكلم هذه اللغة التي اعتادها عندما كان في مقتبل العمر مهاجراً الى الولايات المتحدة.
لكن وبعد مرور هذا الزمن الطويل من عمر هذا الرجل الذي تجاوز الـ87 عاماً، لم يجد نفسه مؤهلاً للتكلم بطلاقة بلغة "الأنكل سام". واعتمد ولا يزال على من يبرع في هذه المهمة أي مساعده السيد علي حمدان.
قالت مندوبة ترامب في عين التينة ما قالته بعد لقائها مع رئيس الجمهورية. ولم تضطر ان تراعي ظروف مضيفها حليف "الحزب". أما بري فكان له موقف سيفاجئ "الحزب" وغيره إذا ما خرج الى العلن. فماذا كان هذا الموقف؟
لا بد هنا من العودة الى الماضي. وأشهر الكلام الذي جاء على لسان بري بعد حرب عام 2006 ما وصل الينا عن طريق وثائق الويكيليكس الشهيرة. وأتت هذه الوثائق لتزوّد القراء في أنحاء العالم عموماً ولبنان خصوصاً بما يقوله المسؤولون في كل مكان عندما يظنون أنّهم يقولون أمام سفراء الولايات المتحدة الذين يزورونهم أن ما يقولونه في الاجتماعات المغلقة سيبقى سراً انطلاقاً من مقولة "المجالس بالامانات".
لكن الأسترالي جوليان أسانج فضح المستور عندما بدأ في عام 2010 نشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة.
تفيدنا هذه الوثائق الشهيرة أن بري قال أمام الاميركيين أثناء حرب تموز ما يفيد بأنه يرجو أن تنتهي هذه الحرب بما ينهي معضلة سلاح "حزب الله".
وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية في 5 أيلول 2011 تقول :"نقلت وثيقة سرية نشرها موقع «ويكيليكس» أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أحد حلفاء حزب الله، بدا مسروراً لقيام الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع الحزب فى عام 2006، واصفاً العمليات بأنها «مثل العسل».
ونقلت البرقية عن السفير الأميركى السابق فى لبنان جيفري فيلتمان، الذي أصبح عام 2011 مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى أن «بري ندد بالرد العسكري الإسرائيلي القاسي على قيام "حزب الله" بخطف جنديين إسرائيليين». لكنّه أقرّ بأن نجاح العملية العسكرية الإسرائيلية سيشكل فرصة جيدة لتدمير تطلعات «حزب الله العسكرية والسياسية».
إلا أن المكتب الإعلامى لرئيس مجلس النواب سارع بالرد على هذه الأنباء، وقال فى بيان إن «حركة أمل (برئاسة برى) كانت وستبقى شريكاً كاملاً وأساسياً للمقاومة ولـ"حزب" الله تحديداً».
لم يكن بري الأول ولن يكون الأخير في ممارسة أصول اللياقات في مخاطبة السيدات اللواتي التي يضطلعن بمهمات رسمية. وسبق لرئيس حكومة لبنان الحاج حسين العويني أن أجاب على سؤال عن موقفه من تهديدات رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للبنان في منتصف الستينات بطريقة لائقة.
فعندما كان العويني خارجاً من جلسة حكومية برئاسة فؤاد شهاب، سأله الصحافيون: "ما هو ردّك على تهديد غولدا مائير بأن الحرب لمن يريد الحرب"؟ فأجاب: "حدا بيردّ على حرمة"؟
كتبت الـ "نيويورك تايمز" بعد لقاء الرئيس عون ومبعوثة الرئيس الأميركي أن القيادة الجديدة في لبنان "ستحتاج على الأرجح إلى تحقيق توازن مع "حزب الله"، الذي كان منذ فترة طويلة القوة السياسية المهيمنة في البلاد، لكنه تضرّر من حرب مستمرة منذ 14 شهراً مع إسرائيل".
وأضافت الصحيفة: "إن استمرار نفوذ "حزب الله" من شأنه أن يضع الحكومة الجديدة في مأزق. ويخرج لبنان من أعنف حرب منذ عقود ويحتاج بشدة إلى تمويل أجنبي لإعادة البناء لكن الحكومات الغربية تكره إرسال مساعدات إلى حكومة ذات نفوذ غير مقيّد لـ"حزب الله".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن إد غابرييل، رئيس فرقة العمل الأميركية المعنية بلبنان، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان، قوله: "إذا كان هناك أي من عملاء "حزب الله" تم تعيينهم في مناصب رئيسية في الحكومة الجديدة، فسيعقد إن لم يكن يدمر أي دعم من إدارة ترامب الجديدة".
هل كان جواب بري على ما سمعه من اورتاغوس "نعم سيدتي" مفاجأة؟ الأمر ليس كذلك اذا ما تمت مقارنة هذا الجواب بما قرأناه في ويكيليكس.
أحمد عياش- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|