الخارطة النهائية للحكومة... ماذا نستنتج؟
بعد أكثر من خمسة وعشرين يوماً على تكليف نوّاف سلام رئاسة أولى حكومات عهد جوزف عون، و24 ساعة على الغارة الأميركية الدبلوماسيّة التي نفّذتها نائبة المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من على منبر القصر الجمهوري في بعبدا، أبصرت حكومة “الإصلاح والإنقاذ” النور أمس السبت، بعدما تمكّنت الاتّصالات المكثّفة من حلّ عقدة الوزير الشيعي الخامس لترسو على فادي مكّي. فهل جرى اختياره على قاعدة “وزير ملك”؟ أم هو 50/50 كما يروّج البعض؟ أم هو خارج عباءة الثنائي؟
الأهمّ من ذلك كلّه المهمّة التي ستضطلع بها الحكومة، والتي سيعبّر عنها البيان الوزاري، لتتجاوز حقل ألغام قد ينفجر بوجهها في أيّ لحظة في ضوء خارطة طريق دولية مرسومة سلفاً للبنان يفترض به الالتزام بها لكي ينجح في فكّ الحصار الماليّ ونيل تمويل لورشة إعادة الإعمار، وفي إخراج الإسرائيلي من الجنوب على قاعدة تطبيق القرار 1701. ماذا في التفاصيل؟
ثالث ركن الانقلاب
لا بدّ أوّلاً من الإشارة إلى أنّ الحكومة الجديدة التي تضمّ أربعة وعشرين وزيراً من الاختصاصيّين، غير الحزبيين، باستثناء قلّة قليلة منهم ممّن سبق لهم أن دخلوا الجنّة الحكومية مثل طارق متري، غسان سلامة، وياسين جابر، هي:
1- ثالث ركن في الانقلاب الذي شهده لبنان منذ انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية وتسمية نوّاف سلام رئيساً للحكومة. وقد عكست في تركيبتها كلّ التطوّرات الحاصلة من حولها.
2- أوّل حكومة بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 2022، والتي لم يتمكّن الرئيس السابق ميشال عون من تأليف آخر حكومة في عهده لتعكس نتائج الاستحقاق النيابي الأخير. يذكر أنّ الرئيس جوزف عون وقّع مرسوم استقالة حكومة نجيب ميقاتي بعدما امتنع الرئيس السابق ميشال عون عن توقيعها بعد تحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال على أثر انتهاء الانتخابات النيابية.
قد تكون الحكومة الأخيرة التي ستمثل أمام هذا البرلمان. هذا مع العلم أنّ تأليف هذه الحكومة لم يأخذ بالاعتبار كثيراً موازين تركيبة المجلس النيابي، ولو أنّ الرئيس المكلّف وضع معياراً محدّداً يقضي بمنح كلّ أربعة نواب وزيراً. لكنّه حين بلغ عتبة الكتل السنّية أطاح بالقاعدة ليحصر التمثيل بشخصه. وحين حطّ رحاله عند “التيار الوطني الحرّ” أصابه “البخل المقصود” من باب إحراج جبران باسيل لإخراجه وإلحاقه بصفوف المعارضة باكراً.
3- أوّل حكومة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي وصدور قرار وقف إطلاق النار مع الاتّفاق الملحق بالقرار 1701 والذي يفترض أن يتصدّر البيان الوزاري للحكومة التي ستجتمع يوم الثلاثاء المقبل بعد أخذ الصورة التذكارية. وقد تجلّت مفاعيل هذا الاتّفاق في القواعد التي كرّسها نوّاف سلام للتأليف، بعدما خرجت عن المألوف والمتوارث من معايير ومواصفات لطالما استندت إليها حكومات ما بعد الطائف، في محاولة منه لتقديم حكومة “غير تقليدية” تحاكي التطوّرات، وقادرة على مواجهة التحدّيات.
بهذا المعنى، عبّرت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس عن هذه المواصفات بشكل فجّ حين أعربت عن رفض بلادها تمثيل “الحزب” في الحكومة، الأمر الذي وضعه البعض في منزلة “غارة عسكرية” دفعت الجميع إلى تقديم التنازلات والعمل باتّجاه إنهاء التأليف.
تركيبة استثنائيّة
هنا تقود الخارطة النهائية للحكومة بتركيبتها الاستثنائية إلى استنتاج الآتي:
1- كان توزير فادي مكّي، الشيعيّ الخامس، نتاج قاعدة تقول إنّ التسمية لرئيس الحكومة والفيتو لرئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي سبق له أن رفض التسمية الأولى التي تقدّم بها سلام، أي لميا المبيّض، كما رفض رئيس الحكومة المكلّف التسمية التي طرحها بري، أي القاضي عبدالرضى ناصر.
سارع المقرّبون من رئيس الحكومة إلى التأكيد أنّ الأخير نجح في سحب الوزير الخامس من حضن الثنائي، ليسجّل بذلك سابقة هي الأولى في تاريخ حكومات ما بعد الطائف بنزع الفيتو الميثاقي من يدي الثنائي. وأشاروا إلى أنّ الرئيس برّي سبق له أن رفض توزير مكّي في حكومة مصطفى أديب حين سمّي رئيساً للحكومة ولم يؤلّف.
2- نجح سلام في حجب الثلث المعطّل عن الثنائي الشيعي وحلفائه، بعدما تقلّصت حصّتهم إلى أقلّ من ثمانية وزراء، بينما صار بإمكان رئيس الحكومة جمع أغلبية ثلثين أو أكثرية عاديّة من خلال التفاهم مع قوى أخرى. وهو ما كان يقصده بالسعي إلى تأليف حكومة منسجمة بتكوينها. وهكذا تمكّن، بالشراكة مع رئيس الجمهورية، من جمع حصّة الأسد من الوزراء.
3- تمكّن ياسين جابر من عبور معموديّة نار صعبة جدّاً بصموده بوجه الانتقادات التي تعرّض لها الرئيس برّي على خلفيّة تسميته وزير المال، وذلك بسبب المكانة التي يتمتّع بها جابر على المستويين المحلّي والخارجي، والتي سمحت له بأن يتجاوز “النيران الصديقة” قبل “العدوّة”.
4- سجّلت الساعات الأخيرة للمشاورات تبديلات طفيفة في الأسماء والحقائب، حيث عاد شارل الحاج إلى وزارة الاتّصالات فيما أُسندت وزارة شؤون المهجّرين بعدما أُضيف إليها عنوان “الذكاء الاصطناعي” إلى كمال شحادة، الذي أصرّت معراب على توزيره ولو أنّه يشكل تقاطعاً بين “القوات” ورئيس الحكومة.
5- أتاح بقاء “التيار الوطني الحر” خارج الحكومة توزير بول مرقص في وزارة الإعلام من باب حصّة رئيس الجمهورية. وسمح خروج “المردة” من الحكومة، بسبب رفضه حقيبة الإعلام، بدخول لورا الخازن لحود من ضمن حصّة رئيس الجمهورية أيضاً. ولكن بالنتيجة لم يمانع “الثنائي” استبعاد حليفَيه المسيحيَّين، ولم يعد باستطاعته الدفاع عن حضورهما، بما يعكس انقلاب الموازين في الداخل اللبناني.
6- تروّج “القوات” بأنّها نالت حصّة وازنة من الوزراء المسيحيين (أربعة)، لكن فعلياً معظم الوزراء المحسوبين عليها تمّت تسميتهم بالشراكة مع رئيس الحكومة. بالمقابل، يمكن القول إنّ طيف رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة كان حاضراً بقوّة في التشكيلة لجهة تسمية عدد لا بأس به من الوزراء، السنّة والمسيحيين، المقرّبين منه. كذلك الأمر بالنسبة لمنظّمة “كلّنا إرادة” التي تمكّنت من إيصال عدد من المقرّبين منها. وهذا ما أتاح لحزب الكتائب الحصول على حقيبة وزارة العدل، لأنّه كان من الأحزاب التي استفادت من تمويل “كلّنا إرادة” خلال الانتخابات وكان على علاقة طيّبة مع قيادتها.
كلير شكر - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|