مخيمات اللاجئين في البقاع: تلوث بيئي كبير... وفساد مزمن
فور سقوط النظام السابق في سوريا، شرع عشرات آلاف السوريين بالعودة إلى بلدهم، ويتطلع اللبنانيون وكثر من السوريين إلى اكتمال هذه العودة. لكن أعباء اللجوء ونتائجه، لا تنتهي بمجرد عودة اللاجئين، لأن ارتدادات اللجوء وتأثيراته على المجتمعات المضيفة بحاجة إلى جهود كثيرة ووقتٍ ليس بقصير لإعادة الترميم.
في بلدة عرسال البقاعية، المعاناة كبيرة وخطيرة، نتيجة انتشار مئات حُفَر الصرف الصحي غير الصحيَّة، مع ما تسببه من تلوثٍ بيئي كبير وخطر على صحة الناس هناك. وقد ساعد الطقس المشمس وتأخر المطر، على انتشار الروائح الكريهة، فيما مناشدات الأهالي لا تلقى سوى الأذن الطرشاء.
وصل عدد المخيمات في البلدة إلى ١٦٥ مخيَّمًا، توزعت بطريقة عشوائية، من دون أيّ تنظيم ودون أدنى مقومات العيش الإنساني، حسب رئيس البلدية السابق باسل الحجيري: "ظنَّ الجميع في البدايةً أنَّ سقوط النظام السابق مسألة أيام أو أشهر. الحسابات كانت خاطئة، وصل عدد الأخوة اللاجئين في عرسال قرابة١٢٠ ألف بقي منهم حوالي الـ٦٥ ألفا أواخر السنة الماضية. منذ السنوات الأولى للجوء، اقترحنا كبلدية إقامة مخيمات في خراج البلدة كما حصل في الأردن مثلًا. اقتراحنا لاقى رفضًٍا شديداً، التبريرات حينها كانت أمنيَّة، لاحقًا تبَيَّن أنَّ طرحنا كان الأفضل لكن حصل ما حصل".
يعيد الحجيري سبب انتشار حفر الصرف الصحي بهذا الشكل، وعدم ضبطه وفق الشروط الهندسية السليمة، إلى الضغوط الهائلة التي تعرّضت لها البلدية السابقة ما أعطى هامش حركة واسع للمنظمات والجمعيات كي تعمل "عراسها ومتل ما بيناسبها" وعمل المنظمات والجهات المانحة ليس خافيًا على أحد، عندما وصلنا إلى البلدية عام ٢٠١٦ كنا أمام واقع مرير يستحيل تغييره ولم يكن أمامنا سوى تقليل الأضرار، اليوم في ظل انفراط البلدية نحن بحاجة لتدخل الدولّة من دون تأخير.
نصَّت دفاتر شروط إنشاء المخيّمات وفق ما قاله الموظف في منظمة اليونيسيف س.ش. على إقامة "حفر فنيَّة للصرف الصحي" باطون مُسَلَّح عازل يمنع تسَرب مياهها في التراب، يتم سحبها وتفريغها في خزانات تُقام خصّيصاً لهذا الهدف في الجرود، وقد تمَّ صرف عشرات ملايين الدولارات لها، لكنَّ الواقع غير ذلك، فهي مجرد حُفَر ترابية سطحيّة صغيرة، سرعان ما تمتلئ وتطوف منها المياه الآسنة، في الوقت الذي يعرف المعنيون أن العوازل هي لمنع كشف جماعة "مافيا الشفط الصحي" وسرقة ملايين الدولارات، بعد تلزيم هذه التعهدات لجمعيات محليَّة، وهذه الجمعيات بدورها تعمل بهدف الصورة والتقرير على الورق وليس على الأرض.
التلوث تأثيره كبير على البيئة، بالتالي على كل الكائنات الحية، السبب يعود لما تحتويه هذه المياه من فضلات كيماويَّة بيولوجيّة سامّة، أمَّا التأثير البيئي حسب المهندس عبدالله البريدي هو نوعان:
- التأثير السطحي
- التأثير العامودي
التأثير السطحي يحصل بسبب تفاعل مياه الامطار، مع المياه الآسنة في حُفَر الصرف الصحي، ما يؤدي لانتشار الملَوِّثَات أفقياً في طبقة سطح الارض، ذلك يؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة السامَّة، ويُلَوّث المياه السطحية المستعملة في الاستهلاك المنزلي، وري المزروعات، كما يُشكّل خطرًا على الكائنات الحيَّة.
التأثير العامودي بحسب البريدي يحصل نتيجة تسرب مياه الصرف الى عمق الارض، نتيجة استعمال حُفَر غير مُجَهَّزة بعوازل، التسرب بطبيعة الحال يحصل افقياً وعاموديًا، لكن التّسرب الأقوى هو العامودي، بفعل الجاذبية وضغط الماء في الحفرة، تعمل الطبقة الملامسة لمياه الصرف على تنقيتها من الشوائب الفيزيائية مثل الاجسام الصلبة العالقة Suspended solid و الاجسام الصلبة السابحة Volatile suspended solid . لكنّ الأجسام المجهريّة الحيّة و المعادن الذائبة تخترق هذه الطبقة لتصل الى طبقة أخرى ثم تخترقها الى طبقة ثالثة، بعد أن تتشبع هذه الطبقة، لا يعود باستطاعتها إعاقة حركة هذه الاجسام، هكذا دواليك تتلوث طبقات الارض واحدة تلو الاخرى، إلى أن يصل التلوث إلى أعماق الأرض حيث طبقة المياه الجوفية، تحدث هذه العملية بسرعةٍ أكبر عند تواجد شقوق في الارض، خاصّة الطبقات الصخرية، بعضها بفعل الطبيعة، بعضها الأخر بفعل الانسان عندما يقوم بتفجيرات في مقالع الصخر بطريقة غير مدروسة.
التلوث البيئي الحاصل، له نتائج صحية كثيرة ظهرت على القاطنين في البلدة، لبنانيين وسوريين، بحسب الأخصائية في طب الأطفال الدكتورة فاطمة بحلق، في حديث لـ"المدن"، فإن "التلوث له تأثيرات كثيرة على الصحة العامة، خاصة في المجتمعات القروية، حيث الوقاية أقل. بالطبع الأطفال هم الأكثر عرضة للتأثيرات الصحيّة، لأن أجهزتهم المناعية غير ناضجة، ما يؤدي لارتفاع معدلات تعرضهم للملوثات. بينما يكون كبار السن المصابين بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والرئة وغيرها الأكثر تأثراً وتعرضاً لمخاطر التلوث.
تشرح بحلق أوجه التلوث المتعددة، المباشرة وغير المباشرة، فتلوث الماء ينتح عنه " أمراض الكوليرا، التيفوئيد، والتهاب الأمعاء الحاد، كذلك يؤدي إلى تلف الكلى والكبد، والاضطرابات العصبية؛ بينما تنشق الهواء المُلَوَّث يؤدي لأمراض الربو، التهاب الشُعَب الهوائيَّة المزمن، وأمراض الرئة وقد ينتج عنه الإصابة بسرطان الرئة". أما التأثير غير المباشر، حسب بحلق، فيأتي من تلوث التربة الذي يهدد الأمن الغذائي عبر تلوث المحاصيل الزراعية ما يؤدي للتسمم وربما السرطان كذلك الأمراض الجلدية مثل الطفح الجلدي والالتهابات.
بينما التلوث الضوضائي، والتلوث البصري يمكن بحسب بحلق أن يؤديا إلى حالات الإجهاد، القلق، الاكتئاب، كذلك الشعور بالضيق وانخفاض جودة الحياة.
عام ٢٠١٧ بدأت اتصالات البلدية بمراسلة الحكومة الفرنسية بهدف إيجاد حل دائم للصرف الصحي في البلدة، أتت ثمارها حسب باسل الحجيري عام ٢٠٢٠ حين تعهَّدت جمعية التنميَّة الفرنسية بتمويل كامل مشروع الصرف الصحي في البلدة: شبكة تطال كل الأحياء، معمل تكرير متطور مُجَهَّز بالطاقة الشمسيَّة، خزانات عملاقة لتجميع المياه المكرّرة، بكلفة تبلغ 26 مليون يورو. وتَمَّ تحديد منطقة وادي شبيب العقارية في خراج البلدة لإقامة المعمل والخزانات، مع البدء بالمسح الجغرافي والسكاني لإطلاق المشروع، دخلت الحسابات الطائفية والمناطقيَّة لوزارة الطاقّة لتعيق المشروع سنتين، جاء بعدها انفراط عقد البلدية ما أدّى لضياعه بالكامل، فيما المشكلة قائمة وتكبر كل يوم وخطرها يكبر معها.
طارق الحجيري - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|