الصحافة

بعيداً عن السياسية... ما الجدوى الاقتصادية من مطار ثان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يبني الجدل السياسي المُرافق لكل حديث عن الحاجة إلى مطار ثان في لبنان إلى جانب مطار رفيق الحريري الدولي مدرجاً، ولا يعلي برجاً. فالطرح الذي يقترن منذ سنوات طويلة بردّات الفعل السياسية المتشنجة، يغيّب البحث الموضوعي بالجدوى الاقتصادية لتوسيع المجال الجوي اللبناني أو حتى تطويره. لتنتهي إثارة القضية في كل مرة من دون التوصل إلى إجابات واضحة. فهل نحن بحاجة فعلاً إلى مطار ثان في لبنان، وماذا عن الجدوى الاقتصادية لمثل هذه الخطوة؟

ثمة شبه اجماع بين المتخصصين، أن مطاراً واحداً لا يمكن أن يكون كافٍ. حتى لو كانت مساحة لبنان صغيرة، فـ"قبرص توازي بمساحتها مساحة لبنان، ولكنها تحضن مطارين واحد في بافوس والثاني في لارناكا"، كما يقول نقيب المهندسين فادي حنا لـ"المدن"، معتبراً أن ذلك يشكل عاملاً مساعداً للمسافر كي يختار المطار الأقرب إلى وجهته.

خطة طيران شاملة
عند التطرق إلى قطاعات النقل المتنوعة التي نشأت في ظل الإنتداب الفرنسي، يتحدث الكثيرون عن نظرة ثاقبة حملت رؤية مستقبلية في تحقيق الإنماء المتوازي بمختلف المناطق اللبنانية. إذ أن أي مطار أو مرفأ أو حتى محطة قطار تنشأ، تفتح منافذ وسكك عديدة لخدمات إضافية تنعش الاقتصاد وتؤمن لأبناء المناطق التي تنشأ فيها فرص عمل. فيما تعتبر كلفة الحصرية التي يتمتع بها مطار رفيق الحريري حالياً في الملاحة الجوية المدنية، مرتفعة على المسافرين، وحتى على مستوى تطوير المطار، وتوسيع مدرّجاته. وهذا ما يعتبره مدير الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، سبباً كافياً لإنهاء وجود المطار في مكانه، والإنتقال بشكل جذري إلى منطقة أخرى كالقليعات التي يعتبرها خياراً جيداً.

يعتبر شمس الدين أن الضغط الذي يتسبب به توسع العمران في العاصمة يجعل من طرح نقل المطار كلياً من مكانه أمراً مجدياً، مستنداً إلى أن كلفة إنشاء مدرج جديد في بيروت تتضمن نفقات عالية يفرضها ردم البحر، بينما المساحات الجغرافية متوفرة في القليعات مما يجعل الكلفة أقل.

إلا أنه للنقيب حنا رؤية مختلفة، وهو يصر على أن استحداث مطار ثان للمدنيين في لبنان، لا يجب أن يكون بهدف إنهاء دور مطار رفيق الحريري الدولي كمطار مركزي داخل العاصمة. ويعتبر حنا أن تعدد المطارات يحل مشكلة المساحات العقارية التي تضيق في بيروت، لأنه يوزع الضغط على عدة مطارات، مع التطلع إلى ما توفره التكنولوجيا لاحقا من ترشيد لاستخدام المساحات.

ومن هنا يؤكد حنا أنه لا خلاف على الإطلاق بأن وجود مطارين في لبنان أفضل من مطار واحد وثلاثة مطارات أفضل من اثنين. معتبراً أن الموضوع يجب أن يخرج من الجدل السياسي، ويدرس بشكل علمي، وأن يكون لدينا خطة طيران شاملة، تقوم على دراسة وجهة المسافرين المفترضة، وحتى وجهة استخدامها في النشاط الاقتصادي، وعلى تحديد الأهداف التي سيخدمها المطار، وما هي الوظيفة المطلوبة منه. على أن يترافق كل ذلك مع تخطيط حضري بما يتناسب مع الحاجات المطروحة. ويلفت في المقابل إلى دراسات موضوعة حول بعض هذه المسائل، ولكنها تحتاج إلى تحديث بما يتناسب مع الواقع الحالي، ولا مانع من أن يكون ذلك بموازاة الإنطلاق بتجهيز المطارات لتقلع في أسرع وقت ممكن.

الانعكاسات الاقتصادية

يؤيد الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة في تصريح لـ"المدن" أن مسألة إنشاء أي مطار ثان تعتبر أمراً صحياً في لبنان ويعتبر أنه "حتى من دون وجود منطلقات سياسية لطرح الموضوع، مصلحتنا الاقتصادية تقتضي تعدد المطارات."

ويشرح حبيقة أن صغر مساحة البلدان أو كبرها ليس المعيار لتعدد المطارات، وإنما عدد المسافرين. ويرى أن تطوير لبنان سياحياً ووضعه أكثر على الخارطة السياحية يتطلب وجود مطار ثان أو حتى ثالث.

وبرأي حبيقة، فإن أي مطار جديد يقدم خيارات أخرى لمن يتجنبون زيارة لبنان بسبب الواقع المحيط بمطاره الحالي، وبالتالي يعتبر أنه إذا كانت هناك خيارات أخرى متاحة، سنشهد حتماً حركة سياحية أفضل، خصوصاً من قبل الوافدين الأوروبيين والخليجيين. ويلفت حبيقة إلى الحيوية الاقتصادية التي يخلقها إنشاء مطار ثان، كنتيجة لارتفاع عدد الوافدين، وما يمكن ان يؤدي إليه ذلك من انخفاض في أسعار الخدمات، وبطاقات السفر وحتى السلع.

إلا أن حبيقة يشدد في المقابل، على أن أي مطار جديد لا يمكن أن ينشأ بأهداف منافسة للمطار الحالي، وإنما يمكن أن يكون دوره مكملاً له. فيفترض على سبيل المثال تخصيص مطار القليعات في المرحلة الأولى كمدرج لطائرات الـ charter التي يختارها السواح لكلفتها الأدنى، وهذا ما يؤدي إلى توزيع الحركة بين مطاري القليعات وبيروت، خصوصاً ان الأخير غير قادر على استيعاب رحلات الـ  charter حالياً.  ويعتبر أن تطور خدمات المطارات لاحقاً يمكن أن تخلق نوعاً من المنافسة التي تؤمن خدمة أفضل للمواطنين. مستخلصاً بأن تطوير المطارات سلة متكاملة يجب أن تترافق مع خدمات جيدة ينالها المسافرون.

كما يرى حبيقة أن من ضروري تلزيم إدارة المطار للقطاع الخاص عبر مزايدات شفافة تحقق المداخيل للخزينة، وتؤمن الإدارة الرشيدة لمواردها، على أن تطور المطارات نفسها من مداخيلها. ولا يرى مانعاً من تطبيق قاعدة الـBOT في التعاون مع القطاع الخاص والتي يرى أن تطبيقها في القطاع الخليوي سابقاً قدم نموذجاً جيداً.

كما يجزم حبيقة بأن أي مطار ثانٍ ينشأ في أي مكان سيكون له انعكاسات اقتصادية جيدة على البيئة المضيفة، فيرفع من قيمة العقارات، ويشغل القطاعات، ويشجع على إقامة الفنادق والمشاريع السياحية، والخدماتية. وإذ يعرب عن ميله كإبن البقاع لتشغيل مطار رياق لأهداف مدنية، يعتبر أن واقع طريق ضهر البيدر المعرض للتعطل شتاء بسب العوامل المناخية لا يشكل عاملاً مشجعاً، ولذلك يرى أن تشغيل مطار القليعات يشكل خياراً أنسب حالياً، خصوصاً أن بنيته متوفرة ولا يحتاج سوى لبعض عمليات التأهيل.

كلفة مطار ثان
وكانت الدولية للمعلومات قد وضعت دراسة لفتح مطار القليعات منذ العام 2013 بنيت على كشف أجرته لجنة فنية من وزارة الأشغال، وبيّنت أن كلفة تأهيله بهدف إعادة التشغيل تقدر بحدود 200 مليون دولار أميركي تضاف إليها قيمة استملاكات نحو مليوني متر مربع من الأراضي المجاورة. وبحسب شمس الدين فإن الدراسة الموضوعة لا تزال تنطبق على الواقع الحالي، مع توقع ارتفاع الكلفة بقيمة 100 مليون دولار كنتيجة لإرتفاع أكلاف التأهيل والاستملاكات. 

ويعرب شمس الدين عن قناعته بضرورة إنهاء وجود مطار رفيق الحريري ومرفأ بيروت في مكانيهما. وإذ يقدر شمس الدين القيمة العقارية لمرفأ بيروت ومطار بيروت بأكثر من مئة مليار دولار، يرى إمكانية للاستفادة من هذه المبالغ في شق أوتوسترادات مغلقة تؤدي مباشرة إلى مطار القليعات، على أن يتحول مطاراً أساسياً في لبنان. ويؤكد أن طرحه بعيد عن الاعتبارات السياسية، إنما لكون مطار بيروت حاليا يخنق العاصمة، التي لم تعد قادرة على التمدد. مشدداً في المقابل على أن لا جدوى من فتح مطار القليعات من دون تأمين شبكة مواصلات برية مريحة إليه.

ويقر شمس الدين أن ما يطرحه قد يكون بعيدا عن التنفيذ، ولكنه يعرب عن قناعته أيضاً بأن طرح مسألة إستحداث مطار جديد بالأسلوب الذي يجري فيه، لا يظهر بأن هناك نيات فعلية باستحداث أي مطار جديد.

لوسي بارسخيان - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا