الصحافة

إسرائيل تواجه سوريا الجديدة: استدعاء الدويلات؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تستفيق إسرائيل على “حادث سيّئ” جرى في سوريا. سقط نظام بشّار الأسد، ولم يخفِ رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو امتعاضه ممّا اعتبره خطأ غير مقصود سمحت به إسرائيل. اعتبر نتنياهو أنّ الإطاحة بنظام الأسد لم تكن في مصلحة إسرائيل. أضاف: “لم نحصل على الزهور عند سقوط نظام بشار الأسد، لكن لا بأس في هذا. لن نسمح باستخدام الأراضي السوريّة لمهاجمتنا”.

عارضت إسرائيل لدى الدوائر الأميركية بحيويّة إسقاط النظام السوري السابق، ليس بالضرورة حبّاً بالأسد وحاشيته، بل تعبير عن رضى عمّا هو معلوم وخشية من بديل مجهول. وحين سقط المعلوم بدا المجهول غير مطمئن يُعِدّ سوريا بما يقلق إسرائيل. اعتبر نتنياهو أنّ سقوط نظام سوريا السابق  أدّى إلى “تغيير خريطة الشرق الأوسط”.

كان نظام الأسد، الأب والابن، يدرك جيّداً أهميّة النظام السوري بالنسبة لإسرائيل. ضبط حدود سوريا الجنوبية، ومنع أيّ حراك معادٍ في الجولان على الرغم من شعبويّة خطاب دمشق المفرط، وتموضعها داخل محور إيران في المنطقة. نفّذت دمشق في لبنان منذ السبعينيات ما عجزت إسرائيل عن تنفيذه. باشرت حربها ضدّ منظّمة التحرير الفلسطينية قبل سنوات من اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982. وحين انسحبت إسرائيل لاحقاً، حاصرت قوّات تابعة لدمشق الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مدينة طرابلس وأهلكتها قصفاً حتى اضطرّ طرّاد فرنسي إلى الدخول لإخلاء الزعيم الفلسطيني. بعدها حوّل نظام الأسد أنصار حركة “فتح” إلى “زمر عرفاتيّة” يطاردهم ويُسكنهم السجون لعقود.

حين بدأ الصراع الداخلي في سوريا عام 2011، عرف نظام دمشق أنّ مفتاح الحلّ في إسرائيل. خرج رامي مخلوف، ابن خال بشّار الاسد، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في أيار من ذلك العام، يحذّر من أنّه “لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا”. كانت في الأمر رسالة استنجاد فهمتها إسرائيل، وعملت لدى واشنطن على التحذير من مغبّة سقوط “من نعرف” من أجل “من لا نعرف”.

لاعب أساسيّ

لكنّ إسرائيل كانت تدرك أنّ النظام صار آيلاً إلى السقوط. حتى إنّ وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في كلمة ألقاها لمناسبة تسلّمه المنصب من سلفه يسرائيل كاتس، في 10 تشرين الثاني 2024 (أي قبل شهر من سقوط النظام)، تقدّم، من خارج أيّ سياق في حينه، بدعوة إلى تعزيز التحالف مع الأكراد والدروز في سوريا.

تمثّل تصريحات نتنياهو، الأحد، بشأن نزع السلاح من جنوب سوريا، وبقاء القوّات الإسرائيلية هناك هذا العام، وتعهّده بحماية الدروز من أيّ تهديد، بداية مرحلة جديدة تعلن فيها إسرائيل أنّها لاعب أساسي في تحديد مستقبل سوريا وهويّتها السياسية وتوجّهاتها الاستراتيجية. تأتي هذه المواقف مكمّلة لسياسة اعتمدتها أثناء سقوط النظام السابق عبر شنّ موجات قصف منهجي على مراكز تسليح للجيش السوري، والدفع بالقوّات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، واللعب الخبيث على وتر الأقلّيات في وقت يستعِر فيه الجدل السوري بشأن وحدة البلد ومكوّناته وطبيعة النظام السياسي المقبل وشكل الدستور العتيد. يشكّل الموقف الإسرائيلي تحدّياً للإدارة الجديدة في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، لكنّه يشكّل أيضاً تحدّياً للقوى العربية والإقليمية والدولية الداعمة للعهد الجديد والمصاحبة لمسار النهوض بسوريا.

في 16 كانون الثاني الماضي، قال الشرع إنّ “إسرائيل تقدّمت في المنطقة العازلة بذريعة وجود ميليشيات إيرانية، وهذا العذر لم يعد قائماً بعد تحرير دمشق”. وأضاف: “أبلغنا الأطراف الدولية باحترام سوريا اتفاقية 1974 واستعدادها لاستقبال القوّات الأممية وحمايتها”، لافتاً إلى أنّ “الجميع مجمع على خطأ التقدّم الإسرائيلي في سوريا ووجوب العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل التقدّم الأخير”. ويتّضح من مواقف الرئيس السوري تجنيب بلاده المواجهة واستظلاله بالشرعية الدولية، لكنّ إسرائيل تدرك أنّ مواقف دمشق ستتدرّج، ولن تشبه سكون النظام السابق الذي كان فاقداً لأيّ شرعية دولية.

تفتيت سوريا

الأرجح أنّ نتنياهو يستغلّ ضبابية موقف الإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب، بشأن التحوّلات السورية، ليفرض أجندات إسرائيل على أيّ احتضان دولي عامّ لسوريا يحظى بدعم واشنطن. كانت مواقف الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي والمجموعة العربية ومجلس الأمن قد تقاطعت في مواقيت مختلفة على اشتراط قيام نظام سياسي يمثّل السوريين جميعاً ويضمن حقوق الأقلّيات للتعامل مع التحوّل الجديد ورفع العقوبات عن سوريا. لكنّ إسرائيل، التي تراقب تطوّر أداء الشرع وفريقه، وقرب تشكيل حكومة سورية جديدة موسّعة شاملة التمثيل، تبادر إلى فرض نفسها على سوريا والمجتمع الدولي رقماً صعباً في حاضر سوريا ومستقبلها، وشريكاً متقدّماً على طاولة التسويات بشأن سوريا.

بدا في مواقف نتنياهو ما يُشتمّ منه عداء للرعاية العربية التي تقودها السعودية للنظام الجديد، ورسالة إلى الرياض من بوّابة دمشق بعد انتقادات وجّهها من واشنطن لشرط السعودية إقامة دولة فلسطينية قبل أيّ علاقات سعودية مع إسرائيل. تهكّم نتنياهو حينها وطالب الرياض بإقامة تلك الدولة فوق الأراضي السعودية. يستفيد نتنياهو من لحظة زهوّ دولية لطالما وعد بأنّها ستغيّر الشرق الأوسط وتتيح لإسرائيل فرض هذا التغيير على نظام سوريا الجديد.

الواضح أنّ إسرائيل تكره قيام نظام في سوريا يجول زعيمه في محافظات البلاد فيحظى باحتضان شعبي عارم، وتستقبله العواصم، ويحمل خطاباً لبلد يريده واحداً، رافضاً الحديث عن أقلّيات، ومروّجاً لثقافة المواطنة. ثمّ إنّ إسرائيل التي تعرف ضعف سوريا الراهن، تدرك أنّه ضعف مؤقّت، خصوصاً إذا ما نجح الشرع في توحيد البلاد مجتمعاً وتنوّعاً وثقافة ونظام عيش. وعلى الرغم من أنّ لدروز سوريا تاريخاً وطنيّاً لا تنفع معه رسائل نتنياهو الذي لم يقصّروا بالردّ المناسب عليه، إلّا أنّ الأخير يعوّل كثيراً على انشقاقات داخلية والنفخ بصعود الدويلات، ويستدرج واشنطن والعواصم الحليفة نحو شراكة في طموحات تفتّت سوريا وتقضي على خلاص السوريين.

محمد قواص-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا