"لن يكون لصالحها على المدى البعيد"... دعوة عاجلة إلى الإدارة الأميركية!
مصالح ترامب-بوتين تهدد أوروبا والشرق الأوسط: سوريا وفلسطين نموذجاً
منذ وصوله إلى البيت الأبيض ينتهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة تقطع مع كل ما سبق على صعيد ما كرسته الولايات المتحدة الأميركية في بنية النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. تقوم سياسة ترامب على ضرب كل المؤسسات الدولية، ويعتمد سياسة الضغط الأقصى الخارج عن أي سياق ديبلوماسي، مغلباً منطق رجال الأعمال، أو الرأسمالية المتوحشة، في العلاقات بين إدارته وبين الدول الأخرى، سواء كانت حليفة أو صديقة أم عدوة.
عن زيلنسكي وترامب
على الرغم من العبارات التي اجتاحت وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي بأن ترامب "أذل" زيلينسكي، إلا أن حقيقة الأمر تبدو مختلفة. فزيلينسكي تجرأ على ترامب داخل المكتب البيضاوي، وبحضور نائب الرئيس الأميركي وأركان الإدارة وبحضور وسائل الإعلام. اتخذ الرئيس الأوكراني موقفاً واضحاً وهو استماتته أو حتى "انتحاره" في سبيل ما يعتبره قضية أوكرانية يرفض التخلي عنها.
حتماً سيكون للخلاف تداعيات كبيرة على الحرب الروسية الأوكرانية، وعلى الاتحاد الأوروبي ككل. وحتماً سيستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هذه الظروف للانقضاض أكثر على أوكرانيا وضد الدول الأوروبية الأخرى. ينطلق ترامب من خلفية "التقاطع" بينه وبين بوتين بمعان سياسية وشخصية. هذا التقاطع الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على أوروبا، وعلى الاتحاد الأوروبي، وسط تخوف مديد داخل العديد من دوله من الوصول إلى لحظة التفكك، علماً أن الأوروبيين هم بأمس الحاجة إلى الاتحاد لمواجهة طموحات بوتين التوسعية، ولمواجهة مشروع ترامب المساهم في سبيل إضعاف أوروبا، لا سيما أنه عبّر أكثر من مرّة عن عدم استعداده أو حماسته أو قناعته بمواصلة أميركا في دعم حلف الناتو وتعزيزه.
التقاء ترامب-بوتين
من جملة ما قاله ترامب لزيلينسكي إنه يقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة، بينما تصرفات إدارته تضع أوروبا في منزلة حقبة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، علماً أن سباق التسلح سيتسارع بين الدول الأوروبية وروسيا. في المقابل سيستخدم الأوروبيون هذه الأزمة التي افتعلها ترامب من خلال شن حملة مضادة تجاه سياسته تحت عنوان رفض أي محاولة روسية للاستقواء به، لأنهم يعلمون أن أي مكسب يحققه بوتين سيفتح شهيته الشرهة على التمدد والتوسع أكثر، ما سيضرب الاتحاد الأوروبي بالمعنى الاستراتيجي.
هذا الالتقاء الترامبي- البوتيني، لا بد له أن ينعكس على منطقة الشرق الأوسط أيضاً، لا سيما في ضوء المعلومات التي تتحدث عن مفاوضات أميركية روسية حول الوضع في سوريا، خصوصاً أن الاجتماع الأميركي الروسي الذي عقد في تركيا الأسبوع الفائت جرى خلاله بحث في الوضع السوري، مع إصرار موسكو على الاحتفاظ بمناطق نفوذها في سوريا ومصالحها على الساحل السوري، مع تقديم نفسها كراعية لحماية "العلويين" وضامنة لهم. إلا أن التقاطع الروسي الأميركي لا بد أن ينعكس على الوضع ما بين سوريا وإسرائيل، ويمكن لإسرائيل التي تريد سوريا ضعيفة ومشتتة، أن تلعب دوراً في التقريب بين وجهات النظر الأميركية في ظل إدارة ترامب، والروسية لاجل إضعاف الإدارة السورية الجديدة، وإضعاف سوريا ككل، ومواجهة توسع تركيا على الأراضي السورية وفي المنطقة ككل.
ثمة مسألة مشتركة بين إدارات أميركية متعددة وإسرائيل، لإضعاف أوروبا، ومنعها من العمل على صناعة أي وجهة سياسية عالمياً. وخصوصاً بما يتعلق بالشرق الأوسط، وهنا لا بد من العودة بالذاكرة إلى فترة تشكيل لجنة رباعية كانت تضم بريطانيا، روسيا، الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة. لكن هذه اللجنة لم تحقق أي تقدم، خصوصاً أن أميركا وإسرائيل كانتا تعارضان أي دور لأوروبا أو للأمم المتحدة في صياغة أي مشروع حل أو سلام، ولذلك عادت أميركا وكرست دورها الثنائي مع إسرائيل فقط. وهو ما رعته حول مفاوضات السلام الإسرائيلية مع ياسر عرفات، ولاحقاً بين سوريا وإسرائيل، وصولاً إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والذي رفضت فيه تل أبيب وواشنطن أن يكون برعاية الأمم المتحدة، بل كانت رعايته أميركية. كذلك بالنسبة إلى رفض أي دور فعلي لفرنسا، ألمانيا، إيطاليا للعب دور على صعيد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، كما تم رفض مختلف المقترحات الفرنسية والبريطانية والألمانية لمعالجة الوضع في الجنوب، وتم تشكيل لجنة برئاسة جنرال أميركي، أما مشاركة الفرنسيين فيها، فحتى الآن، لا تزال شكلية.
رؤية ترامب لإسرائيل
يبدو ترامب وكأنه يريد تسليف روسيا في أوكرانيا وأوروبا ضمناً، بينما عمل على تكريس "مرجعية" إسرائيل ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. ولم يكن اللقاء مع زيلينسكي إلا شكلاً مختلفاً عن مضمون لقاء ترامب بالملك عبدالله الثاني لجهة الشروط التي فرضها ترامب حول القضية الفلسطينية وخصوصاً قطاع غزة والضفة الغربية، وهو يريد للقائه مع زيلينسكي ونهايته أن يكون عبرة لكل الدول الأخرى ولا سيما الحليفة أو الصديقة لأميركا لتفادي "العواقب". يتحدث ترامب عن استعادة مجد أميركا وقوتها، وعن الاهتمام بالوضع الأميركي الداخلي مع تخفيض الانفاق تجاه كل المؤسسات التي تنشط خارج الولايات المتحدة، وهو ما يريد أن يكون له انعكاس على أوروبا وعلى كل الدول الأخرى، التي ستجد نفسها أمام حالات انكفاء إلى دواخلها، فإما أن تغرق في صراعات فيما بينها، أو أنها تكون مضطرة لتقزيم أدوارها، وهذا أيضاً ما سيكون له انعكاس على دول المنطقة انطلاقاً من رؤية ترامب لإسرائيل التي يجب توسيع مساحتها، على حساب مساحات الدول الأخرى، وتقوية دورها على حساب إضعاف أدوار الدول الأخرى، لا سيما أن ما يسري على قاعدة "سوريا الضعيفة والمشتتة" يفترض أن ينطبق على غيرها من الدول الكبيرة في المنطقة.
منير الربيع-المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|