الصحافة

سلام بين "القرار الكبير" والواقع المعقّد: تصميم وأمل؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في لقائه مع المجلس التنفيذي للرابطة المارونية قال رئيس الحكومة نواف سلام: «إن هناك قراراً كبيراً بأن يستعيد لبنان دوره في جو من الاستقرار، وهناك بشائر أمل في فتح صفحة جديدة».

هذا الكلام سبقه تطور سياسي وميداني بدأ بتحرك اللجنة الخماسية لتأكيد التأييد للشرعية في المهمّات الملقاة على عاتقها، وتجديد الالتزام بمساعدة لبنان في تحرير أراضيه التي لا تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي، وتزخيم عمل لجنة الإشراف على تطبيق القرار الرقم 1701، التي دخلت الظل في الفترة الماضية لأسباب كثيرة منها عدم وجود رغبة لدى الولايات المتحدة الاميركية بثني إسرائيل عن تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية في الجنوب، معتبرةً أنّه لا بدّ منها للتأكّد من عدم امتلاك «حزب الله» المبادرة فيها.

ويبدو أنّ هناك اتجاهاً لتجاوز لجنة الإشراف إلى ما هو أدهى، وهو تجزئة الملف إلى ثلاثة، وإيكال كل ملف إلى مجموعة وذلك من أجل البتّ في الموضوعات آلاتية: الوقف النهائي لإطلاق النار، الانسحاب من التلال الخمس، إطلاق سراح الفئة الثانية من الأسرى اللبنانيين وهم المنتمون إلى «حزب الله». وهذه ملفات يفترض أن تكون في صلب مهمّات لجنة الإشراف. لكن إسنادها إلى مجموعات لدرس كل منها على حدة قد يستبطن أمراً مريباً هو الدفع إلى مفاوضات مباشرة مع تل أبيب، لن يكون لبنان الرسمي قابلاً لها. وبالتالي، فإنّ الحكومة ستكثّف تحركاتها واتصالاتها من أجل أن تتولّى لجنة الإشراف متابعة ملف القرار 1701 وتطبيقه. وحتى العمل على حل مسألة النقاط الـ 13 الحدودية المختلف عليها، ليأتي ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة في سياق القرار الأممي الاخير، ما يمنح هذا الموضوع المتعثر منذ سنوات الفرصة لكي يجد خواتيمه المنصفة.

وفي أي حال، فإنّ الحكومة تتهيأ لإنجاز التعيينات الأساسية في الدولة: العسكرية، الأمنية في جلسة مجلس الوزراء اليوم، تمهيداً للتعيينات المالية والقضائية والإدارية المفتاحية التي تعبّد الطريق إلى ورشة إصلاحية واسعة النطاق لتحديث الإدارة وترشيقها، وتفعيل القضاء وتعزيز إستقلاليته، والاصلاح المالي والنقدي ووضع قواعد جديدة لسياسة ضريبية سليمة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. لكن التطورات الميدانية في جنوب البلاد وشرقها جاءت لتزيد على أثقال الحكومة أثقالاً إضافية، وتوسع رقعة الإرباك، بمواصلة إسرائيل غاراتها الجوية بحجة استهدافها لعناصر من «حزب الله»، وغالباً ما تختلق الذرائع لتبرّر انتهاكاتها التي ترمي إلى تثبيت أقدامها في هذه المنطقة من لبنان. أما في شرقي لبنان، فإنّ حدوده المتداخلة مع سوريا في محافظتي البقاع، وبعلبك - الهرمل هي ولادة دائمة للتوتر والاضطراب. وأتت مجازر الساحل السوري في حق المدنيين، والتي لا يمكن تبريرها أو ردّها إلى أسباب وأسباب، لتكون ثالثة الأثافي. فما حصل في الساحل يحمل في طياته اخطاراً كثيرة على لبنان منها:

اولاً: نزوح مئات العائلات إلى منطقتي عكار وطرابلس وسواهما من المناطق، وهو عبء مضاف على ما شكّله النزوح السوري إلى لبنان منذ بدء الحرب في آذار من العام 2011. والنزوح المستجد قد يكون سبباً لصدامات سورية - سورية، سورية- لبنانية، يرفده الاحتقان السياسي والمذهبي بكل مسوغات الانفجار. وهذا الموضوع يؤرق الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية التي استنفرت لتطويق تداعيات المجازر، وامتصاص كل جنوح إلى التصادم.

ثانياً: إنّ الغارات الإسرائيلية المتمادية، واستمرار عمليات الجرف والهدم في الجنوب، كما في البقاع، ورفض الانسحاب الاسرائيلي من التلال الخمس، يضع الحكومة في مأزق، كونها راهنت على الشرعية الدولية، والدول الدائمة العضوية في الامم المتحدة، والدول الصديقة، لحمل إسرائيل على التزام القرار الرقم 1701، وتحاور «حزب الله» مستعينة برئيس المجلس النيابي نبيه بري، لتطبيق القرار الدولي بحذافيره، وترك أمر حماية الحدود للجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، في اعتبار أنّ تعاون الشرعيتين اللبنانية والدولية يشكّلان المظلة الأمنية الواجبة والضرورية لسيادة لبنان وأمن أبنائه وساكنيه، بمعنى أن يكون جنوب الليطاني خلواً من أي قوة عسكرية أو أمنية، بإستثناء الجيش والقوات الدولية.

ثالثاً: إنّ مجازر سوريا تركت مخاوف جادة لدى ما اصطلح على تسميتها الأقليات الدينية والإتنية، وهي مخاوف راسخة في لاوعيها، ولا يمكن حتى محوها باتفاقات مباشرة، أو غير مباشرة، إذا لم تقترن بتطبيق حازم على الارض. وهذه المجازر عززت القلق لدى معظم الطوائف اللبنانية التي ستتشدّد من خلال الاحزاب والحركات والتيارات السياسية فيها بموضوع السلاح. بمعنى أنّ «حزب الله» الحذر سيكون في مقدّم القوى اللبنانية التي لديها تحفظات عن موضوع السلاح. كما انّ بقية القوى قد تتخذ مما حصل في الساحل السوري حجة لإعادة تسليح نفسها.

وهذه المعطيات يعرفها جيداً رئيس الحكومة، ويعرف جيداً انّها لا تفرش طريق حكومته بالورود. كما يدرك أنّ النيات بين الأفرقاء السياسيين ليست بالصفاء المرتجى، وأنّ ثمة شدّ حبال خفياً يدور في الأروقة السياسية بين من يعتقد أنّ إسرائيل ستواصل حربها تحت شعار «القضاء على حزب الله»، وانّها تعطي لنفسها مزيداً من الوقت لحمل المجتمع الدولي والعربي وحتى اللبناني على «بلع» أي ضربة متوقعة تقوم بها في التوقيت التي تراه مناسباً، وبين من يراهن على إمكان تبدّل المعطيات والأجواء، بما يسمح له بالتقاط الأنفاس والشروع في تعديل الموازين. لكن حجم الضغط الأميركي الذي لا يُواجه بمقاومة من دول كبرى ومقتدرة، والذي تؤازره دولة إسرائيل ويهادنه العرب عن اقتناع أو عن خوف، لا بدّ من أن يثمر. على أنّ ذلك لا يردم بؤر التوتر في الداخل اللبناني، وإن كانت أقل اشتعالاً وأخف وطأة من تلك التي تشهدها سوريا. وكانت لقاءات قصر بعبدا، وعين التينة مع اللجنة التقنية لمراقبة وقف إطلاق النار في الجنوب، واللجنة الخماسية مهمّة لأنّها بحثت في العمق في موضوع وقف الانتهاكات الإسرائيلية في جنوب لبنان، ووضع الآليات العملية للانسحاب من التلال الخمس المحتلة، وإطلاق الأسرى ووقف التعديات.

وفي انتظار أن تتضح نتائج التحرك اللبناني ـ الدولي، فإنّ الحكومة وطدت العزم على العمل والانطلاق لتحقيق ما تعهّدت به في بيانها الوزاري. مع أنّ دون ذلك عقبات لأنّه يحتاج إلى مناخات من التفاهم بين اللاعبين الأساسيين على رقعة «الشطرنج» اللبناني، وهو أمر غير متوافر، ولا يبدو أنّه سيكون متوافراً في المدى المنظور، خصوصاً أنّ المجتمع الدولي يربط اي توجّه إيجابي تجاه لبنان في مجال إعادة الاعمار، وحل أزمة الودائع، يرتبط بالإصلاحات، وهي كلمة تحتاج إلى محددات ومضامين توضح ماهيتها. وموضوع السلاح ايضاً، فيما لبنان الرسمي لم يحسم موقفه بعد تجاه هذا الموضوع لوجود آراء عدة ومقترحات في شأنه، تعكس الخلاف الكبير القائم في البلاد حول هذا الموضوع تحديداً.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا