محليات

أهالي الضاحية يستعيدون "تروما" الحرب: هلع وخوف وأبنية مدمرة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

خوف شديد، قلق، تسارع في نبضات القلب، صراخ، بكاء وهلع. لحظات قاسية عاشها أكثر من 2000 طالب في الضاحية الجنوبيّة، بعد أن قررت إدارة المدارس االموجودة في منطقة الجاموس إخلاءها من جميع الطلاب بسبب إنذار إسرائيليّ بقصفٍ لمبنى بالقرب منها.

الثامن والعشرين من آذار العام 2025 تاريخ لن يُمحى من ذاكرة الأطفال وأهاليهم. لحظات مرعبة عاشوها خلال محاولة الهروب من محيط منطقة الجاموس لكنهم لم يتمكنوا من الخروج من الضاحية الجنوبيّة بسبب توقف حركة السير بشكل كامل.
خوف الأطفال
الثانية عشرة ظهرًا، إسرائيل تنذر بقصف شارع الجاموس. يحيط بالمبنى المُستهدف ثلاث مدارس وهي: المرتضى، الليسيه دي زار والسان جورج. في هذا التوقيت تحديدًا، يكون الأطفال داخل صفوفهم، وزحمة سير خانقة في المنطقة بسبب كثافة سكانها، وعشرات المحال التجارية مكتظة نتيجة اقتراب موعد عيد الفطر.

تروي السيدة سوسن مهنا (ناظرة في مدرسة الليسيه دي زار) لـ"المدن" ما حصل يوم أمس. وتقول: "عدد الطلاب في المدرسة يتخطى الـ1800، جميعهم داخل صفوفهم، لم نكن على علمٍ بما يحصل في الخارج لكن الأهالي باشروا بالحضور إلى المدرسة، وهناك ضعف في شبكة الاتصالات نتيجة الحرب الأخيرة. دقائق قليلة حتى فقدت السيطرة، خصوصًا بسبب إطلاق النار في الخارج لمطالبة كل سكان المنطقة بإخلاء الشارع، أصاب الأطفال الخوف وكنا أمام لحظات قاسية إذ يتوجب علينا تأمين الحماية لكل الأطفال وتسليمهم لأهاليهم، وفي الخارج صعوبة كبيرة للتحرك، عشرات الأهالي عانوا من الوصول إلى المدرسة، ارتفعت أصوات بكاء الأطفال خوفًا من الموت، لكن تمكنا قبل دقائق قليلة من القصف الإسرائيليّ من اخلاء المدرسة من كل الطلاب".

"كان كابوسًا". بهذه العبارة يصف محمد ياسين (أستاذ الرياضيات في مدرسة الليسيه دي زار) يوم أمس. ويقول: "حاولنا تهدئة الأطفال وعدم إخبارهم بما يحصل في الخارج، وبدأنا بفتح كل الشبابيك والأبواب خوفًا من تناثر الزجاج على الأطفال، واجهنا صعوبة بإخراج أكثر من 1800 طالب من ثلاثة أبواب فقط خلال دقائق قليلة. تقاسمنا والإدارة المهام لتأمين الحماية للأطفال، تمسكوا بنا وطالبوا بأهاليهم. أصابهم الهلع والخوف، تركوا حقائبهم داخل الصفوف وغادروا، كنا أمام مجزرة كبيرة في المنطقة، فجميع الواجهات الزجاجيّة تكسرت بالكامل، وهناك الكثير من الأضرار داخل المدرسة لأنها تبعد بضعة أمتارٍ عن مكان الاستهداف".

احتجز أطفال السيدة سارة عياش داخل المدرسة. تقول لـ"المدن" "في الشارع المؤدي للمدرسة زحمة سير خانقة، وشبان يطلقون الرصاص لإخلاء المنطقة، الأهالي يركضون للوصول لأطفالهم، وضعت أولادي داخل السيارة وقبل أن نغادر، اقترب مني أربعة أطفال وطلبوا مني مساعدتهم للوصول إلى منازلهم، كانوا يصرخون كثيرًا خوفًا من بدء القصف الإسرائيليّ على حين غرّة، وعلى الأرصفة عشرات الحقائب المدرسية مرميّة في الأرض، كما أن بعض الاطفال هربوا سيرًا على الأقدام، ومنهم من طلب من شبانٍ توصيلهم إلى أهاليهم على دراجات ناريّة".

الأضرار المادية
حلّ الخراب على المنطقة، تسابق السكان مع الزمن للنجاة، وكأنها لحظات يصارع المرء فيها الموت. في المبنى المواجه لمكان الاستهداف، كانت الأمهات يتحضرن لتجهيز الإفطار. تلقت السيدة سناء الحاج علي اتصالًا من صديقتها، تطلب منها مغادرة المنزل فورًا. تشرح لـ"المدن" "تضرر منزلي خلال الحرب، بعد وقف إطلاق النار باشرت بترميمه، لم أتوقع أن تستهدف الضاحية مرة أخرى، كان ابني نائمًا، غادرنا المنزل سريعًا ولم نتمكن من حمل حقيبة الطوارئ، التي كانت مجهزة منذ أكثر من عامٍ، وفيها أوراقنا الثبوتية وشهادات أطفالي. خرجنا بسرعة، توجهنا نحو شقيقتي في بيروت التي جهزت لنا الإفطار، وبعد انتهاء القصف الإسرائيليّ عدنا إلى المنزل وبدأنا بترتيبه، الأضرار كثيرة جدًا، تناثر الزجاج في كل مكان، تشققت الجدران، لم يعد صالحًا للسكن لكن سنقوم بتجهيزه للرجوع إليه، رممت منزلي في المرة الأولى والآن سأبدأ بترميمه مرة أخرى.

جالت "المدن" في منطقة الجاموس، القصف الإسرائيليّ طال أكثر من ثلاثة مبانٍ مُلاصقة، عشرات المحال التجارية تحولت فجأة لرُكام ممزوج برائحة البارود. خسر السيد حسن صاحب قهوة ومطعم "ديوان السيد" محلّه بالكامل، ويقول: "كنت نائمًا، اتصل بي صديقي يبلغني بأن إسرائيل ستقصف المقهى، ركضت للوصول إلى أطفالي في المدرسة وابتعدنا عن المنطقة، وبعد انتهاء القصف عدت إلى المنطقة، تحول المقهى لركام، لم أتمكن من إخراج صورة والدتي من المحل، دُمر بالكامل، فتح هذا المقهى منذ أكثر من 13 عامًا، وتكلفته تتخطى الـ120 ألف دولار، تضرر في الحرب  وقمت بترميمه وتغيير الديكور بداخله، لكن إسرائيل حوّلته لركام يوم أمس، تفاجئنا بحجم الدمار الهائل، عدة مبان قصفوا بالكامل، والأضرار كثيرة، خسرت منزل عائلتي في الضاحية الجنوبيّة خلال الأشهر الماضية وتدمر منزل العائلة في جنوب لبنان، واليوم خسرت هذا المقهى وعلينا البدء مرة أخرى من جديد".  

هي الحرب، التي تعبث مجدّدًا بصحة السكان النفسية، وبمنازلهم وبأرزاقهم. تمكنت إسرائيل من ايقاظ "تروما" الحرب التي ورثوها في الأشهر الماضية بعد أن رميت في أجسادهم، أعيدوا فجأة إلى مشاهد الدمار والركام ورائحة البارود الكريهة. ومن كان سعيدًا بعودته إلى منزله بعد وقف إطلاق النار، تدمر منزله يوم أمس. وكل الخوف من أن يتكرر هذا المشهد لاحقًا مع أي عملية تنطلق في جنوب لبنان.

فرح منصور-المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا