الصحافة

نصرالله الراكب الأخير في بوسطة عين الرمانة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

روى أمس الوزير السابق محسن دلول لكاتب هذه السطور أنه كان ظهر يوم الأحد في 13 نيسان عام 1975 برفقة السابقين رئيس الحكومة رشيد الصلح والنائب جان عزيز في ضيافة السياسي جان عبيد في منزله ببلونة لتناول طعام الغداء. وأتى خلال الجلسة أحد مرافقي الصلح وأسرّ في أذنه أمراً، فقام الأخير على الأثر وانتقل إلى سيارته الليموزين في باحة منزل عبيد وتناول سماعة جهاز اللاسلكي وتبلغ من محدّثه على الجهاز وقوع أحداث عين الرمانة.

عاد الصلح إلى منزل عبيد وأبلغ الحاضرين النبأ. وخيّم الوجوم على الوجوه. وقال عزيز لرئيس الحكومة عندما كان يهمّ بمغادرة المكان عائداً إلى مقر رئاسة الحكومة في بيروت: "إنّي أشتم رائحة كريهة في لبنان"!

تصاعدت منذ ذلك اليوم أكره الروائح في تاريخ لبنان. كانت روائح اختلطت فيها روائح الدماء والبارود الذي غيّب أجمل روائح طبيعة هذه البلاد. وانتظر من بقوا أحياء حتى العام 1989 كي يشتموا بخوراً تصاعد من الطائف في المملكة العربية السعودية إيذاناً بأنه حان الوقت كي تنجلي سحابة الموت وترحل من سماء لبنان.

ما بقي من أسئلة التي لم يجب عنها التاريخ حتى اليوم واحد هو: لماذا دخلت البوسطة التي كانت تقلّ أعضاء في تنظيم فلسطيني مسلّح الى عين الرمانة وتجتاز المكان الذي سقط فيه المسؤول الكتائبي جوزيف بو عاصي قبل ساعات من مرور الحافلة، فكانت أن وقعت مجزرة البوسطة التي أطلق هديرها شرارة أطول حروب لبنان؟

طوت الحرب هذا السؤال والكثير من الأسئلة التي بدت غير مهمة وسط البركان الذي تدفقت حممه فأحرقت الأخضر واليابس في بلاد الأرز. لكن هناك الكثير من الأجوبة التي جاد بها الزمن ليروي أن لبنان دفع ثمن السلاح الفلسطيني الذي لم يعثر في كل الشرق الأوسط عن مكان لإطلاق النار سوى لبنان فإذا بنار هذا السلاح يحرق اللبنانيين والفلسطينيين معاً.

يعلم التاريخ أن كثيرين لا يريدون التعلم من أمثولاته. وأكد هذه المقولة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي يغيب اليوم للمرة الأولى عن الذكرى الـ 50 لحرب 1975. وكان عمره الذي انقضى في 27 أيلول الماضي قد أتاح له أن يحيا 49 عاماً تمر بها الذكرى.

كرر نصرالله في 14 تشرين الأول 2021 تجربة بوسطة عين الرمانة، سواء بعلم منه أو من دون علم. فقد انطلقت في ذلك اليوم من الشياح تظاهرة اخترقت عين الرمانة احتجاجاً على المحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار . وقاد التظاهرة "حزب الله" وحركة "أمل" . وانتهت الى سقوط سبعة قتلى وأكثر من ثلاثين جريحاً.

كان معلوماً في ذلك الوقت أن مسار التظاهرة يقضي بأن تصل إلى قصر العدل، ولا حاجة على الاطلاق لمرورها بعين الرمانة. وقد تتشابه الأمور أيضاً مع بوسطة عين الرمانة قبل نصف قرن والتي كانت أمامها دروب عدة للوصول من طريق الجديدة إلى تل زعتر بعيداً عن عين الرمانة.

أطل الأمين العام لـ"الحزب" حسن نصرالله بعد 4 أيام ليعلن في خطاب متلفز كثير من المواقف التي لا بد من العودة اليها اليوم لأخذ العبر:

-"ما ظهر من تسليح وتدريب وهيكليات يؤكد أن هناك ميليشيا مقاتلة في الطيونة".

- "كل ما صدر عن حزب "القوات اللبنانية" من تصريحات ومواقف كان تبنياً كاملاً لمجزرة يوم الخميس".

- "منذ خروج رئيس حزب "القوات اللبنانية" (سمير جعجع) من السجن وهو يبحث عن عدو، والعدو الذي يمكن أن يعمل عليه ويبني بازاراً وتجارة عليه مع دول إقليمية كان "حزب الله"، وهو يحاول إقناع المسيحيين أن هذا هو العدو الذي يريد اجتياح مدنكم وتبديل هويتكم".

- "جلسات داخلية حصلت قبل أشهر حرّض فيها رئيس حزب "القوات اللبنانية" الحلفاء القدامى لمواجهة عسكرية مع "حزب الله"، لأنه وفق ما يقول فإن "القوات اللبنانية" اليوم أقوى مما كانت في زمن بشير الجميل".

- "البرنامج الحقيقي لحزب "القوات اللبنانية" هو الحرب الأهلية لإقامة كانتون مسيحي يهيمن عليه هو، دون أي أحد آخر".

- "القوات اللبنانية" ليس لديها مشكلة في افتعال أحداث تؤدي إلى دم، لأن هذا الأمر يتم توظيفه بخدمة الهدف، حتى لو كان ذلك سيجر إلى صدام عسكري واسع أو إلى حرب أهلية، لا مشكلة لديهم".

- "عناصر "حزب الله" بهيكله العسكري مدربون ومجهزون ولديهم تجارب، وإذا أشير لهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها، وعددهم 100 ألف مقاتل.. مع مين بدك تعمل حرب أهلية أو اقتتال داخلي؟".

- "إنت عم تحسب غلط متل ما حسبت غلط بكل حروبك وطلعت خاسر، ما إجا يوم من 1982 وكان حزب الله فيه قوي متل اليوم بحسابات الإقليم والمنطقة.. أنت غلطان مئة بالمئة".

- "نحن لسنا ضعفاء ولكن لدينا أخلاق وقيم، وأقول لحزب "القوات" ورئيسه لا تخطئوا الحساب وتأدبوا".

- "أنصح حزب "القوات اللبنانية" ورئيسه التخلي نهائيا عن فكرة الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية"، مضيفا: "أي عمل يؤدي إلى اقتتال لازم يشيلو من راسو لأنو عم يحسب غلط".

قال نصرالله اكثر مما نقرأ اليوم. لكنّ حرفاً مما قاله لم يطابق الواقع الذي انتهى الى رحيل نصرالله.

تختزل بوسطة عين الرمانة تاريخ لبنان الذي عشناه منذ 50 عاماً. ويرجو الاحياء الذين عاشوا المحنة او الذين يسمعون بها اليوم أن يكون نصرالله وما يرمز اليه من تجربة عاشت اكثر من 4 عقود هو آخر راكب يترجل من بوسطة هذا التاريخ. ويتعيّن على محبي نصرالله الذين ما زالوا يتطلعون الى تسلق البوسطة أنهم يسيرون في الاتجاه المعاكس كما حصل سابقاً مع السلاح الفلسطيني واليوم ما ينتظر ان يحصل لما تبقى من السلاح الإيراني.

أحمد عياش-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا