الصحافة

بانتظار المهديّ: أزمة “الحزب” والدّستور

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يوجد في دستور لبنان أيّ ذكر لاعتبار أعضاء حزب محدّد “أشرف الناس”. ولا ينصّ “اتّفاق الطائف“، وهو العقد الاجتماعي لـ18 طائفة لبنانية، على احتفاظ مجموعة حزبية محدّدة بسلاحها “بانتظار ظهور الإمام المهديّ”. ولم نجد أيّ بند ينصّ على “قطع اليد التي ستمتدّ إلى سلاح الحزب”… وهذا خطأ مهول ينبغي العمل على تصحيحه فوراً وبأسرع وقتٍ ممكن.

ماذا قال قادة “الحزب” عن السّلاح؟

يعاني دستور لبنان من خلل بنيوي كبير. فهو “غير مطابق لمواصفات” “الحزب”. إذ إنّ نائب رئيس المجلس السياسي لـ”الحزب” محمود قماطي قال قبل يومين إنّ “اليد التي ستمتدّ إلى سلاحنا سنقطعها”. وهي الجملة نفسها التي قالها الأمين العامّ الراحل السيّد حسن نصرالله في عام 2005. حينها اعتبر أنّ “أيّ عمل من هذا النوع هو عمل إسرائيلي وقرار إسرائيلي ومصلحة إسرائيلية، وسنعتبر أيّ يدٍ تمتدّ إلى سلاحنا يداً إسرائيلية وسنقطعها”.

أن يستعيد نائب رئيس المجلس السياسي هذه الجملة، التي عمرها 20 عاماً، ويكرّرها، ويوزّع “الحزب” مقطع الفيديو بكثافة، فهذا أمر يتناقض تماماً مع ما نسمع عن أجواء إيجابية. وهو يقترب من كونه اعتداءً على ما قاله في اليوم نفسه رئيس الجمهورية جوزف عون من قطر، وهو التالي: “القرار اتُّخِذَ بحصريّة السلاح بيد الدولة، تبقى كيفيّة التنفيذ عبر حوار ثنائي مع الحزب”.

بين انتظار المهديّ وقطع الأيادي: معضلة الدّولة

تزامن كلام محمود قماطي مع انتشار كبير لكلام الزميل قاسم قصير في حوار تلفزيوني قال فيه: “سمعت من المسؤولين (في “الحزب” طبعاً) أنّ هذا السلاح باقٍ باقٍ باقٍ حتّى ظهور الإمام المهديّ”.

استبق الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم هذين التصريحين بقوله في 10 آذار الماضي: “ما حنبطّل مقاومة. واللي بيطلع بإيدكم يطلع بـ…”.

3 تصريحات تراوح من المنصب الأوّل في “الحزب”، إلى نائب رئيس مجلسه السياسي، وصولاً إلى أحد المقرّبين والناطقين بلسان بيئة “الحزب” هذه الأيّام، وهو أكثرهم احتراماً وهدوءاً واتّزاناً.

أن تكون الرسالة حادّة بهذا الشكل من هؤلاء الثلاثة، على اتّساع مروحة تمثيلهم، وضيق صدورهم بالنقاش الدائر في لبنان الدولة العاجزة، فهذا يعني أنّ “الحزب” لا يريد لبيئته أن “تستوعب” التغييرات المهولة، وبالتالي يريدها بيئة مُستنفرة باستمرار.

الجمهور يريد الانتفاضة

وزّعت جهات غير رسمية أمس دعوة عنوانها “بيان صادر عن جمهور المقاومة الإسلامية في لبنان”. ولا نعرف كيف لـ”جمهور” أن يوزّع بياناً. وهل هناك فعلاً جهة معنويّة لها عنوان محدّد اسمها “جمهور المقاومة”؟


تصف الدعوة قرار حصر السلاح بيد الدولة بأنّه صادر عن “أصوات مشبوهة مشبعة بروح العمالة والخيانة، تدعو بكلّ وقاحة إلى تسليم سلاح المقاومة”. ويدعو البيان إلى “النزول الحاشد في كلّ المناطق اللبنانية في تظاهرات غاضبة… سلاح المقاومة خطّ أحمر”.

أسئلة كثيرة يستدرجها هذا البيان. فمَن هو “الوقح” الذي يدعو إلى تسليم السلاح؟ هل هم الرؤساء المعنيّون بـ”الحوار” مع “الحزب”؟

ما كلّ هذه الرسائل؟ قطع أيدٍ وانتظار الإمام المهديّ و”يطلع بـ…” و”وقاحة” حصر السلاح بيد الدولة؟

هل الدّستور اللّبنانيّ يحتاج إلى تعديل؟

في رواية “الحزب”، التي يمكن تجميعها من المصادر الأربعة المذكورة أعلاه، أنّ الدستور اللبناني فيه أعطاب كثيرة على قيادة “الحزب” أن تخرج وتطالب بتصحيحها فوراً.

إذ إنّه في باب “تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي”، يقول اتّفاق الطائف التالي: “اتّخاذ كلّ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً، والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارىء الدولية في الجنوب اللبناني لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي وإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود”.

لا وجود في الدستور لـ”انتظار المهديّ”، ولا لـ”قطع اليد التي ستمتدّ إلى سلاح الحزب”. ولا لخطوط حمر، يضعها الشيخ نعيم قاسم أو “جمهور المقاومة”، الذي يشتم “الوقحين” ويؤنّبهم ويهدّدهم.

هذا خطأ ينبغي تصحيحه. وبسرعة. وعلى قيادة “الحزب” أن تعلن جهاراً نهاراً أنّها تريد تعديل الدستور. وأن تذهب بالتعديلات إلى مجلس النوّاب. وهذا ليس عيباً. “الحشد الشعبي” في العراق حصل على شرعيّة “قانون” في مجلس النواب في عام 2016. يتألّف القانون من 3 موادّ، في 3 أسطر، أهمّها: “يكون الحشد الشعبي تشكيلاً عسكرياً مستقلّاً وجزءاً من القوّات المسلّحة العراقية ويرتبط بالقائد العامّ للقوّات المسلّحة”.

بسيطة…

المعادلة الدّينيّة السّياسيّة

مجدّداً: المشكلة مع تشكيلات الحركات الدينية – السياسية في لبنان وفي العالم كلّه، أيّاً كان إيمانهم ومعتقدهم، أنّهم لا يكتفون بعبادة آلهتهم، وانتظار الغائبين من مقدّساتهم.

على سبيل المثال، تبدأ المشكلة مع المتديّن المسيحي حين يعتقد أنّ من واجبه تأكيد ألوهيّة السيّد المسيح. وتتفاقم حين يضع على عاتقه أن يعاقبك إذا لم تؤمن بما يؤمن. وتبدأ الحرب الأهليّة حين يقرّر أن يتسلّح وأن يقتلك إذا لم تنخرط، أو تدعم تنظيماً مسلّحاً (7 أيار: اليد التي ستمتدّ…).

الدين في هذا المعنى لا يعود وسيلة من وسائل التقرّب من الله أو العبادة. بل يتحوّل إلى واحدة من وسائل “الحكم”، بقوّة “سلاح المقاومة”. أي أنّه يصير أقرب إلى السطو المسلّح على السلم الأهليّ، وعلى السلطة، وعلى قدرة أيّ مجتمع على التناغم والعيش المشترك بين مكوّناته.

استطراداً، ليست المشكلة أنّ بعض اللبنانيين يريدون انتظار ظهور الإمام المهديّ، أو عودة السيّد المسيح، أو يوم القيامة أيّاً كان شكله. الكارثة حين يعلنون ويتصرّفون على أساس أنّ حياة كلّ لبناني، أيّاً كانت قناعاته أو دينه، هي ملك لهم. وأنّه مجبور على تحمّل امتلاكهم السلاح، أو التعرّض للقصف وإطلاق النار والموت، في سبيل هذه القناعة.

يخرج في اليوم التالي علينا من يتحدّث عن تقطيع أيدي من يريدون دولة يكون المواطنون فيها متساوين. وبلغة تشبه لغة رجال العصابات “إلي بيطلع بإيدكم…”.

ثمّ يخرج من يحدّثنا عن مجموعة جريحة، وغاضبة، يجب أن نحضنها.

أيّ حضنٍ لمن يريدون تقطيع أيدينا ويوجّهون إلينا الإهانات، ويقولون لنا إنّ سلاحهم مربوط بتاريخ لا يعلم به إلّا الله. وإنّنا سنظلّ نعيش في الحرب، مع استمرار السلاح خارج الدولة، نتنقّل من موتٍ إلى إفلاس إلى دمار… كضحايا مستمرّين ودائمين. ومن لم يَمُت بقصف إسرائيل وصواريخها، فستُقطع يده أو “رح يطلع بـ…”.

محمد بركات -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا