الصحافة

من تفجير المرفأ إلى السلاح... كيف ينفّذ "حزب الله" تهديداته؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا تُطلّ تهديدات "حزب الله" من زاوية تسليم سلاحه فقط بل تتعدّاها إلى ملفات أخرى ليس آخرها ملف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. والسؤال يدور حول الطريقة التي يمكن أن ينفّذ فيها "الحزب" هذه التهديدات بقطع الأيدي من أجل وقف المسارين: مسار السلاح ومسار التحقيق الذي يمضي فيه القاضي طارق البيطار قُدُماً بعد مثول رئيس الحكومة السابق الدكتور حسان دياب أمامه أمس الجمعة، بعدما كان رفض سابقاً مع متهمين آخرين بحجة الحصانات.

في 21 أيلول 2021 زار رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في "الحزب"، الحاج وفيق صفا، قصر العدل في بيروت. وعندما لم يستقبله المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، أرسل إليه تهديداً بقبعه من موقعه بأي طريقة كانت. وصل "التبليغ" إلى البيطار فأخذه بالاعتبار ولكنّه ردّ عليه بإهماله ليتابع تحقيقاته، فادعى يومها على النواب علي حسن خليل، وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، ودعا خليل إلى جلسة استجواب في 30 أيلول 2021 وزعيتر والمشنوق في 1 تشرين الأول.

صفا كان التقى ذلك النهار كلاً من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي رفض أيضاً طلب صفا بقبع البيطار.

من عويدات إلى الحجار

عويدات الذي طلب من البيطار إعداد تقرير بشأن "ما تمّ تداوله عن التهديد"، عاد وادعى عليه محاولاً قبعه. ما لم يستطع صفا تحقيقه كاد عويدات أن يفعله. صحيح أن الدعاوى انهمرت على البيطار لمنعه من استكمال التحقيقات ولكنه لم يستسلم وبقي يراهن على أن الدولة عائدة وأنّ عهداً جديداً للبنان لا بدّ أن يبدأ. ولذلك بعدما اعتبر أن لا قوة قانونية يمكن أن تقبع المحقق العدلي، عاد إلى الإمساك بالملف. خرج عويدات من قصر العدل وحلّ محله القاضي جمال الحجار في النيابة العامة التمييزية. وبعدما كان عويدات منع الأجهزة الأمنية والضابطة العدلية من الردّ على طلبات البيطار وأطلق سراح الموقوفين والمتهمين، أسقط الحجار حجج عويدات المدعى عليه أيضاً، وأطلق سراح التحقيق فاستأنف البيطار عمله. أكثر من مدعى عليه أو مشتبه فيه ممن كانوا يتحججون بالحصانات، كالرئيس حسان دياب، عادوا وحضروا أمام البيطار الذي حقّق معهم من ضمن لائحة تشتمل على أسماء كثيرة، ومن بينها عويدات الذي لا مفرّ أمامه من المثول.

تهديدات في مهبّ الريح

عودة البيطار تعكس عودة القرار إلى السلطة الشرعية والعدلية بعدما فشلت محاولات وقف التحقيق المختلفة التي أعقبت تهديد صفا أو سبقته. من مطالعات الأمين العام السابق لـ "الحزب" السيد حسن نصرالله القضائية التي طلب فيها تطيير البيطار ووقف التحقيق، إلى محاولة تعيين محقّق عدلي رديف بقبول وسعي من وزير العدل السابق هنري خوري، إلى تطويق قصر العدل بالتظاهرات، إلى محاولة تفجير الوضع الأمني في أحداث الطيونة في 14 تشرين الأول 2021، بعد أسبوعين على تهديدات صفا، وصولاً إلى الدعاوى الكثيرة ضد البيطار وضد الدولة، وتطيير نصاب مجلس القضاء الأعلى وتطويق رئيسه وشل عمله بالتكافل والتضامن بين "حزب الله" وما كان تبقى من عهد الرئيس السابق ميشال عون الذي كان أوقف التشكيلات القضائية غير عابئ بنتائجها الكارثية على القضاء.

مع العهد الجديد بدا وكأنّ هناك متنفساً جديداً يمكن أن يطلق التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت من جموده. ولكن يبدو وكأنّ هناك محاولة جديدة لمنع الخروج من الدائرة المقفلة التي كانت فرضت عليه. من هذه الزاوية يمكن النظر إلى التحرك الذي حصل ظهر الخميس 24 نيسان الحالي في قصر العدل عندما زار وفد من "لجنة تجمع أهالي شهداء وجرحى مرفأ بيروت" التي انشقت عن أهالي الضحايا ويديرها "الحزب"، النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، ليبلغه رفضه لما يعتبر أنها تسوية أُبرمت مع المحقق العدلي القاضي البيطار.

وفيق صفا... تابع

ولم يقتصر الأمر على هذا اللقاء "التأديبي" مع الحجار بل وزّع الوفد منشوراً في أروقة قصر العدل في بيروت، هاجم فيه القاضي البيطار ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، متهما القضاء بـ "التآمر على دماء الشهداء". وبعدما حاول الدخول إلى مكتب البيطار الذي لم يكن موجوداً، طالبه بالتنحي عن الملف، و"إلا سيكون الرد في الشارع"، وحمّله مسؤولية "الدماء التي قد تسيل، وقد تُشعل الشارع من جديد".

تحرك هذه اللجنة يعتبر مكملاً لزيارة صفا إلى العدلية قبل أربعة أعوام. والتهديد مباشر للقضاة عبود والحجار والبيطار وكل من يتولى النظر في قضايا مرتبطة بالملف، وهو يأتي في تزامن واضح مع التهديدات التي أطلقها أكثر من مسؤول في "حزب الله"، من بينهم وفيق صفا، رفضاً لتسليم سلاحه ووصلت إلى التهديد من جديد بقطع الأيدي.

الحزب يعمِّق مأزقه

كيف يمكن أن يصرف الحزب هذه التهديدات؟ وهل يكرّر مثلاً ما حصل في الطيونة لوقف تحقيقات المرفأ؟ وكيف سيقطع أيدي المطالبين بنزع سلاحه؟ وهل قطع الأيدي يوقف مسار قرار حصرية السلاح بيد الدولة الذي قال رئيس الجمهورية جوزاف عون إنّه اتّخذ وأنّ المسألة مسألة وقت فقط؟ وهل هذه التهديدات تكشف عمق المأزق الذي وضع "الحزب" نفسه فيه؟ وهل سيتعمّق هذا المأزق أكثر عندما يكتشف "الحزب" أنّه غير قادر على تنفيذ تهديداته؟ وعندما يتأكّد أيضاً أن هذه التهديدات لم تفعل فعلها ولم توقف لا التحقيق ولا مسار تسليم السلاح؟

في اعتقاد بعض المتابعين أن "الحزب" قد يلجأ إلى وضع تهديداته موضع التنفيذ من خلال الذهاب إلى خيارات أمنية مكرهاً. فهو يمكن أن يكون حاول من خلال التهديدات الكلامية أن يوقف المسارين، وأن يوصل الرسائل، على طريقة الحاج وفيق صفا، لعلّ السامعين المقصودين يفهمون ويخافون وينصاعون ويتوقفون. ولكن يبدو أنّ هدف "الحزب" لن يتحقّق لأنّ طريقة التعاطي مع هذه الملفات في العهد الجديد للبنان تبدّلت. حتى أنّ هناك بعضاً من القيادة المتبقية في "حزب الله" يعتبر أنّ على "الحزب" أن ينحني وأن ينهي هذه الملفات من المرفأ إلى تسليم السلاح بأقلّ قدر ممكن من الخسائر، على قاعدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم الاستمرار في متابعة عملية الانتحار. ولكن ليس هذا هو موقف "الحزب".

من هنا يبقى التخوف من عمليات أمنية تصعيدية وارداً. ولذلك يجب اتخاذ احتياطات وتدابير أمنية أكثر في محيط قصر العدل وفي داخله منعاً لأي اختراق، ولتأمين الحماية اللازمة للقضاة الذين يطالهم التهديد. وبالتالي لا يمكن الاطمئنان إلى أي ضمانات تلغي هذه الاحتمالات حتى على مستوى السلطة السياسية والعهد وتحركات الرئيس. فالرئيس رفيق الحريري كانت لديه مثل هذه الضمانات واعتبر أنّه محمي برعاية دولية ولكن اغتياله أسقط هذه النظرية. 

نجم الهاشم-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا