الشيعة ليسوا ورقة تفاوضية بيد إيران
في خضم التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر في الجنوب وصولاً إلى كل لبنان، وفي ظل المسار التفاوضي المتقدم بين واشنطن وطهران، أثارت تغريدة السفير الإيراني مجتبى أماني جدلاً واسعاً داخل الأوساط الشيعية اللبنانية، بعدما رآها كثيرون محاولة للتضليل وصرف الأنظار عن التفاهمات السرية الجارية بين إيران والولايات المتحدة. هذا الجدل فتح الباب أمام موجة نقاش عميقة داخل الطائفة الشيعية نفسها، طالت العلاقة مع إيران، وموقع «حزب الله» منها، وطرحت تساؤلات حادة حول ثمن هذا الارتباط السياسي والعسكري الذي يدفعه اللبنانيون، وتحديداً أبناء البيئة الحاضنة لـ «الحزب».
كشفت مصادر شيعية واسعة الاطلاع عن موجة امتعاض متزايدة داخل أوساط الطائفة الشيعية في لبنان، لا سيما بين الفئات غير المنضوية في الثنائية السياسية، في أعقاب تغريدة السفير الإيراني الأخيرة، والتي رأت فيها تلك الأوساط محاولة لتضليل الرأي العام الشيعي، و»قنبلة دخانية» تهدف إلى التغطية على المسار التفاوضي الجاري بين طهران وواشنطن، حيث تشير المعطيات إلى عروض إيرانية سخية جداً ومشجعة للأميركيين بهدف تسهيل التفاهم النووي مقابل مكاسب استراتيجية.
وبحسب هذه المصادر، فإن جزءاً كبيراً من البيئة الشيعية بدأ يشعر بأن إيران تستخدم لبنان وساحاته، وخصوصاً مناطق نفوذ «حزب الله»، كبوابة لتحسين موقعها التفاوضي، معتبرة أن تزامن التصعيد العسكري في الجنوب مع تلميحات إيرانية عن الانفتاح على اتفاق نووي جديد، يعكس تلاعباً واضحاً بمصير الطائفة وأمنها، بينما لا تظهر طهران أي اكتراث فعلي لما يحل بالمناطق الشيعية من دمار وخسائر.
المصادر نفسها تشير إلى أن هذا الغضب لم يعد محصوراً بين المستقلين، بل خرج إلى العلن عبر شخصيات شيعية محسوبة على الثنائية، وخصوصاً من القاعدة الحزبية لـ «حزب الله»، والتي عبّرت عن امتعاضها مما وصفته بـ «الخداع الاستراتيجي» الإيراني، مؤكدة أن المصلحة الإيرانية العليا باتت تتحقق على حساب أبناء الطائفة الشيعية في لبنان. وتضيف المصادر أن جملة ترددت مؤخراً داخل صالونات شيعية مغلقة مفادها: «كل ما هو خارج إيران لا يعني طهران إلا بقدر ما يخدم مصالحها»، في إشارة إلى حجم التباعد بين حسابات الضاحية الجنوبية وحسابات قم.
وتتابع المصادر بالقول إن الأسئلة التي بدأت تتردد علناً داخل الطائفة، لم تعد تقتصر على شكل العلاقة مع إيران، بل باتت تطال بشكل مباشر قيادة «حزب الله». إذ تُطرح علامات استفهام متكررة داخل المجالس الشيعية حول صمت «الحزب» حيال توظيف إيران للميدان اللبناني كورقة ضغط تفاوضية، حتى لو كان الثمن هو دماء اللبنانيين الشيعة ومنازلهم ومزارعهم ومؤسساتهم.
وتتساءل هذه الأوساط عن جدوى بقاء «الحزب» أسيراً للمحور الإيراني في وقت بدأ فيه المنظّرون الإيرانيون باستعارة مصطلحات من قواميس جماعات إسلامية مثل «الإخوان»، كالقول: «إذا جنحوا للسلم فاجنح»، وهو ما يُعد انزياحاً لافتاً عن الخطاب التقليدي للمقاومة.
وتؤكد المصادر أن هناك مطالبة تتسع بوتيرة لافتة في الشارع الشيعي بأن يبادر «حزب الله» إلى مراجعة موقعه السياسي، وأن ينأى بنفسه عن أن يُستخدم أداة تفاوض إيرانية، معتبرة أن على «الحزب» أن يخطو خطوة لبنانية صرفة تتمثل بوضع سلاحه في تصرف الدولة اللبنانية، بدلاً من ربط هذا التنازل بمصير الاتفاق النووي الأميركي الإيراني. وتسأل المصادر: «هل يجب أن يُرفع الحظر الأميركي عن إيران حتى تقرر الأخيرة أن الوقت مناسب لـ ’لبننة’ «حزب الله»؟».
وفي السياق، تكشف المصادر أن غالبية القوى السياسية المعارضة لـ «حزب الله»، على تنوعها، لا تريد تحويل أي نكسة عسكرية قد يتعرض لها «الحزب» إلى هزيمة سياسية، بل على العكس، تؤكد حرصها على الفصل بين ما يحدث في الميدان، وبين موقع «الحزب» ودوره داخل اللعبة السياسية اللبنانية، شريطة الالتزام بالدستور وآليات الدولة، ومبدأ الشراكة المتساوية بين جميع اللبنانيين. وتختم المصادر بالقول: «إذا كان «الحزب» يرفع شعار الشراكة، فلماذا لا يلاقي الآخر إلى منتصف الطريق؟ لماذا يبقى أسيراً لمعادلة الاستقواء الخارجي بدل البناء الداخلي؟».
وفي ظل هذا المناخ، تزداد الأصوات المعارضة داخل الطائفة نفسها رفضاً لسياسة كم الأفواه والترهيب، بعدما بات واضحاً – بحسب المصادر – أن المقتلة الأخيرة التي شهدها الجنوب والبقاع والضاحية وصولاً إلى كل مساحة لبنان، كشفت الحاجة الملحة إلى إعادة الاعتبار للتنوع داخل الطائفة الشيعية، والتخلص من منطق الإخضاع والتخوين والاستعلاء، الذي لم يعد مقبولاً في زمن الانكشاف الكبير للدور الإيراني ومحدوديته، حتى داخل بيئته الأكثر التصاقاً به.
ووسط كل ذلك، تبدو لحظة الحقيقة تقترب، إذ بات من الصعب على «حزب الله» تجاهل التحولات العميقة التي تشهدها قواعده، في ظل متغيرات إقليمية كبرى قد تفضي في نهاية المطاف إلى مقايضات تتجاوزه، في حال لم يبادر هو إلى تغيير موقعه بملء إرادته، واختيار لبنان على ما عداه.
داود رمال - "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|