الصحافة

أحمد الشرع: وداعاً فلسطين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كشف النائب الأميركي مارلين شتوتسمان قبل أيّام تفاصيل محادثات أجراها مع القائد السوري أحمد الشرع أعرب الأخير فيها عن رغبته بالانضمام إلى اتّفاقيات أبراهام، أي معاهدات السلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربيّة. وأوضح شتوتسمان أنّ شرط الشرع لتطبيع العلاقات مع اسرائيل هو الحفاظ على وحدة سوريا، ووقف التوسّع الإسرائيلي في الجولان. تكتسب مواقف الشرع أهميّة خاصّة للسببين التاليين:

أوّلا، يتكلّم الشرع كرئيس الدولة السوريّة، ولم تزايد دولة عربيّة بالمسألة الفلسطينيّة بقدر ما زايدت سوريا تقليديّاً. يعلم المدقّق بالتاريخ السوري الحديث أنّ الالتزام اللفظي بتحرير فلسطين ظلّ معطىً ثابتاً مهما تألّبت أنظمة دمشق بين حكم مدني وحكم عسكري، ونخب سنيّة ونخب علويّة، وقيادات ذات اتّجاهات غربيّة وأخرى متحالفة مع السوفيات في زمن الحرب الباردة. باختصار، بقي رفع راية فلسطين شرط المشروعيّة الشعبيّة في سوريا من زمن "الحكم الوطني" – أي حكم أعيان السنّة – بعد الاستقلال، حتّى بشّار الأسد. أن يكسر أحمد الشرع تابو فلسطين والعلاقة مع اسرائيل يعني أنّه يعلم أنّ قاعدته الشعبيّة لن تتأثّر سلباً بذلك. ولعلّ الشرع يغازل إسرائيل كي يثنيها عن دعم مطالب أكراد سوريا ودروزها بالحكم الذاتي. غالب الظنّ أن هذا ما يقصده الشرع بالحفاظ على وحدة سوريا كشرط للتطبيع. ولطالما اشتمّ الوعي الأكثري في سوريا والمنطقة رائحة التقسيم وراء أيّ مطلب فدرالي تسعى خلفه أقليّة. ومع التحفّظ المبدئي على هذا النوع من الحسابات، فهذا يعني أنّ الشرع يتحرّك انطلاقاً من معطيات محليّة تبقى بأيّ حال أفضل من زجليّات العروبة التي خرّبت وعي السوريّين، ووعي سواهم، طوال مئة عام من عمر الدول الوطنيّة الحديثة في المشرق.

ثانيا، أحمد الشرع إسلامي سنّي. أن يقارب مسألة السلام مع إسرائيل بعقلانيّة يكمل ما بدأه الإخوان المسلمون في مصر أثناء حكمهم القصير لها بين 2011 و2013، إذ تمسّكوا آنذاك بمعاهدة كامب دايفيد، وكذّبوا المخاوف التي افترضت أنّ وصول إسلاميّين إلى سدّة الحكم في القاهرة يعني بالضرورة عودة الحرب مع إسرائيل. وقبل عقدين من الزمن، وضع الباحث الأميركي من أصول إيرانيّة ولي نصر كتابه المعروف عن الصحوة الشيعيّة، زعم فيه أنّ سنّة الشرق الأوسط يدخلون مرحلة ظلاميّة عنوانها التطرّف والجهاد ورفض الديمقراطيّة، بينما يتّجه الشيعة إلى الاعتدال والعقلانيّة والتصالح مع الحكم الديمقراطي. أثّرت نظريّات نصر على أداء إدارة جورج بوش الإبن في العراق وبفهمها له، ولكنّنا نعلم اليوم أنّ أحداً لم يخطئ بقراءة تحوّلات المنطقة بقدر ما أخطأ نصر. بالحقيقة، من اتفاقيّات أبراهام، إلى التطوّرات الاقتصاديّة في الإمارات، إلى مسار التحديث الاقتصادي السعودي الذي يقوده محمّد بن سلمان، إلى تصريح بن سلمان قبل سنوات أنّه لا يعتبر إسرائيل عدوّاً، وصولاً إلى موقف أحمد الشرع الأخير، كلّ ما هو عقلاني، وناضج، ويمكن التعويل عليه لطيّ صفحة النزاعات بالشرق الأوسط، يأتي من سنّته. بالمقابل، يبقى المحور الشيعي مشدوداً الى إيديولوجيا ماضويّة، وأكثر أداء تخريبياً بتاريخ المنطقة.

وكمراقب لبناني لتحوّلات الإقليم، وللخطاب الجديد الذي يطلّ برأسه فيها، أشعر بمزيج من أمل حذر، ومرارة. وأمّا الأمل الحذر، فلأنّ شيئاً ما إيجابيّاً لعلّه يتحرّك تحت رماد المدن المخرّبة، والدماء المشرورة بلبنان وسوريا والعراق. لعلّ ذلك يكون بشائر ربيع قادم بعد مئة عام من الحروب المتناسلة، أو هكذا آمل بكلّ حال. وأمّا المرارة، فلأنّ المكوّن المسيحي بلبنان لم يقل مرّة غير ما يقوله الخطاب الجديد اليوم. ومن الأساس، انحاز مسيحيّو لبنان عموماً إلى فكرة الدولة الوطنيّة ضدّ القومجيّات على أنواعها؛ وإلى التهدئة مع إسرائيل ضدّ التصعيد؛ وإلى العلاقات الايجابيّة مع الغرب، ضدّ المراهقة الثوريّة. يبدو أنّ المنطقة تصالحت مع كلّ ذلك، ولكن فقط بعد أن سدّدت امتداداتها بلبنان ضربات قويّة لمن حافظ على عقله وسط موجات الجنون. 

هشام بو ناصيف- نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا