"ظلّ الحريري" والهجمة المرتدّة على الحكومة و "العهد الجديد"
عقّدت الاعتراضات والـ "فيتوات" المتبادلة على وقع ارتفاع حدّة الاستقطاب الطائفي والمذهبي، إمكانية الوصول إلى صيغة انتخابية في بلدية بيروت تضمن المناصفة وتجعل التركيز على المنافسة، وتحظى بالوقت نفسه بقبول القواعد الناخبة المتباينة الهواجس.
وبالتالي لم يعد في الإمكان سوى الرهان على السلوك الانتخابي المسؤول لأهل بيروت، كما فعل رئيس الحكومة نواف سلام. لكن نجاح الرهان هذا، يتطلّب السير بتوافقات موسّعة، مدعومة بحملات حثّ وتشجيع للحدّ من التشطيب الطائفي وتغليب الحسّ الوطني، في ظلّ معطيات جدية تشير إلى أن انكسار دفّة التوازن، سيطيح بالمجلس البلدي المنتخب، مقابل تفجير الشارع إذا ما جرت قوننة المناصفة وحدها.
والحال أن سلام يواجه الضغوط الهائلة التي تكابدها حكومته بنهج يتّسم بالحنكة. فمقابل الصلابة التي أبداها في مناقشة تعديلات قانون السرية المصرفية، فإنه أظهر مرونة حيال التعقيدات التي تحيط بمسألة الانتخابات البلدية في بيروت، والتي أريد من خلالها الطعن في مشروعيّته السنية.
تحاول الأطراف المتضرّرة من التحوّلات السياسية الحاصلة، وعلى رأسها "تيار المستقبل"، استغلال عدم تمتّع رئيس الحكومة بالشعبية اللازمة التي تجعل السنّة يركنون إلى كونه المرجعية الضامنة لهواجسهم ومستقبلهم ضمن تركيبة النظام، وهو ما يعدّ أمراً طبيعياً لأي شخصية تدخل السراي الحكومي من خارج نادي السياسيين التقليديين، لتأليب الشارع عليه، وصولاً إلى الإطاحة به وطيّ صفحة النموذج الذي يجسّده.
انطلاقاً من إدراك الرئيس سلام لما تشكّله الانتخابات البلدية في بيروت من تحدّ لتجربته بسبب ارتباطها الوثيق بمرجعية رئاسة الحكومة، فقد أعرب عن دعمه إقرار نظام اللوائح المقفلة تماهياً مع المزاج العام، في موازاة تمسّكه بالحياد والنزاهة، حيث يصعب العثور حتى على شائعة حول ميله لهذا الطرف أو ذاك.
إلّا أن "تيار المستقبل" التقط الفكرة، وأوقد المدّ السنّي متوشّحاً "سيف عمر بن الخطاب" لشنّ هجمة مرتدّة هائلة على رئيس الحكومة، من بوّابة النائب وضاح الصادق الذي أُلبس "قميص عثمان" بعدما اندفع لتقديم قانون يحفظ إرث رفيق الحريري، بالشراكة مع زميله مارك ضو.
الوضعية الرمادية التي صار إليها تيار الحريري غداة انسحاب رئيسه من العمل السياسي معطوفة على المظلومية، مكّنت كبار لاعبيه من بناء صيغة ملائمة لمصالحهم، تتيح لهم أن يكونوا "شركاء مضاربين" في أي استحقاق انتخابي بما يضمن تهشيم أي حالة سنية جماعية، وتحقيق مكاسب شخصية، دون تحمّل أيّ تبعات سياسية.
لكنّ الشعور بأن الأرض تميد من تحت نفوذهم على وقع التحوّلات السياسية الحاصلة، ومفاعيل قرار الرئيس سعد الحريري إزاء الاستحقاق البلدي والاختياري التي أفقدتهم زمام المبادرة في عملية صناعة اللوائح و "الإتجار" بالمرشحين، دفعهم إلى ممارسة أقصى درجات الشحن الطائفي والتلويح بالشارع، لإعادة ترسيخ دورهم ضمن اللعبة الانتخابية. وفي الوقت نفسه الطعن بـ "العهد الجديد" وخصوصاً رئيس الحكومة، والإثبات لكلّ من يعنيه الأمر في الخارج قبل الداخل أن الحريري هو "ضمانة" المناصفة والتوازنات الطائفية في بيروت ولبنان كله، وإن لم يكن هو فـ "ظلّه".
بيد أن الرئيس سلام تعامل مع هذا الموج العالي بمرونة، على نسق تعامله مع مسألة "السلاح غير الشرعي"، بتحويل موقفه نحو تأجيل البحث في اقتراحات القوانين التي قدّمها النواب لاحتواء الانفعال الطائفي المفتعل، أتبعه بنقل الكرة إلى ملعب البيارتة. بالتوازي مع بيان "مجلس المفتين" الداعم للتوافق حول أي تعديل، والذي يروم تبريد جمر الأزمة وسحبها من الشارع.
لمعرفة التأثير السلبي لسياسة حافة الهاوية التي يمارسها الحريريون وتجاوز آثارها تصحير الساحة السنية إلى تفجيرها، تكفي الإشارة إلى اضطرار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لإطلاق موقف عبر "مجلس المفتين" بما يمثّل من مرجعية سنية جامعة، وهي خطوة لا يتمّ اللجوء إليها إلّا في الحالات الدقيقة والحسّاسة لاستيعاب غضب الشارع، مثلما حصل غداة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل "حكومة القمصان السود".
ناهيكم بالدعوة إلى التظاهر أمام السفارة السعودية، والتي بمعزل عن مسؤولية "المستقبل" عنها، فإنها تعدّ ترجمة للإيغال في مناخات التحريض وصناعة المظلومية في السنوات الأخيرة، والتي صارت تشكل عبئاً على مستقبل السنّة ومصالحهم، لا يمكن الاستهانة بها.
سامر زريق-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|